العدد 5191 - الثلثاء 22 نوفمبر 2016م الموافق 22 صفر 1438هـ

في إشكالية كتابة مدونة تاريخنا الوطني

يوسف مكي (كاتب بحريني) comments [at] alwasatnews.com

كاتب وباحث بحريني

منذ بداية التعليم في البحرين، ونحن ندرس التاريخ بمعناه الحديث عامة وتاريخ البحرين خاصة، ومع مرور قرابة قرن من الزمان على استيعاب أجيال متعاقبة لتاريخ بلادنا، فإننا لم نصل بعد إلى كتابة مدونة تاريخ وطني، بحيث يجد فيه كل مكونات الشعب البحريني صورتهم فيه، وينال إجماعهم بحيث تنطبق عليه بالتمام والكمال صفة وطني

ولاشك أن هناك تواريخ أنجزها مؤرخون بحرينيون منذ بدايات القرن العشرين، واستمرت هذه التواريخ إلى الآن، لكننا لم نجد بينها تاريخاً وطنيّاً عاماً مجمعاً ومتوافقاً عليه.

ربما كانت المحاولة الأولى والجنينية – على ما اعترضها من تحيزات– هي محاولة المؤرخ الراحلناصر مبارك الخيري (ت 1925) في كتابه (قلائد النحرين في تاريخ البحرين) وكان بالإمكان البناء عليها، والتزام مزيد من الحيادية والموضوعية في قراءة التاريخ وأحداثه من جهة، وفي تحليله واستنطاقه والاعتبار منه، من جهة أخرى.

صحيح أن التاريخ يُعنى بأمور الماضي وأحداثه، إلا أنه في نفس الوقت مرتبط بالحاضر؛ بل يمكن القول إن الحاضر هو في جزء خفي منه هو الماضي الحاضر، وفي جزء منه الحاضر، الحاضر المفتوح على المستقبل، وبالتالي فإن قضية التاريخ والتنازع عليه هي مسألة متعلقة ليس بما مضى؛ بل بما هو قائم وحاضر، أو الماضي في الحاضر. بمعنى أن التاريخ مع أنه متعلق بالماضي، لكنه جوهريّاً متعلق بإشكالات وتحيزات الحاضر بكل ما يضج به من أحداث ومواقف وسياسات .

فنحن مثلاً ندرس التاريخ منذ دخولنا المدرسة؛ لكن هذا التاريخ لم يستطع أن يكوّن وعياً تاريخيّاً عاماً وجمعيّاً، يمكن على أساسه تدشين مدونة تاريخ وطني للبحرين، يتم الاتفاق والتوافق عليها من قبل الجميع، بحيث تمثل في نهاية المطاف مرجعية تاريخية وطنية لكل من أراد أن يتحرى تاريخ هذه البلاد.

وحتى يتم تدشين هذه المدونة أو تاريخ جامع وشامل لشعب البحرين بكل مكوناته وبموضوعية على الأقل خلال الـ 200 سنة الأخيرة، فإن ما هو موجود من تاريخ أو تواريخ لا يعدو أحد إثنين. إما ان يكون تاريخاً من منظور رسمي ومجتزأ ومبتسر في غالب الأحيان ومن وجهة نظر تكريس جوانب من التاريخ وإبرازها في جانب، والتقليل من جوانب أخرى وإهمالها في الغالب مع أنها مهمة. أو من منظور المجموعات والطوائف والقبائل والعشائر والعوائل وهي تواريخ مهمة بالتأكيد؛ لكنها لا ترقى إلى ضرورة وأهمية التاريخ الوطني المتفق عليه ولا تغني عنه. وفي حالات محدودة هناك محاولات فردية من قبل مؤرخين محايدين وموضوعيين لتدشين تاريخ وطني شامل؛ لكنها مازالت تحت الظل.

وفي ظل هذا الوضع التاريخي الضيق الأفق، نجد أن التواريخ البديلة للتاريخ العام والوطني هي التواريخ الفرعية، تواريخ الأفراد والجماعات والطوائف والملل والنحل، والقبائل والعشائر لا، بل والعوائل. أي التواريخ الخاصة بدلاً من التواريخ العامة ذات البعد الوطني الجامع. من دون أن نقلل من قيمة التواريخ الخاصة.

طبعاً التاريخ الوطني العام لا يلغي التواريخ الخاصة، ربما تكون هذه رافداً من روافده، لكن أن تكون بديلاً عنه كما هو جارٍ الآن فهذا يعني أننا نعاني من إشكالية وأزمة عميقة في كيفية النظر الى تاريخ البحرين العام والحديث. وهذا يعني أننا لم يتبلور وعينا الوطني بما فيه الكفاية بحيث نخرج من كبسولة تاريخ المجموعة التي ننتمي إليها إلى التاريخ العام، ومازلنا بالمقابل نعيش ونتعايش في وعينا وفهمنا للتاريخ بالارتباط بالمجموعة أو القبيلة التي ننتمي إليها وحتى العائلة، لدرجة أننا نختصر ونختزل تاريخنا العام والوطني - وهو التاريخ الكلي - في تاريخ القبيلة أو في تاريخ هذه المجموعة أو تلك. في حين أن مفهوم التاريخ الوطني مع أنه يستوعب تاريخ القبيلة، إلا أنه يعني أكبر من تاريخ القبيلة والطائفة أو الجماعة. إنه يعني ما يعبر عن كل المكونات وليس عن مجموعة أو فئة.

في ظل هذا التشرذم على مستوى التاريخ الوطني إذن ما العمل؟

ببداهة نعتقد أن الأرضية المناسبة لتدشين حركة كتابة تاريخ وطني في بلدنا تبدأ بالاعتراف بالتواريخ الفرعية، أو بشكل أصح بالتعددية التاريخية والإقرار بحق المساواة والاعتبار فيما بين هذه التواريخ مهما تكن وجهة نظرنا فيها.

الاعتراف بحقائق التاريخ حتى لو كانت في غير مصلحتنا أو لا تصب فيما نبتغيه، ذلك أن التاريخ كما هو إلينا في أحيان، هو أيضاً علينا في أحيان أخرى، وفي الحالتين تقتضي مقومات تدشين تاريخ وطني شامل وذي صدقية أن نقبل التاريخ بكل موضوعية وتجرد من مصالحنا ومواقعنا الآنية، ومن دون ذلك نظل ندور في دائرة مفرغة لا تؤدي إلا إلى تاريخ مزور أو مزيف أو مجزأ في أحسن الأحوال. أو تاريخ يقوم على أساس من الإقصاء والاستبعاد، وهذا أبعد ما يكون عن مفهوم التاريخ الوطني.

وجود توافق وطني عام على كتابة تاريخ البلاد من منظور وطني يشمل الجميع ولا يقلل من قيمة مجموعة لحساب مجموعة أخرى ولا يرفع من قيمة مجموعة على حساب مجموعة أخرى. فعندما نقول التاريخ الوطني فإن ذلك يعني تاريخاً عابراً للطوائف والقبائل والمجموعات، ومن دون أن يلغي حضورها في هذا التاريخ ومن دون أن يلغي خصوصياتها وأمجادها التاريخية، أو تاريخها الخاص. نحتاج الى تاريخ وطني يعلو على التواريخ الخاصة، والفردية.

نتساءل أخيراً: هل نشهد حركة جادة في تدشين تاريخ وطني شامل وكامل ومستوعب لكل المكونات ومعبر عنها، أم الأمر أكثر تعقيداً مما نتصور، وخاصة اذا ما علمنا أن التاريخ هو موضوع شد وجذب بين الفاعلين السياسيين، وبالتالي ستظل الاشكالية معلقة ومؤجلة حتى إشعار آخر، وعليه ستظل التواريخ الخاصة تتوالد بمناسبة ومن دون مناسبة وكل مؤرخ يغني على تاريخه وليلاه.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي (كاتب بحريني)"

العدد 5191 - الثلثاء 22 نوفمبر 2016م الموافق 22 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً