العدد 5250 - الجمعة 20 يناير 2017م الموافق 22 ربيع الثاني 1438هـ

«البيت الأبيض» بين الرئيسين الخارج والداخل

رضي السماك

كاتب بحريني

ليس مقر الرئاسة في واشنطن المعروف بـ «البيت الأبيض» جذّاباً بهندسته المعمارية الفريدة من نوعها فحسب؛ بل ولأن تسميةً كهذه لعلها أكسبته صدى عالمياً لدى اقترانها عند المستمع للوهلة الاولى، لما يرمز إليه اللون الأبيض من معاني الطهارة والنظافة والسلام، مع أنه لم يحمل هذا الاسم إلا العام 1901 بقرار من الرئيس ثيودر روزفلت، ولم يكن قبل ذلك معروفاً بهذا الاسم المستمد من طلائه باللون الأبيض، والذي تم على إثر إحراقه من قِبل القوات البريطانية سنة 1814، حيث تقرر دهن ما تبقى من جدرانه المتضررة من الحريق بذلك اللون الذي حوفظ عليه في كل أعمال الصيانة اللاحقة، حتى تقرر رسمياً تسميته باسمه الحالي في ذلك العام.

وأمس الجمعة حيث تمت مراسم تنصيب الرئيس الجمهوري المُنتخب دونالد ترامب، ليدخل البيت الأبيض بعد أن غادره الرئيس الديمقراطي المنتهية ولايته الثانية باراك أوباما، فما هو الفرق يا تُرى بين الرئيسين الداخل والخارج؟

ولئن انطلقنا من القول المأثور «الكتاب يُقرأ من عنوانه» فهو من الرؤساء الذين يحملك مقدمه للبيت الأبيض على عدم التفاؤل به، لا محلياً لصالح شعبه ولا لشعوب العالم قاطبة، وعلى الأخص عالمنا العربي، ليس استناداً لسيرته المُفعمة بالفضائح الأخلاقية فحسب؛ بل ولأنه لا عهد له بالثقافة والخبرة السياسيتين، فكل رصيده هو في المال لا في السياسة، كابن مدلل ورث ثروة أبيه، لفتح بزنسه العقاري الذي حوّله إلى «مليادير»، وإذا ما استثنينا تبادله الاتهامات بالفضائح الجنسية مع منافسته الفاشلة هيلاري كلينتون بأحط الألفاظ سوقيةً، فهو لم يتورع عن رفع شعارات عنصرية في حملته الانتخابية، تمس مشاعر جزء من مواطنيه ذوي الأصول الإسلامية واللاتينية «الهسبانيك»، حتى أنها لقيت هوى لدى العنصري ديفيد ديوك القائد السابق لجماعة «كوكلوكس كلان» العنصرية البيضاء، الذي دعا أنصاره للتصويت له بلا تردد، مما سبب له حرجاً في حملته الانتخابية. وقبيل أيام من دخوله أطلق تصريحات استفزازية غير مدروسة ضد حلفائه تسيء للاتحاد الأوروبي «والمستشارة الألمانية» انجيلا ميركل، وتهكم على حلف «الناتو» العدواني الذي تقوده بلاده، وقبلها أثار استنكار الفلسطينيين والعرب بوعده اسرائيل بنقل سفارة بلاده للقدس!

فماذا عن الرئيس الخارج من البيت الأبيض أوباما؟ صحيح أن نزاهته الخُلقية العائلية لا ريب فيها، ونعم كان أسلوب أدائه الخطابي رائعا؛ لكن إدارته متذبذبة وتفتقر للحزم والشجاعة، وهذا ماعبّر عنه محلل نيويورك بيتر وهنر: «ان أوباما بارع في نظم الشعر وسيئ في النثر (الإدارة)» . ولا ريب في أنه حقق بعض المكاسب الاجتماعية لشعبه في إطار النظام رأسمالي القائم، ومن ذلك «التأمين الصحي»، وخفض معدلات البطالة، لكن كل تلك الانجازات وغيرها والتي تباهى بها في خطابه الوداعي في شيكاغو، إنما جاءت أقل بكثير من الوعود التي قطعها على نفسه لشعبه، فهو تباهى بقتل زعيم القاعدة الارهابي بن لادن، لكنه لم يوضح لشعبه والعالم لماذا دولته الديمقراطية آثرت قتله لا أسره وجلبه لبلاده وتقديمه لمحاكمة عادلة؟ أليس للخوف مما سيكشفه بن لادن من تورط وشراكة واشنطن له في تمويله ودعمه قبل أن يرتد عليها؟ هي التي مولته لتبني العمل الارهابي لطرد القوات السوفياتية من أفغانستان، وإذ تباهى بالقضاء على الركود الاقتصادي، فإن 40 في المئة من سكان شعبه تحت خط الفقر و54 في المئة قريبون من الخط، في حين ارتفعت نسب البطالة منذ يناير/ كانون الثاني2016.

وهو إذ يعترف بأن العنصرية عاملاً تقسيمياً، بدا خجلاً بسبب انتمائه لأصول افريقية، أن يدين ممارسات الشرطة البيض ضد أبناء جلدته في حوادث قتل عنصرية كثيرة؛ بل ومن المفارقات الساخرة أن أوباما الذي جاءت به الطبقة الحاكمة إلى البيت الأبيض كدلالة على تسامحها العرقي، ربما أكثر رئيس وقعت في عهده حوادث عنصرية خطيرة منذ حوادث التسعينيات العنصرية، حتى بلغ عدد القتلى السود على أيدي الشرطة البيض في العام الماضي 123 قتيلاً، بمعنى أن مجيء أوباما ذي الأصول الافريقية والمنحدر من الطبقة الوسطى للبيت الأبيض، لم يفد لا السود ولا الشريحة الاجتماعية العريضة من الفقراء، بل كان وفياً أميناً لكبار الرأسماليين البيض، الذين جاؤوا به مستفيداً في فوزه بجزء كبير من أصوات أبناء جلدته السود الذين توسموا فيه الخير وخذلهم خذلاناً مبيناً. ولو فازت شريكته في الإدارة هيلاري والتي رُوّج لها بأنها أول امرأة ستدخل البيت الأبيض مثلما رُوج لأوباما قبلها كأول رئيس أسود يدخل البيت الأبيض، لما اختلف وضع النساء لا داخل الولايات المتحدة ولا في العالم بكونها رئيسة أقوى دولة، إذ ستكون أمينة ووفيةً أيضاً لنفس الطبقة الرأسمالية الحاكمة الذكورية التي كان أوباما وفياً لها قبلها، فالعبرة إذاً في مدى صدقية المساواة على أرض الواقع بين المواطنين، وليس في حبر الدستور أو العرق (أبيض أم أسود) أو الجندر (ذكراً أم انثى) ولا في اللون العرقي (أسود أم أبيض).

وللحق، يبقى أوباما مقارنة بسلفائه الجمهوريين والديمقراطيين المتعاقبين على البيت الأبيض، أفضل الرؤساء السيئين منذ انتهاء الحرب الباردة.

ولئن كان الرئيس الأسبق بيل كلينتون غادره بفضيحة ممارسته العلاقات الغرامية فيه مع الموظفة اليهودية مونيكا لوينسكي داخل «البيت الابيض» الذي يرمز الى طهارة أميركا السياسية، كما يُفترض، بامتزاجها بفضائحه الشخصية الأخلاقية كأول رئيس في تاريخ هذا «البيت» يفعلها فيه، فإن من دخله أمس هو أول رئيس أيضاً يدخله تاركاً خلفه سجلاً حافلاً موثقاً من الفضائح الجنسية أمام الملأ في الحملة الانتخابية، والتي أقر هو نفسه ببعضها في مسألة التحرش اللفظي، واعتذر عنها خلال حملته الانتخابية.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 5250 - الجمعة 20 يناير 2017م الموافق 22 ربيع الثاني 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً