العدد 5189 - الأحد 20 نوفمبر 2016م الموافق 20 صفر 1438هـ

«هَنَانُو» وتاريخنا المنسي

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بعد عام على بداية الأزمة السورية، بدأ الناس يسمعون عن منطقة في حلب تسمّى: هَنَانُو. وأحياناً يضيفون إليها لفظة: مساكن، والتي شهدت معارك عنيفة جعلتها قاعاً صفصفاً. هذه المدينة السداسية الأضلاع تقع شمال مطار حلب الدولي وشرق قلعة حلب، يلامسها شارع عز الدّين القسام الذي يفصلها عن منطقة بستان الباشا والصاخور، مجاورة بذلك لحي الحيدرية.

وبتفصيل أدق، فإن اسم هَنَانُو ليس آتياً من القول العربي الشهير: «بعير ما به هانَّةٌ ولا هُنانة» وتعريف الهانَّةُ والهُنانَة على أنهما «الشحمة في باطن العين تحت المُقْلة» كما جاء قواميس اللغة، بل إن اسم تلك المدينة أطلِقَ عليها نسبة إلى شخصية نضالية بارزة في التاريخ العربي والسوري خصوصاً، وهوإبراهيم سليمان هَنَانُو الذي وُلِدَ في العام 1869 وتوفي سنة 1935.

وُلِد هَنَانُو (الذي تُصادِف وفاته اليوم الاثنين الـ 21 من نوفمبر) غرب مدينة حلب لعائلة ثرية جداً. وعندما بلغ منتصف العشرينيات قرر أن يتجّه للتعليم الجامعي تاركاً تجارة أبيه لينتظم في المدرسة الملكية في اسطنبول. ثم تطوّر في سلكه التنفيذي فأصبح قائم مقام ومدير ناحية. وبعد الثورة العربية الكبرى أصبح عضواً في المؤتمر السوري وجمعية الفتاة ذات العمل السري.

بعد انسحاب العثمانيين من أنطاكيا (هاتاي التركية وجوارها الآن) عادت هذه المنطقة إلى الوطن السوري، لكن ما لبث أنْ جاء الفرنسيون مستعمرين للوطن السوري. وقد انخرط إبراهيم هَنَانُو في مقاومة المستعمر الفرنسي الجديد منطلقاً من مدينة حلب ومستعيناً بمدد يأتيه من دمشق.

لكن معركة «ميسلون» التي وقعت في يوليو/ تموز 1920، بين الجيش الفرنسي بقيادة هنري غورو وبين الفدائيين السوريين بقيادة يوسف العظمة، كانت منعطفاً مهماً في حياة هَنَانُو الذي تحصّن في منطقة بيلان (أو بيل إن كما يسميها الأتراك) على طريق الاسكندرونة – حلب ومعه قوة من المقاتلين. وقد لحِقَ به الفرنسيون لكنه عجزوا عن إخضاعه بشكل كامل طيلة سنين.

وقد وسّع هَنَانُو من تحالفاته السياسية والعسكرية فوصل خطاً مع الشريف عبدالله بن الحسين في الأردن. لكنه وخلال زيارته لفلسطين اعتقله الانجليز في القدس وسلّموه إلى الفرنسيين متناسين عداوتهم التقليدية معهم. وقد خَفَره الفرنسيون إلى حلب وحاكموه، إلاّ أنهم اضطروا لإطلاق سراحه تحت وطأة الغضب الشعبي الذي أشعل الهلال الخصيب كله فضلاً عن سورية، ليخرج مناضلاً سياسياً هذه المرة (وهناك رواية أخرى تتحدث عن إلقاء القبض عليه في أنطاكيا بفعل إخبارية وصلت إلى الفرنسيين) وبقيَ غير معترِف بالانتداب الفرنسي ولا حتى بالتعاون مع باريس حتى توفي.

هذه السيرة في النضال يبقى «ألفَتْ» ما فيها هو أن نعرف بأن إبراهيم هَنَانُو كان «كردياً» وليس عربياً! وهو ما يزيد من قيمة الرجل كونه ذاب من سبيل قضايا أكبر متجاوزاً انتماءه الجُدُودي لصالح المحيط الأوسط، إلى الحد الذي جعل الكثير من المثقفين والسياسيين الأكراد لأن يُجافوا الرجل ولا يعطوه حقه كما ينبغي، والسبب أنه سخَّر جُلّ حياته في سبيل القضايا العربية الكبرى.

بل وحتى عقدة العلاقة الكردية التركية تجاوزها إبراهيم هَنَانُو حين تزوّج من فتاة تركية. وعندما تُوفيت بعد إنجابها لابنها طارق لم يتزوّج بعدها حتى وفاته. وربما كانت تلك الزِيحة واختلاط الدَّم الكردي بالتركي وجهاً آخر من شخصية إبراهيم النادرة والمتجاوزة للحساسيات العِرقية والقومية الضيقة لصالح العلاقات الإنسانية الأوسع.

لكنه وفي الوقت نفسه، لم يكن إلاّ مُدافعاً عن قضايا سورية. ففي اللحظة التي قاتل فيها الفرنسيين كان مدافعاً عن عروبة حلب في وجه الأطماع التركية، وبعض مُسوّقي ذلك الذين كانوا يسعون لتتريكها. حدث هذا قبل أن يحصل الاتفاق التركي الفرنسي في كيليكيا لتشتد القبضة على تجربة هَنَانُو في الشمال السوري. وعندما أسّس حكومة الثورة في أنطاكيا أسّسها حكومة عربية.

كان أفق الرجل لا يُقارَن بما هو موجود اليوم لدينا (على رغم فارق الزمن الذي من المفترض أن يكون قد تطوّر بفعل العلم ونظام الاتصالات). فلم يكن يُقدّم تحالفاته على حقوق ساكنِيْ المناطق التي تحت سيطرته. ويذكر لنا التاريخ كيف ضحّى بعلاقته مع أحد أهم داعميه في الآستانة في سبيل الحفاظ على حقوق المسيحيين في سورية، حين تمّت الإساءة إلى ممتلكاتهم.

اليوم، وفي المدينة التي سُمِّيت باسمه: هَنَانُو، توجد ضواحي أخرى إلى جانبه، أحدها باسم سلطان باشا الأطرش الذي ثار من أجل سورية بمجموعها دون أن ينظر إلى «دُرزيته»، وأيضاً يوجد مَعْلَم للشيخ صالح العلي الذي ثار على المستعمر من أجل بلاده دون أن ينظر إلى «علويّته». وهي التقسيمات التي بتنا نسمعها على ألسنة التطرف الدِّيني الذي بات «يستتيب» الدروز، ويقتل العلويين، في صورة ممسوخة، لا تفهم التاريخ السوري على حقيقته، وهنا أساس البلاء.

إبراهيم هَنَانُو (الكردي) وسلطان باشا الأطرش (الدُّرزي) والشيخ صالح العلي (العلوي) شكَّلوا جزءًا مهماً من التاريخ السوري الحديث وقادوا النضال فيه، قبل أن يأتي الطارئون على العالَم ليمنحوا الناس صكوكاً للغفران والحرمان وجرّ الفضاء الإنساني إلى حالة من التشطير وفرز الناس وكأننا ننتقي فواكه فاسدة من صندوق! فتباً لهذا الزمن المُر الذي باتت تتحكّم فيه الرُّويْبضَة!

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5189 - الأحد 20 نوفمبر 2016م الموافق 20 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 11:32 ص

      الدروز مجموعة اشتراكية مغلقة منذ الف عام من خليط عجيب وجميل فمنهم الفارسي الكيواني والكردي والقوقازي والإسماعيلي الفاطمي والقرمطي ومنهم العربي القحطاني والعدناني القيسي اليمني التنوخي والبحتري

    • زائر 4 | 5:07 ص

      الدروز و العلويون من أصول بحرانية من إحساء الكرامة و لذلك فقط يحيا الرئيس بشار الأسد.٠

    • زائر 3 | 12:08 ص

      ما أفوت عمودك للفائدة التي اجنيها
      شكرا لك

    • زائر 1 | 9:42 م

      هذا الزمن الجميل انتهى و كاننى نتطور الى الجاهلية

    • زائر 2 زائر 1 | 12:07 ص

      صح

اقرأ ايضاً