العدد 52 - الأحد 27 أكتوبر 2002م الموافق 20 شعبان 1423هـ

أسباب سيطرة الإعلام الأميركي على الإعلام العالمي

من تاريخ الإعلام الأميركي

منى غزال comments [at] alwasatnews.com

 نحن في أوج التجربة الديمقراطية التي بدأت تفرز الآراء المختلفة والمتنوعة والمتباينة في جمهور المتعلمين والقراء للصحافة المحلية والمشاهدين لمحطات التلفزيون سواء كانت محلية أو عربية أو عالمية، ونحن نراقب ما أفرزته هذه الوسائل من تأثر وتأثير في مشاهدنا المحلي، نرى من باب المسئولية الفكرية عرض ما قدمه تاريخ الدول المتقدمة من الوسائل والأبحاث والدراسات التي تسببت في أن تتحول هذه الدول إلى المسيطرة الأولى على اعلام الرأي في العالم. اخترنا التجربة الأميركية علَّنا في هذا العرض نوجه أنظار المسئولين عن الاعلام بأهمية وضع وتوجيه الدراسات الاعلامية لما فيه المصلحة العامة للوصول بالرأي المكتوب أو المسموع أو المنظور إلى المستوى اللائق والمنشود لمستقبل الاعلام المتطور في دولتنا البحرين.
يبدو أن العلوم الاجتماعية التي نشأت في الولايات المتحدة منذ حوالي 130 سنة ابتدأت من مرحلة إعادة النظر لفحص المفاهيم والأساليب والاهتمامات للوصول إلى استراتيجيات حديثة وأهداف أساسية جديدة لأهمية وسائل الاعلام، وتأثيرها في تغيير مستقبل البلاد، ولم يتم هذا إلا بعد أن مرت بمرحلة تجريبية درست تطور ازدياد المعلومات ما جعل اختيار موضوعات محددة الأبحاث العلمية أمراً ضرورياً، وتاريخ الأبحاث العلمية بدأ بالمرحلة الفلسفية وبعد ذلك تطور إلى المرحلة التجريبية التي حولت النظريات والمفاهيم الكلية إلى التفاصيل والدقائق.
 يبدو أن العلوم الاجتماعية التي نشأت في الولايات المتحدة منذ حوالي 130 سنة ابتدأت من مرحلة إعادة النظر لفحص المفاهيم والأساليب والاهتمامات للوصول إلى استراتيجيات حديثة وأهداف أساسية جديدة لأهمية وسائل الاعلام، وتأثيرها في تغيير مستقبل البلاد، ولم يتم هذا إلا بعد أن مرت بمرحلة تجريبية درست تطور ازدياد المعلومات ما جعل اختيار موضوعات محددة الأبحاث العلمية أمراً ضرورياً، وتاريخ الأبحاث العلمية بدأ بالمرحلة الفلسفية وبعد ذلك تطور إلى المرحلة التجريبية التي حولت النظريات والمفاهيم الكلية إلى التفاصيل والدقائق. ومن ثم كانت النتيجة إعادة التدقيق في المبادىء الاساسية التي تصمد وتظهر ملاءمتها لظروف العصر، ما جعل وسائل القياس التجريبية الجديدة تطور النظرية وجعلها أكثر تكاملاً بما تضفيه إليها من نتائج علمية تخضع للاختبار.
بدأت التجربة الأميركية في التركيز على تاريخ الصحافة وكانت تؤرخ للصحف كانعكاس لشخصيات صحافية قامت باصدار وتحرير تلك الصحف، كذلك ركزت تلك الدراسات على مفاهيم فلسفية مثل حرية الصحافة وحق الأفراد في نشر آرائهم من دون تدخل السلطات، ودور الصحافة في المجتمع ، وغيره.
وفي المرحلة التالية ظهرت الأبحاث التجريبية والميدانية الكمية، فركزت المرحلة الأولى على الدراسات الوصفية الكيفية التي تعتمد على تسجيل انطباعات الباحث وشخصيته أو تفسيراته الذاتية للحقائق العلمية التي يدرسها.
أما الدراسات الكمية فكانت موضوعية يستبعد فيها الباحث بقدر الامكان تحيزاته ويحاول أن يستخدم اساليب قياس موضوعية للوصول إلى النتائج بحيث إذا استخدم أي وقت منهج البحث  نفسه على المادة العملية نفسها يصل إي النتائج نفسها.
نستطيع أن نفهم تطور الدراسات الاعلامية أكثر إذا فحصنا ذلك التطور عن قرب. تولت الهيئات الأكاديمية الدراسات الاجتماعية التطبيقية في جامعة كولومبيا ومؤسسات الأبحاث الاعلامية في جامعة ييل وستانفورد واينوى - مسئولية إجراء تلك الأبحاث وتطويرها، وقام جورج جالوب في قياس (اهتمامات قراء الصحف) في الثلاثينات الذي عرف باسم (أسلوب التعرف) الذي طبقته مؤسسة أبحاث الاعلان في دراساتها التي عرفت باسم: «الدراسة المستمرة لقراء الصحف». وكان لها تأثير كبير على تطوير الدراسات الاعلامية بأساليب علمية حديثة وبقيت هذه الدراسات ما بين سنة 1939 - 1953 على عينات من قراء 130 صحيفة يومية في كل أنحاء الولايات المتحدة نتج عنها 188 تقريراً.
كما كان لهذه الدراسة تأثير كبير على تطور الاعلانات في الصحف، وعلى تحرير الصحف عموماً. وساعدت «الدراسة المستمرة» على تجميع الكثير من المعلومات عمن يقرأ هذه الصحف، والمواد التي يهتم بها القراء أكثر من غيرها، علاوة على ذلك ساعد تكرار الأبحاث في هذا المجال على تنقيح أساليب البحث وتراكم المادة العلمية، بتبسيط أساليب تسجيل وتفريغ البيانات» أي بسطوا الطريقة التي يحصل بمقتضاها العامل الميداني على بياناته.
ومن الأمور التي ظهرت في الخمسينات، تعاون الهيئات الأكاديمية والمعاهد العلمية في إجراء الأبحاث، فالقدر الهائل من المعلومات التي تجمعت، جعل صلات الباحثين وتعاون العلماء ضروريا، تحقق ذلك في سنة 1952 - 1953، حينما قام «معهد الصحافة الدولي» في بزيورخ  (IPI) بتمويل دراسة عن طبيعة الجمهور القارئ وانتماءاته إلى الطبقات الاجتماعية المختلفة. السادس عشر والسابع عشر شهدا ازديادا في عدد المطابع والكتب وظهور دوريات الأخبار والآراء المطبوعة، أدى  إلى انتشار الأفكار الجديدة وجعلها تتصارع وتنافس. وكان لهذا تأثيره التدريجي على اتساع دوائر من يعتنقون الآراء الجديدة، كما أدى هذا الاتساع إلى اهتمام المؤرخين وفلاسفة السياسة بالامكانات الهائلة لوسائل الاعلام المطبوعة.
اتضح هذا جيداً في نهاية القرن الثامن عشر ومطلع التاسع عشر، حينما لعبت المنشورات السياسية والصحف دورا أساسياً في قيام الثورتين الفرنسية والاميركية. وفي متصف القرن الثامن عشر اعترف الفلاسفة بقوة الرأي العام وأهميته، وأبدى جان جاك روسو تقديره واحترامه لتلك الاراء وأشار إلى أن «جميع النظم السياسية حتى الاستبدادية منها تقوم على تأييد وقبول الرأي العام، وأنه بالمثل لا يمكن تطبيق القوانين السياسية والجنائية  والمدينة، ومن دون قبول عامة الشعب وتأييده لهذه القوانين».
كما ساعد ظهور الصحافة على تكوين رأي عام واع في أوروبا فما كان يحدث في العاصمة يصبح في خلال أيام معروفاً في العالم كله، وتسبب هذا في ظهور أنواع جديدة من الحكومات في فرنسا وانجلترا واستمرارها سنوات.
وحدث في القرنين التاسع عشر والعشرين تفاعلا بين الديمقراطية السياسية والفرص الاقتصادية والتعليم الشعبي المجاني، والثورة الصناعية ووسائل الاعلام، ونتج عن ذلك تغير كبير في «الحياة البشرية والثورة الصناعية». وكانت نتيجة  التطورات الديمقراطية أن ازدادت نسبة المواطنين الذين يساهمون في الشئون العامة باطراد، كما اتسعت مسئولياتهم، فأصبحت آراء الناخبين الذين تزايدت أعدادهم أكثر أهمية، فارتفعت نسبة الناخبين في انتخابات 1824 في الولايات المتحدة 1,5٪ إلى 60٪ في العام 1960 وبالتالي أصبحوا أكثر قوة وأصبح التأثير عليهم وكسب أصواتهم أكثر أهمية أيضا.
كما ساعد انتشار التعليم على ازدياد نفوذ الأفراد وجعل الأفكار تتضاعف وتتنوع، وزادت التوقعات وانتعشت الآمال أدى إلى انتشار ظاهرة القلق الفكري وعدم اليقين بعدم الحاجة إلى الاتصال بالجماهير للتأثير عليهم من قبل الباحثين، الا ان نسبة كبيرة من الصحف أصبحت تعمل على استمالة الطبقات الشعبية الجديدة القوية، بتوفير مضمون يجذب تلك الطبقات ما جعل الصحف وسائل إعلام لا يستهان بها.
كذلك كان لتطوير وسائل المواصلات مثل السيارة والطائرة وسائل الاتصال مثل التلغراف والتلفون والسينما والاذاعة تأثر كبير على الناس داخل دولهم ، كما قربت بين الشعوب في أنحاء العالم، وساعد التقدم الفني في أساليب الاتصال والمواصلات على توسيع الأحجام العددية لجماعات الجماهير، وارتفع شأن الذين يسيطرون على الاعلام أو لا يستطيعون استخدام الوسائل المتوافرة.
وانحصرت الأبحاث الاعلامية حتى ذلك الوقت في الدراسات التاريخية أو الفلسفية أو القانونية أو الأدبية، وهي دراسات كيفية في جوهرها، فقد ظهرت في مطلع القرن العشرين كتب عن الرأي العام كان أهمها كتاب جابرييل تارد «الرأي العام الذي ظهر سنة 1901» وكتاب جراهام والاس «الطبيعة البشرية في مجال السياسة سنة 1909»
وكتب في أساليب السيطرة الاجتماعية، والتأثيرات النفسية على سلوك الفرد والجماعة في عمليات اتخاذ القرار فصدر في العام 1908 كتاب أ. ف. بينتلي «عملية الحكم» واهتم بعمل جماعات الضغط وعلاقتهم بالرأي العام.
وظهرت كليات الصحافة في مطلع القرن العشرين وأصبح لها دور قومي لاظهار أهمية رجال العلاقات العامة ولفت الأنظار إلى أهمية دراسة الاعلان والعلاقات العامة.
وبعد الحرب العالمية الأولى سنة 1914 وتحديداً بين 1920 - 1930 كانت نقطة التحول الحقيقية لتطبيق مناهج البحث التجريبية الحديقة على دراسة الاعلام.
وظهرت بعد الحرب عدة مؤلفات لباحثين أمثال جورج كريل، وهانز ثيم، وف. شونمان، وكميل ستيوارت، وادنجار سترن، وولتر ليبمان، وقدمت غالبية هذه الكتب دراسات وصفية، كما ظهر بعد الحرب بعض الباحثين الذي كان له دور بارز في تطوير الدراسات الاعلامية وفقاً للاساليب الحديثة نذكر منهم: جون لونج، وبارنيز، وابراهام ليسكي، وايفي لي، ورالف كيس، كما بدأت المجلات والصحف في استفتاء الرأي العام.
بدأت مجلة و«ليترري ديغست» استقصاءات الرأي العام بشكل غير رسمي. كذلك زادت الدراسات التي تبحث في الروح المعنوية للجنود والضباط وعلاقاتهم بالقيادة وسيكولوجية القيادة.
وشهدت تلك الحقبة الثورة الروسية في العام 1917 واستخدمت الدعاية بعدها كسلاح من أسلحة الحرب والسياسة الخارجية بل أيضاً كوسيلة للسيطرة على الجماهير في الداخل، وتعلم هتلر بعدها كيف يستخدم الدعاية بكفاءة في المانيا النازية، وانعكس هذا في كتابه «كفاحي» الذي صدر الجزء الأول منه سنة 1925 والجزء الثاني سنة 1927.
وقد كان للباحث لويس ثرستون في مجال علم النفس، وستيوارت رايس في مجال الاحصاء والسياسة، ظهر الاحصاءات الكمية وازدياد الاهتمام خلال العشرينات لقياس الآراء والاتجاهات.
كما بدأت الدول المتقدمة في استخدام الاذاعة كسلاح في الحرب النفسية، ظهرت بريطانيا منذ العام 1932 في محطة إرسالها الأولى لشعوب الكومنولث، ثم تفرعت وامتدت لجميع أنحاء العالم بترجمة إرسالها إلى كل اللغات في البلاد المتوجهة إليها.
وابتدأت مصادر الدراسات والبحوث تطور أبحاثها الإعلامية وأصبح المجال الذي يركز على الاتصال الدولى حصوصاً في الدول النامية شديد الحيوية، وأجريت كثير من الدراسات التي تهدف إلى معرفة كيف يمكن التأثير على عقول البشر وكسب صداقات الأمم.
وحاول كتاب «نظريات الاعلام الأربع» الذي صدر في العام 1956 أن صنف تحت أربع نظريات أغلب نظم كما قدم الباحثون دراسة مماثلة تركز على تأثير التطور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي على الاعلام، وتأثير الاعلام على تلك المجالات (دراسة نيكسون وشرام ولوشيان باي).
ولا شك في مثل هذا الدراسات تقدم خدمة جليلة، فالتعلم، وتوزيع الثروة، والاستقرار السياسي، والاقامة في المدن، وغير ذلك من المتغيرات، لها صلة مباشرة على طبيعة نظم الاعلام التي تظهر في كلَّ دولة. وانعكس الاهتمام الكبير في وسائل الاعلام على كل الدول الأوروبية لاحقاً، فظهرت مجلة اتحاد الاذاعات الأوروبية (أي بي ريفيو) ومجلة «إنتير ميديا» التي يصدرها معهد الاذاعة الدولي في لندن، ومجلة كازيت التي تصدر في هولندا. هذه اللمحة البسيطة من الاهتمامات الكبيرة كانت فاتحة معرفة الحقيقة لأعماق التأثر والتأثير على الشعوب، وهي وإن كانت احتاجت قرناً من الزمان حتى وصلت إلى قوتها الحالية ولكنها ما وصلت إلا بتقديم الدراسات الكثيرة التي تحدثنا عنها، فأين نحن كعرب وكبحرينيين من التحرك الصحيح للاعلام القوي المتمكن؟

٭ كاتبة بحرينية

العدد 52 - الأحد 27 أكتوبر 2002م الموافق 20 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً