العدد 519 - الجمعة 06 فبراير 2004م الموافق 14 ذي الحجة 1424هـ

خلافات قوى الشارع العراقي قد تتفاقم باتجاه اندلاع حرب أهلية مؤلمة

مهدي السعيد comments [at] alwasatnews.com

مع تعقيدات الوضع العراقي وتصاعد حدة الخلافات بين الاطراف الاساسية التي تحرك الشارع العراقي حاليا ينتاب القلق الشديد معظم العراقيين في الداخل والخارج من إمكان انتقال هذه الخلافات إلى مرحلة الحرب الأهلية التي يصعب التحكم بها بفعل طبيعة التركيبة الاجتماعية وتداخل الموزاييك الاثني العراقي مع بعضه البعض.

وإلى وقت قريب لم يكن أحد يتوقع تراجع مجلس الحكم العراقي عن قراراته السابقة التي اتخذتها مؤتمرات المعارضة العراقية في نيويورك ولندن عبر مشاركة قواه وشخصياته الحالية بإحالة السلطة إلى مجلس منتخب بصورة شرعية حال سقوط نظام صدام حسين وهذا الأمر لم يحدث، إذ يحاول أعضاء المجلس استبدال صيغة سلطتهم الحالية بصيغة اجراء تقوم على مبدأ التعيينات، ونجاح هذه الصيغة لا يمكن ان يتم إلا من خلال رفض مبدأ الانتخابات العامة التي دعا اليها المرجع الديني الأكبر السيد علي السيستاني.

وفي المقابل لم يتوقع أحد أن يظهر تيار إسلامي راديكالي بزعامة السيدمقتدى الصدر يرفض صيغة اشراك الأمم المتحدة في معالجة الوضع السياسي في العراق، وهو يدعو إلى اقصاء مجلس الحكم عن السلطة، وإنهاء الاحتلال الأمني للعراق بالسرعة المطلوبة.

وأخيرا لم يتوقع أحدا أن يظهر تيار المرجعية الشيعية المتمثلة بالسيدعلي السيستاني كقوة ضغط سياسية أحرجت مجلس الحكم وقوات التحالف فيما يتعلق بالموقف من الانتخابات العامة والحكومة الجديدة المقبلة. ولكن الأكثر مفاجأة هو ظهور تيار المرجعية السنية المتمثلة بهيئة علماء المسلمين التي بدأت تتبلور بصورة أكثر فعالية في الشارع السني، وهذا التيار يرفض اجراء الانتخابات بوجود الاحتلال ويدعو إلى إعطاء دور أكبر لسنة العراق في المشاركة في الحكم والإدارة.

أما تأثير تيارات القوى الأخرى وخصوصا القومية أو الليبرالية، فهو تأثير محدود للغاية، وأكثرية منتسبي هذه التيارات يتوزعون على قوى الشارع الرئيسية في ولاءاتهم.

وأمام هذه المعادلة من تشابك الخلافات، فإن الخطر الكبير حاليا قد يأتي من خلال طريقة معالجة الأمور بواسطة الإدارة الأميركية المحلية. فإذا شعرت هذه الإدارة بأن بقاء قواتها في العراق لم يعد ممكنا مع تصاعد ضربات المقاومة الموجهة لها أو انها توصلت إلى قناعة بعدم تراجع المرجع الديني الأعلى علي السيستاني عن موقفه من الانتخابات العامة، فإنها في هذه الحال ربما تلجأ إلى الانسحاب المفاجئ من المدن والبلدات العراقية تاركة موضوع الأمن والسيطرة على مرافق الدولة المختلفة لميلشيات قوى الشارع العراقي التي تقف حاليا في حال تأهب ومراقبة لتطورات الوضع السياسي، وخير دليل على ذلك تهديدات السيدمقتدى الصدر بالزحف على المدن العراقية لاحتلالها اذا لم تنه القوات الأميركية احتلالها للعراق.

وفي المقابل هددت أوساط من هيئة علماء المسلمين السنية باللجوء إلى السلاح لو أقرت قضية الانتخابات العامة في مثل هذا الوضع الاستثنائي وتحت سيطرة الاحتلال الأمني.

وفي هذه الاجواء يدخل أيضا العامل الكردي الذي يدعو إلى «الفيدرالية» الجغرافية والقومية لكردستان العراق. وهناك تقارب قد بدأ يظهر بين التيار الكردي والتيار السني فيما يتعلق بالانتخابات، اذ يرفض كلا التيارين اجراء هذه الانتخابات حاليا، ولكنهما يختلفان فيما يتعلق «بالتعيين» و«الفيدرالية».

وهناك عدد ليس بقليل من الاشخاص الذين فقدوا الأمل في الحصول على مراكز فعالة في المؤسسات القيادية الحالية كمجلس الحكم والحكومة أو حتى المحافظات، بعد ان قدموا الكثير من المعونات اللوجستية والاستخبارية وحتى السياسية للقوات الأميركية ولكنهم لم يحصدوا أي موقع فيما بعد، هؤلاء يراهنون على الفتنة الطائفية ويشجعون من خلال تصريحاتهم لوسائل الاعلام اشعال فتيل الحرب الأهلية، منطلقين من المقولة الشهيرة «عليّ وعلى اعدائي».

ان الخلافات التي تضرب قوى الشارع العراقي حاليا قد تتصاعد مع تصاعد التعقيدات الداخلية، وقد تنتقل إلى مرحلة مرعبة من الحرب الأهلية، فيما اذا استدرجت قوات الاحتلال هذه القوى إلى حال الامتثال للايقاع بها، ولضمان بقائها إلى أمر غير منظور في العراق بعد ان تكون قوى الشارع العراقي الفعالة قد التهت بقتال بعضها بعضا وتركت قوات الاحتلال بعيدا عن الهدف، وبذلك تستنزف هذه القوى قدراتها وتأثيرها بمرور الأيام بعد ان تجعل العراقيين يتوجهون نحو القوات الأميركية لضمان الأمن والاستقرار أو يطالبونها بالبقاء طويلا وربما باقامة قواعد عسكرية دائمة

العدد 519 - الجمعة 06 فبراير 2004م الموافق 14 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً