العدد 5220 - الأربعاء 21 ديسمبر 2016م الموافق 21 ربيع الاول 1438هـ

هل تريد أن تعيش حياة أطول؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

«المتشائم يرى الصعوبة في كل فرصة، والمتفائل يرى الفرصة في كل صعوبة». هذه العبارة «المعبِّرة» منسوبة لرئيس وزراء بريطانيا الأسبق وذي الوجه المدوَّر ونستون تشرشل. وربما كان هذا الشعور هو الذي جعل هذا الرجل يرى من مشهد أنقاض عاصمة بلاده لندن الصعبة «فرصة» للنصر وهي تُقصَف من طائرات ألمانيا النازية ويتغلَّب على جموح أدولف هتلر خلال الحرب العالمية الثانية.

قبل فترة قال باحثون من دورية مايو كلينيك بروسيدنجز وفي دراسة مُعمّقة بأن الأشخاص «الذين يشعرون بتفاؤل تجاه المستقبل تزيد فرصهم للحياة لعشرات السنين بعد إصابتهم بأزمة قلبية لأول مرة مقارنة مع مَنْ هم أقلّ تفاؤلاً». والتفاؤل المقصود هنا ليس النظرة الوردية تجاه العالم بل الاعتراف بالمخاطر وكيفية التعامل معها بحسب توصيف أحد القائمين على الدراسة، ما يعني مواجهة اليأس واجتراح ما يؤدي بنا إلى حياة أفضل.

جوهر ما توصلوا إليه «علمياً» في تلك الدراسة هو أن «المتفائلين تقلّ لديهم نسبة الإصابة بالالتهابات»، وهي التي «يمكن أن تؤثر سلباً على صحة القلب»، وبالتالي تُفضِي إلى الوفاة. لذلك يكون التفاؤل مانعاً لحدوث تلك الالتهابات، بعد أن تنشأ لدى المتفائلين قابلية أكبر «لمواجهة التحديات مثل تعديل أسلوب الحياة التي يعيشونها بعد الإصابة بأزمة قلبية» مثلما جاء.

وفي تفصيل ما جرى مختبرياً قام أولئك الباحثون بدراسة 664 فرداً من المرضى 15 في المئة منهم نساء كانت أعمارهم أقلّ من 65 عاماً لمدة سنة كاملة بعد أن أصيبوا بأول أزمة قلبية. واستثمر الباحثون وجود أولئك المرضى في المستشفى أثناء فترة نقاهتهم، فأخضعوهم لاختبار التكيُّف مع الحياة، ومن ثم قياس مستوى تفاؤلهم أو تشاؤمهم بشكل عام تجاه ما جرى لهم في حياتهم.

وبعد 23 سنة من ذلك الاختبار، قام الباحثون بتتبّع حياة المرضى الشخصية للوقوف على مَنْ بقي منهم على قيد الحياة فوجدوا أن 43 في المئة من المرضى (أي 284 فرداً) قد تُوُفّوا. وحين قاموا بالتدقيق في نوعهم وأعمارهم ومستوى تعليمهم ومِهَنِهِم ومَنْ منهم كان مُدخناً ثم علاقتهم بالاكتئاب، شاهدوا أن «الذين كان ترتيبهم في الثلث الأول في نتيجة اختبار التكيّف مع الحياة الذي خضعوا له»، كانت حياتهم أطول مقارنة مع مَنْ جاؤوا في الجزء الأدنى أو في المنتصف.

في واقع الأمر فإن التفاؤل (وبعيداً عن إمكانية استطالة الحياة به أكثر وفقاً للدراسة المذكورة) فهو وسيلة مُثلى لتقييم الذات. فهناك مَنْ يبقون متفائلين حتى بعد 100 انتكاسة، وهناك مَنْ يشعرون بيأس وغربة بعد أول فشل يواجهونه. وبين الحالتين يكمن قياس النفس ومدى قوتها. وهو اختبار حقيقي لا كذب فيه ولا يتشارك الآخرون معك فيه إلاّ من خلال التشجيع أو التثبيط، وبالتالي فأنتَ ترى نفسك على حقيقتها بدون مساحيق. هذا أمر مهم كي يعرف المرء أين يقف وماذا يفعل.

ذكر أحدهم كلاماً دقيقاً بشأن مسألة التفاؤل. لقد قال: ليس من الممكن إجبار شخص أو دفعه أو تعليمه كيف يكون متفائلاً، كون هذا الأمر مرتبطا بقضايا الوراثة والاكتساب القائمة على التجربة والخبرة، إلاّ أن هناك بديلاً عن ذلك، وهو أن يقوم بتعلّم الوسائل التي استخدمها ويستخدمها المتفائلون كي يعيش ويتصرف بشكل أفضل ويواجه تحديات الحياة بقوة.

حياتنا مليئة بالتناقضات والتضاد. ليس في الصفات والمسمّيات والأنواع بل وفي السلوك. وكلما زادت التناقضات حولنا نشأت أشياء جديدة على هوامشها كما هي علاقات الدول مع بعضها عندما تختلف أو تأتلف. تلك الأشياء الجديدة التي تتشكّل هي في حدّ ذاتها فرص حقيقية يمكن البناء عليها، وربما بأفضل من الأصل الذي خرجت منه، وما على المرء سوى التفكير فيها جيداً والاعتقاد أنه «ربما» ينجح وعليه أن يُجرِّب مرة أو أكثر.

كما أن فروق الناس الفردية، سواء على مستوى الأشكال أو العقول أو المهارات أو المَلَكَات يجعل القصور فرصة كي يملؤه آخر. نعم، تلك المتناقضات تجعلنا نؤمن بأن هذا العالم ليس وردياً ولا منسجماً وبه مخاطر جمّة، لكنه أيضاً يمنحنا الفرصة التي تجعلنا نأخذ حيزاً في حياتنا كلما مَحَقَ النور ظلاماً في مكان، أو أرخى الليل بسدوله في مكان آخر! ألَم يكن الظلام في لحظة ما فرصة للهروب، بذات المقدار الذي كان فيه الضوء فرصة لاقتناص الخصم! إنه الإخضاع الأمثل.

بالتأكيد هناك مَنْ يفهم التفاؤل بشكل مختلف، وهو الانتظار حتى تأتي الفرصة أو الاعتقاد بأن ساقية الحياة هي في أن يأتي الخير بعد الشر والراحة بعد الألم، وهذا أمر خاطئ ولا ينطوي على أدنى درجة من الفهم؛ إذ إن التفاؤل الصحيح هو الإيمان بأن الفشل هو درس وأن السعي بعد التعثر، أمر لازم للنجاح. وأنّ لا شيء في هذه الحياة يمكن أن يكون بلا قيمة. لذلك قال الفيلسوف والرياضي الفرنسي جان جاك روسو «تذكر أن أجمل ما في الحياة هي الأشياء الأقل نفعاً كالطواويس والورود».

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5220 - الأربعاء 21 ديسمبر 2016م الموافق 21 ربيع الاول 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً