العدد 5173 - الجمعة 04 نوفمبر 2016م الموافق 04 صفر 1438هـ

كيف أدار حزب العمال صراعه بديمقراطية؟

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

تعرض حزب العمال البريطاني لنكسة كبرى في انتخابات 2015 بزعامة ايد مليبان، وحصل على أقل عدد من النواب في تاريخه، 232 من بين ما مجموعه 650 نائبا، بحيث قدم ايد ميليبان استقالته فوراً، وهو ما لم يحدث في تاريخ حزب العمال أو غيره من الأحزاب الكبرى، إذ جرت العادة إما بتفويضه مجدداً في مؤتمر الحزب، أو انتخاب رئيس جديد للحزب في المؤتمر.

ولقد اختارت الكتلة النيابية ومجلس مفوضي الحزب اليساري المعروف جيرمي كوربن، زعيماً جديداً للحزب، وسط انقسامات وخلافات حادة؛ باعتبار الكثيرين أن كوربن لا يمثل الخط الرئيسي للحزب، وأنه ليس موضع توافق كتله المختلفة.

طرح كوربن نفسه مُجدِدًا، وكذلك أميناً على مبادئ حزب العمال، كحريص على مصالح أوسع فئات العاملين، والعدالة الاجتماعية، ونصرة قضايا الشعوب، وتوسيع الديمقراطية داخل الحزب، وتعتبر الأخيرة أهم القضايا، تبين لكوربن والكثيرين داخل الحزب أن التفويض بزعامة الحزب لشخص ما، يعني تفردا كبيرا بالسلطة، حيث تتخذ القرارات والتعيينات من قبل زعيم الحزب وحكومة الظل التي يرأسها، في حين يشكل نواب الحزب قاعدة تزكية القرارات الكبرى دون أن يكون لقواعد الحزب دور في اتخاذ تلك القرارات والتعيينات.

طرح كوربن تصفية الإرث الذي تركه طوني بلير، والذي جير انتصار حزب العمل في انتخابات 1997 بعد طول حرمان من السلطة، ليحرف حزب العمال عن التزامه بالقضية الاجتماعية داخليا، والسياسة الخارجية المراعية للشعوب الأخرى، كلنا نعرف انه تربع في مجلس وزرائه وقيادات الحزب مليونيرات، وذوو ارتباطات بالشركات الكبرى بل وفاسدون، وبالنسبة إلى السياسة الخارجية فكلنا نعرف ان بلير تآمر مع الرئيس الأميركي بوش لغزو العراق في 2003، استنادا إلى معلومات مضللة جرى الترويج لها وعرضها وزير الخارجية الأميركي كولن باول في مجلس الأمن، واعترف لاحقاً بأنها كانت كاذبة، ومفادها أن العراق يملك أسلحة دمار شامل على رغم تدمير هذه الأسلحة من قبل فرق الأمم المتحدة ضمن اتفاقية صفوان؛ لإنهاء حرب التحالف العالمي بقيادة أميركا ضد العراق لإخراجه من الكويت، وقد أثبتت لجنة تشيلكوت والتي شكلتها حكومة براون والتي استمر عملها لسنوات واستمعت تكرارا إلى بلير، أنه خاض الحرب دون أن يشكل العراق تهديدا للمملكة المتحدة.

تصفية إرث بلير في حزب العمال ليست مسألة سهلة، إذ إنه حكم البلاد عشر سنوات، وهندس بنية الحزب وخطه السياسي واستراتيجيته خلالها. والذين خلفوه في زعامة الحزب مثل براون، وايد مليبان هم ضمن خطه، بينما كان كوربن وآخرون يخالفونه تماما، ولذلك جاءت خسارة الحزب المذهلة في الانتخابات للعام 2015 لتشكل هزة عنيفة، وفرصة لمراجعة الاستراتيجية وسياسات الحزب ومواقفه.

كوربن واضح في التزامه بالعدالة الاجتماعية ومحاربة العنصرية، وحقوق الأقليات في بريطانيا وخارجها، ومؤيد قوي لحقوق الشعوب ضد الأنظمة الاستبدادية، وكانت له مواقف قوية داخل بريطانيا والمنتديات العالمية ومنها جنيف.

ولهذا طرح ضرورة الإصلاح الضريبي، وتقليل الإنفاق على برامج التسلح المكلفة، وكذلك التحكم في مبيعات الأسلحة للأنظمة التسلطية. وبالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي فقد كان كوربن مؤيدا لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي مع تحفظاته على سياسات بروكسل، وامتيازات بيروقراطيتها على حساب دافعي الضرائب.

وبالنسبة إلى تطوير الديمقراطية داخل الحزب وخصوصا اختيار رئيس الحزب، فقد طرح كوربن اصلاح النظام الداخلي، بحيث يتم انتخاب زعيم الحزب من بين المتنافسين، بناء على برنامجهم وسجلهم مباشرة من قبل أعضاء الحزب والمساندين مباشرة بالاقتراع المباشر، قبل انعقاد مؤتمر الحزب السنوي والذي يقر الفائز، وتنتخب الأمانة العامة الجديدة، وتفوضه اختيار وزارة الظل. وهنا أيضا كانت عدة خيارات مطروحة، ومنها تصويت نواب الحزب على حكومة الظل، أو تصويت أعضاء الحزب من خلال استفتاء ثان، علما بأن عدد من يحق لهم الانتخاب لا يتجاوز نصف مليون. بعد اجراء الانتخاب المباشر فاز جيرمي كوربن بنسبة 62 في المئة مقابل منافسة أوين سميث (Owen Smith) الذي نال 36.5.

انعقد مؤتمر حزب العمال في مدينة ليفريول خلال (24 إلى 26 سبتمبر/أيلول 2016)، والذي يعتبر من أهم مؤتمرات الحزب، في ظل انقسام شديد، وشعور بالحاجة الى تجديد سفراء في قيادة الحزب أو حكومة الظل أو برنامج الحزب وسياساته وتوجهاته.

دخل كوربن المؤتمر بتفويض 62 في المئة من أعضاء الحزب، الذي أيد برنامجه في التجديد على مختلف المستويات، مع الاحتفاظ بتراث حزب العمال الإيجابي. ومن المعروف أن غالبية نواب الحزب وأعضاء حكومة الظل كانوا ضد كوربن، لكنهم انحنوا لإرادة أعضاء الحزب وقاعدته.

قدم كوربن نفسه كزعيم لكل أعضاء الحزب بمن فيهم مؤيدوه ومعارضوه، حاثًّا المؤتمر على ضرورة الوحدة، ومواجهة حكومة المحافظين برئاسة تيريزا ماي سواء في سياساتها الداخلية أو الخارجية، باستثناء الخروج من الاتحاد الأوروبي الذي صوت له 55 في المئة من الناخبين البريطانيين على رغم كون حزب العمال وكوربن قد دعوا الى البقاء في الاتحاد الأوروبي، لكنهم احترموا إرادة الناخبين.

كما طرح كوربن ضرورة معالجة انحسار الحزب في إسكتلندا، حيث لم يعد للحزب سوى بضعة نواب، والتحدي الذي يمثله خروج اسكتلندا المحتمل من المملكة المتحدة، وكذلك انحساره النسبي من ويلز.

اختار كوربن جون ماكدونل نائباً له، لكنه ترك مسألة اختيار حكومة الظل إلى ما بعد المؤتمر، والصيغة التي اقترحها هي أن يتم انتخاب الثلث عن طريق كتلة نواب الحزب، والثلث الثاني من قبل أعضاء الحزب، والثلث الأخير يعينه كوربن، لكن ذلك لم يحسم وتبين أن ذلك غير عملي أيضا.

ولذلك تقرر لاحقا ان يقوم كوربن بتسمية مرشحين لحكومة الظل، ويتم انتخابهم من قبل نواب الحزب، مع الأخذ في الاعتبار استطلاعات الرأي العام لقاعدة الحزب.

وبالنسبة إلى قيادة الحزب (اللجنة التنفيذية الوطنية من 33 عضواً)، فقد أدخلت تعديلات كبيرة لإزاحة متنفذين من عهد بلير سيطروا على مفاصل الحزب، وفي ضوء فوز كوربن الكاسح وما يرمز اليه، وأجواء المؤتمر فقد انسحب الكثير منهم ولم يرشحوا أنفسهم أصلا، لكن مكدونال أكد أن ليس من عملية تطهير في قيادات الحزب؛ لكن الاستجابة لمطالب القاعدة بالتغيير. وهكذا فقد تجاوز حزب العمال أهم أزمة في تاريخه، من خلال تعزيز الديمقراطية في صفوف الحزب، ودور أكبر لقاعدة الحزب في اختيار قيادة الحزب وخياراته الاستراتيجية، واستعادة وحدة الحزب، استعداداً للانتخابات المقبلة، حيث يدعو الحزب لانتخابات مبكرة، لكن ذلك بيد حزب المحافظين الحاكم.

وعلى أية حال فإن الشعب البريطاني، وكثيراً من شعوب العالم التي تربطها علاقات قوية مع بريطانيا تنتظر التغيير القادم من خلال وصول حزب العمال إلى الحكم مرة أخرى.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 5173 - الجمعة 04 نوفمبر 2016م الموافق 04 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 4:43 ص

      من دمر العراق وبلاد بلدان المنطقة غير المستصلحين.. الهدم اسهل من البناء والنقد السلبي لا يحتاج الى عبقريه او طاقه اصلاً

    • زائر 2 | 1:03 ص

      لهم في بلدهم كامل الديمقراطية وحقوق الانسان ويصدّرون لنا الاضطهاد الطائفية والعنصرية والقمع والقتل والدمار

    • زائر 1 | 10:14 م

      يقولون اذا عرف السبب بطل العجب فالمعروف عن هذا الشخص الذي تمدحه كره الشديد لكل ما هو عربي وكذلك انتقاده المتكرر وألفج للبحرين .هنيئا لك ... التكهن بفوزه وسيكون كما فعل بلير في العراق كما ذكرت انت الان فى مقالك هذا ..

اقرأ ايضاً