العدد 5173 - الجمعة 04 نوفمبر 2016م الموافق 04 صفر 1438هـ

عبدالله البرباري... مؤرخ القرية شعراً

يوسف مكي (كاتب بحريني) comments [at] alwasatnews.com

كاتب وباحث بحريني

عندما تتذكر عبدالله بن علي البرباري تلك الشخصية المرحة فإنك تتذكر حالاً تلك الأشعار الشعبية التي يرتجلها بعفوية وسرعان ما تطير في الأنحاء ويرددها الأهالي بعد حين ويحفظونها عن ظهر قلب.

وذلك ليس غريباً على شخصية قروية محببة من الجميع مثل المرحوم عبدالله البرباري أن يحظى باهتمام أهل القرية ويتداولون أشعاره جيلا بعد جيل، فيكفيه أنه شاعرها الأوحد في نظم الشعر الشعبي، وهو الذي يؤرخ لمناسباتها وفعالياتها الاجتماعية والدينية والترفيهية، وكل مناسبة يصادف وجوده فيها. فيرون فيه وفي أشعاره بعضاً من تاريخهم الجميل وذكرياتهم الغابرة.

لذلك لا غرابة أن تجد كثيراً من الأهالي نساء ورجالاً يلهجون بأشعاره ويرددونها في المناسبات التي تناسب المقام.

المهم أن أهمية الشاعر عبدالله البرباري كشخص وكشاعر تتجلى في ثلاثة جوانب مهمة تتوافر مجتمعة في شخصيته:

الجانب الأول انه شاعر مطبوع وموهوب بالفطرة ولم يكن متعلماً قط . لكنه استطاع بجدارة أن يكون الشاعر الشعبي الأول في قرية باربار ويترك ثروة شعرية ذات أهمية تاريخية وفنية وجمالية حيث يتسم شعره بالبساطة والعفوية وعدم التكلف واختيار الكلمات البسيطة التي تتناسب والمقام. لذلك نجد سهولة في حفظ تلك الأشعار من قبل الأهالي بسبب بساطتها أولاً، ولأنها نابعة من الممارسات الحياتية وممثلة لسريان الحياة في القرية ثانياً. بمعنى أن أشعاره تمثل انعكاساً أميناً لحياة القرية.

الجانب الثاني فيبدو في أن هذه الأشعار مثلت جانباً مهما من الذاكرة الجمعية لعشرات السنين من تاريخ القرية، وبذلك يمكن القول إن أشعار عبدالله البرباري هي بمثابة التاريخ الشعري لقرية باربار خلال حقبة تاريخية مهمة - منذ الثلاثينيات حتى وفاته - أو التاريخ موثقا شعراً كما كان هزيود يوثق بشعره تاريخ اليونان.

وعلى هذا الأساس فإن أشعاره تكتسب أهمية مركبة فهي كإبداع شعري يمكن أن يُقرأ كأدب من أجل المتعة الفنية والترفيه، وهذا ما كان يحدث بالضبط في بعض الجلسات الاجتماعية لأهالي القرية، وفي الوقت نفسه يمكن أن يعامل هذا الشعر الشعبي كتاريخ والاستفادة منه في التعرف على كثير من الوقائع والأحداث والمناسبات الاجتماعية والتاريخية التي حدثت في القرية لعشرات السنين، ولا يوجد ما يوثقها غير أشعار البرباري، وخاصة إذا عرفنا أن جل أشعاره هي مرتبطة بشكل مباشر بالمناسبة أو الحدث الذي نظمها الشاعر فيه. كما أن أشعاره لا تتعلق بالحوادث فقط؛ بل تشمل في كثير من الأحيان الأشخاص. فيمكن أن يلتقي شخصاً من القرية في الطريق فتجود قريحته فيه شعراً، مدحاً أو هجاءً أو سخرية.

أما الجانب الثالث فيتمثل في السمات الشخصية للشاعر، فقد كان يتسم بحس الفكاهة والدعابة والطرفة والقدرة على التقاط السمة أو الصفة الأساسية للأشخاص الذين يتعامل معهم، وكذلك في التقاط الشيء الجوهري في الحوادث والوقائع ومن خلالها ينظم الشعر المناسب بطريقة تناسب المقام، كأن تكون الأشعار تهكمية أو ساخرة أو حكمية أو توثيقية، أو تنشد هدفاً محدداً. ومع ذلك فإن أشعاره تشمل مختلف الموضوعات العامة وحتى الشخصية. وبسبب من الكاريزما الشخصية - على رغم بساطته - التي يتمتع بها والصداقات التي يحظى بها من الجميع فقد أصبح محل إجماع وقبول من أهالي القرية فيما يقول من شعر حتى لو كان تهكمياً أو ساخراً من الأشخاص. ولأنه شخصية فكاهية وحلو المعشر فهو في بعض الأحيان يسخر شعراً حتى من نفسه ومن أولاده أيضاً. وأظن أن هذه سمة من سمات الشخصيات العظيمة ولنا في الجاحظ مثالاً. فهو يسخر من نفسه وحتى من أولاده كما هو وارد في كتابه «البخلاء».

ولكن عبد الله البرباري لم يكن شاعراً شعبياً فقط؛ بل كان من دعاة التحديث مثل دعوته لإنشاء مدرسة حديثة في القرية في أعقاب افتتاح الخدمة الكهربائية في القرية في مطلع ستينيات القرن الماضي. وقد عبّر عن ذلك شعراً بقوله:

«ما قصروا لشيوخ مشّت كهربا

والمدرسة نحتاج ليها في البلاد»

وقد تحققت هذه الأمنية قبل وفاته بعشر سنوات أي في العام 1969 حيث افتتحت أول مدرسة في القرية.

بقي أن نعرف أن أشعار هذا الشاعر ستنسى إذا لم يتم جمعها من أفواه الرواة والحفّاظ، وهذه عمليه يجب أن تتبناها مؤسسة مهتمة بتدوين وحفظ التراث سواء على صعيد القرية كأن يتبنى نادي باربار هذا المشروع بالدعم والمساندة، أو أي جهة رسمية معنية بحفظ التراث على صعيد الدولة.

أشير أخيراً إلى أن شاعرنا من مواليد العام 1913، وقد عمل منذ صباه في البحر ثم في الزراعة، إلا أنه لم يعمّر طويلاً فقد توفي في 19 يوليو/ تموز 1979، وله من العمر 66 عاماً. وبذلك تكون قرية باربار قد خسرت أحد أبنائها البارّين وشعرائها الملهمين. ولتعويض هذه الخسارة ليس بيد أهالي القرية من شيء يقدمونه للشاعر إلا أن يحتفوا به، ويستعيدوا تراثه الموزّع على الألسن ويجمعوه، وإلا سيئول إلى الضياع للأسف. فهل سنجد بادرة من هذا القبيل؟ نترك ذلك للمستقبل. أخيراً: رحم الله الشاعر عبدالله البرباري.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي (كاتب بحريني)"

العدد 5173 - الجمعة 04 نوفمبر 2016م الموافق 04 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 2:25 م

      من اشعاره
      احمد مهدي خله ما في الخلايق مثلا خبزه وحلواه فله بس انا ما عطاني عطاني نتفه ومن اللواف متكسفه بس الشربت رواني
      لشعر بقيه لاكن لا اذكر بقيته

    • زائر 3 | 1:08 م

      الله يرحمك ياجدي مالحقت عليك جان تصف لي كم بيت

    • زائر 2 | 10:37 ص

      رحمك الله يا جدي

    • زائر 1 | 5:16 ص

      الله يرحمه ويجازيه خير
      انجان وضعتون أمثلة لبعض قصائده وجزيتم خير

اقرأ ايضاً