العدد 5213 - الأربعاء 14 ديسمبر 2016م الموافق 14 ربيع الاول 1438هـ

لماذا يقدّمون النبي (ص) كإرهابي؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

إن من سوء حظ هذا الجيل من المسلمين، أنه نجح في تحقيق ما فشل فيه المستشرقون قبل مئة عام، بتقديم الإسلام في صورة الدين المتوحش العنيف الذي يقود أتباعه إلى سفك الدماء وقتل الآخرين دون شفقة أو رحمة.

هذا الدين الذي جاء ليُخرج الناس من الظلمات إلى النور، وهذه الرسالة التي أُنزلت ليقوم الناس بالقسط والميزان، قدّمناه للبشرية، كدين وحشيةٍ وبربرية. والنبي الذي أرسل رحمةً للعالمين، وقال عن نفسه (ص): «أنا الرحمة المهداة»، شوّهناه بتصويره رجلاً متعطشاً للدماء.

الصورة المشوّهة التي حاول المستشرقون تظهيرها عن النبي (ص)، قبل مئة عام، تصدّى لهم يومها الكتاب العرب والمسلمون الغيارى، فأفشلوا محاولاتهم، وثبّتوا الصورة الإنسانية الناصعة لنبي الرحمة عبر مئات الكتب والدراسات والأشعار. أما اليوم فقد نجحت حركات الجهاد الزائف، في تقديم الرسول في صورة الرجل الدموي، و»الذين سرقوا النبي محمداً قدّموا للعالم رجلاً قاتلا مدمراً إرهابياً، وآن الأوان لنسترجع رسول الله منهم»، كما قال الإعلامي الجزائري يحيى أبو زكريا؛ وتوقيعه الشريف الذي كان يوقّع به معاهدات السلام مع اليهود والنصارى، رفعه «الخوارج الجدد» في راياتهم السوداء، ليمارسوا تحتها كل أصناف الشذوذ والإجرام، من قتل جماعي للأبرياء، وحرق للأحياء، وإغراق بالماء، وسلب للممتلكات واستباحة للحرمات.

اختطاف الرسالة والرسول، ترافق مع صمتٍ شبه مطبق، من أغلب المراكز الدينية الكبرى في العالم الإسلامي، بما يشي بوجود حالةٍ من القبول والتراضي، فيما يشبه تسليم الراية لهذه الحركات المتطرفة للحديث باسم الإسلام. ونشهد أعداداً كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، تبيّض جرائم هذه الحركات التكفيرية، وتدافع عن نهجها. وهي حالةٌ نبّه إلى خطورتها الإعلامي التونسي الهاشمي الحامدي: «تضعون التنظيمات المتشدّدة في مقدمة صفوفكم ثم تتباكون على أهل السنة. حتى متى تدسون رؤوسكم في التراب؟ ضيّعتم شباب الأمة. ضيّعتم عقولهم. شيء مقرف».

لاشك أن هذه الحركات تستند إلى موروث ديني، أثبتت الأيام ضرورة مراجعته، وتنقيته من الخرافات والإسرائيليات، لنرى الإسلام على حقيقته، ديناً سماوياً ناصعاً، يهدف إلى تحكيم قيم الحرية والعدل والمساواة بين الناس. ولاشك أن بذور هذه الصورة المشوّهة التي استند إليها المستشرقون بالأمس، وتستند إليها الحركات التكفيرية اليوم، مغروسة عميقاً فيما وصلنا من كتب التراث.

في كتابه عن «فن السيرة»، الصادر في العام 1956، يذهب الناقد والكاتب والمحقّق التاريخي الموسوعي الفلسطيني الراحل إحسان عباس، إلى أن القرآن الكريم هو الذي عمّق الإحساس التاريخي عند العرب، حين قصّ عليهم قصص الأمم الخالية، وكان يهدف إلى إثارة العِبرة في نفوسهم، ولكن المدهش حقاً –كما يقول عباس- أن هذه الغاية الخلقية كانت أضعف المظاهر حين بدأ المسلمون بكتابة السيرة، التي استهلوها بكتابة سيرة الرسول... «وكان ذلك يشير إلى درس أخلاقي عميق في حياتهم، لو شاءوا أن يتخذوا سيرة الرسول لتلك الغاية (الأخلاقية)، ولكنهم لم يفعلوا بل كتبوا سيرته تحت مؤثرات أخرى»، وذكر عاملين مهمين لهذا الاتجاه:

الأول: أن سيرة الرسول جزء من السنّة، التي تمثل مع الحديث مصدرين مهمين للتشريع، ولذلك لابد من جلائهما في دقة بالغة، لتكون مشرعاً واضحاً لرجال الشريعة وأهل الإفتاء والقضاء.

والعامل الثاني والأكثر خطورة: «أن المسلمين ورثوا نظرة الجاهلية للتاريخ، وهي نظرة قائمة على (الأيام) وطبيعة الحرب والقتال. ولذلك اهتم كتّاب السِيَر قبل كل شيء بمغازي الرسول... فلا غرابة إذا رأينا السيرة على يد الزهري وابن اسحاق وغيرهما تسجيلاً دقيقاً للمعارك الحربية وما دار فيها...».

اهتمام كتّاب السيرة القدامى بالغزوات والحروب، جاء على حساب إبراز الجوانب الأخرى في حياة نبي الرحمة، وأسهمت في خلق صورة غير واقعية أو متوازنة، لهذه الشخصية العملاقة التي نجحت في توحيد القبائل العربية المتناحرة في الصحراء، وتحويلها إلى قوة عالمية تحرّرية أعادت صياغة وجه العالم خلال نصف قرن.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5213 - الأربعاء 14 ديسمبر 2016م الموافق 14 ربيع الاول 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 27 | 7:18 ص

      قولك غير صحيح الحكومة السورية بجيشها العربي هي المحاربة الحقيقية لداعش وكل الإرهاب التكفيري وحلفائها اما داعش فقد اسسه وباه وحماه أمريكا وإسرائيل وتركيا و.............. احجروا على دولة واحدة فقط ينتهي الإرهاب وانتم تعرفون من هي انها تمثل الإسلام المقلوب والعاقل يفهم ؟

    • زائر 23 | 4:13 ص

      زائر 3 انت لاتعرف الحقيقه ليس هناك حجه هناك دفاع عن الوطن وعن الشعب المذبوح على ايدى الدواعش والقتلى الي فى سوريا خصوصا حلب على ايدى المعارضه وليس الجيش لا تتابع الاخبار على قنوات مفبركه لصالح الغرب تابع القنوات الحقانيه وحتى الحشد الشعبى المكون من سنه وشيعة هم لايقتلون السنه هم يقتلون الدواعش وتابع عدل الاخبار واغسل قلبك وتوجه الى الله الله يهديك

    • زائر 22 | 4:06 ص

      خططت اليهود وامريكا وحلفائها لسيطرة على الشرق الاوسط وصنعت الدواعش من كل مكان وجلبتهم وهم متعطشين لشرب دماء الابرياء وقطع الرؤووس بفلوس العربيه الان انهزمو فى سوريا والموصل بقوة الله وقوة الجيش السورى والحشد الشعبى والحين خرجو الى الشوارع ويقولون اغيثو حلب يعنى لايريدون البلدان ان تستقر يحبون الدماء انه اقول ارجعوا الى دين محمد \\ص\\ السمح الاخلاقى وتركوا عنكم الشيطان والله ينصر الشعوب على الظالمين

    • زائر 29 زائر 22 | 11:45 ص

      Like

    • زائر 11 | 11:55 م

      أساس المشكلة يكمن في أنّ توثيق السنّة النبوية جاء بعد قرن من وفاة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وهذا التأخّر في توثيق سنّة النبي كان له الكثير من المآخذ، فإذا النبي الأكرم ص قال (لقد كثرت عليّ الكذّابة) هذه وهو في حياته فكيف بعد مماته؟ ثم كيف بعد 100 سنة من وفاته وفقدان معظم الصحابة الذي يحفظون الحديث؟
      نحن في زمن طفرة وسائل التواصل واحدث وسائل الاعلام ونرى كيف يتمّ التزوير والتلاعب في الحقائق ودسّ الأخبار الكاذبة فكيف ب 100 لم يتم توثيق الأحاديث فيها. ثم بعدها نريد سنّة صافية من الكدر

    • زائر 9 | 11:39 م

      قرأوا أخلاق النبي بالمقلوب فقدّموها للعالم مقلوبة ومشوّهة .

    • زائر 8 | 11:39 م

      لان افعال القوم اليوم هي من شوهت الاسلام بتفجير وقطع الرقاب وقتل النفس بأسم النبي (ص) وبأسم الاسلام

    • زائر 6 | 11:26 م

      تبا لكل من ساهم في تشويه صورة الاسلام وصورة نبينا الاكرم محمد بن عبدالله ( ص )

    • زائر 5 | 11:15 م

      حال الأمّة هذا لم يخفه الله عن نبيّه ص فقد انبأه به في كتابه الكريم (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) ....
      وأما النبي الأكرم فقد صرّح بذلك (لتحذون حذو بني اسرائيل حذو النعل بالنعل و حذو القذة بالقذة حتى لو كانوا دخلوا جحر ضب لدخلتم فيه) اعتقد ذلك يكفي

    • زائر 3 | 10:10 م

      من شوه صورة الرسول الاعظم الان هما من يقتل الاطفال والنساء والشيوخ وهدم المساجد والمنازل وقطع الكهرباء والماء وهذا ما يفعل باخواننا السوريين والعراقيين بحجة مكافحة داعش . داعش مجرمين حقا ولكن اجرامهم لايفوق اجرام تلك الحكومتين سوريا والعراق والمستفيد الوحيد من داعش ايضا هم تلك الحكومتين بتصفيتهم اناس ابرياء

    • الطوفان | 9:27 م

      لا إله إلا الله ..... محمد رسول ألله .

اقرأ ايضاً