العدد 5253 - الإثنين 23 يناير 2017م الموافق 25 ربيع الثاني 1438هـ

كيف تشتري الشركات الأميركية رئيساً للبلاد يمثل مصالحها؟

رضي السماك

كاتب بحريني

إذا كانت واحدة من غرائب لجنة نوبل منحها جائزتها للسلام للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قبل أن يباشر مهماته ولايته الأولى العام 2008، فلعل واحدة من غرائب تاريخ انتخابات الرئاسة الأميركية أن تندلع احتجاجات جماهيرية صاخبة عمت عدداً من مدن البلاد ضد الرئيس الجديد المُنتخب دونالد ترامب في يوم تنصيبه، وبُعيد توليه مهمات الرئاسة مُباشرةً، ولم يحدث أيضاً أن اندلعت مظاهرات بهذا الحجم في عدد من عواصم احتجاجاً على دخوله البيت الأبيض، لقيادة أقوى دولة في العالم لما هو معروف عنها من تأثير كبير في القضايا الإقليمية والدولية، كما من اللافت أن عدداً من تلك الاحتجاجات الأميركية والعالمية اختصت بها مجاميع ضخمة من نساء العالم، اللواتي أبدين سخطهن الشديد لسياساته وتصريحاته خلال حملته الانتخابية المهينة لكرامة المرأة وإنسانيتها، ونظرته إليها كمجرد أداة لمتعة الرجل الجنسية، في حين خلت عواصم ومدن العالم العربي الأكثر عرضة للتأثر بنتائج سياساته الرعناء من أي مظاهرات رجالية أكانت أم نسائية.

كما لم يحدث أن وقّع رئيس منتخب في تاريخ الولايات المتحدة على مرسوم بإلغاء قانون يُعد مكسباً شعبياً لأوسع الفئات العريضة من شعبه، كما فعل ترامب حينما وقّع على مرسوم بإلغاء القانون المعروف بـ «أوباما كير» المتعلق بالتأمين، بمجرد وصوله إلى مكتبه بالبيت الأبيض، أي بعد سويعات قليلة من انتهاء مراسم التنصيب.

ولعل الدلالة الأهم المستخلصة من كل تلك الحوادث التي رافقت وأعقبت تنصيب ترامب رئيساً للولايات المتحدة، تتمثل في كونها تفصح بجلاء تام بانكشاف المحتوى الحقيقي للديمقراطية الأميركية التي غدت متقادمة غير معبرة تعبيراً حقيقياً عن إرادة الشعب الأميركي، أو على الأدق قطاعات وفئات واسعة منه، هذا على رغم أن دستور الولايات المتحدة هو من أكثر دساتير العالم ديمقراطيةً على الورق؛ لكن الشركات الكبرى تلعب دوراً خلفياً ماكراً عبر تمكنها من النفاد إلى الآليات والأعراف المعقدة للحيلولة دون ترجمة القيّم والحقوق التي يكفلها الدستور للشعب ترجمةً أمينةً صادقةً على أرض الواقع. بعبارة أخرى موجزة فإن هذه الحقوق مُختطفة من الشركات وكبار «الرأسماليين».

وإذا ما عرفنا أن ما يقارب من 96 في المئة من المواطنين غير قادرين على التبرع بفلس واحد للحملات الانتخابية الرئاسية، وأن نسبة القادرين على التبرع بألف دولار لا تتجاوز 1 في المئة، لأدركنا أن من يقفون وراء تدفق الأموال والتبرعات على المرشحين هم في نهاية المطاف الشركات الكبرى والاوليجاركية المالية بطرق التفافية غير مباشرة، ومن ثم يغدو الرئيس مرتهناً عملياً لمصالح تلك الطبقة، من خلال دعم أحد جناحيها السياسيين المتناوبين تقليدياً على الحكم، ألا وهما الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري.

وبحسب مدير «مركز الاستقامة السياسية» الأميركي تشارلس لويس الذي أصدر كتاب «شراء الرئيس» فإن حجم الأموال المتبرع بها، هو الذي يحدد فرص فوز أي مرشح بتبنيه في التصفيات النهائية من قِبل أحد الحزبين. وأنه منذ العام 1976 في أعقاب «فضيحة ووترغيت» أضحت انتخابات الرئاسة خاضعة لفرص المرشح ذي القدرة على جمع أعلى مبالغ من التبرعات بصرف النظر عن آرائه. وفي الدورات الانتخابية خلال العقدين الماضيين تزايدت فرص التعتيم على مصادر التبرعات التي تقف وراءها الشركات الكبرى، إذ يتم إيداع تبرعات في حسابات مؤسسات مصرفية بعدد من الولايات غير الخاضعة للرقابة في واشنطن، ذات الصلاحية بتحديد السقف القانوني الأعلى للتبرعات. ولأن الحزبين المحتكرين لتداول السلطة يمثلان المصالح المتنافسة بين الشركات، فإن الأخيرة تتنقل في دعم أي منهما تبعاً لتبدل مصالحها، ويضرب لويس مثلاً بشركة Atlantic Richfield التي كانت تدعم الجمهوريين في ثمانينيات القرن الماضي دعماً سخياً، ثم وجدت من مصلحتها في مطلع الألفية دعم الديمقراطيين الذين يحظون بدعم شركات الاتصالات وإن كان دعمها للجمهوريين أكبر.

وفي الانتخابات الأخيرة قُدرت كلفة الحملة الانتخابية لكل من المرشح الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطي هيلاري كلينتون بأكثر من مليار دولار. لا غرابة والحال كذلك أن تتسع القاعدة الشعبية العريضة الساخطة على تزييف إرادتها الانتخابية الحقيقية من قِبل كبار الرأسماليين والشركات الكبرى لعقود طويلة.

وإذا كان حسن حظ هذه القاعدة الشعبية العريضة والتي سوادها الأعظم من الطبقات الوسطى، والعمال والمهمشين والفقراء والمعدمين أنها تعيش في ظل نظام ديمقراطي يتيح لها خوض معارك متواصلة من النضال العنيد السلمي لتتوج بنيل حقوقها الديمقراطية الحقيقية التي تحول الشركات بتلاعبها المالي من دون استفادتها منها، ومن ثمَّ إجبار الطبقة الحاكمة الكامنة خلف المسرح السياسي على إجراء إصلاحات جوهرية في النظام السياسي إلا أن ذلك بطبيعة الحال يتطلب وجود حركات سياسية مُنظِمة لحراكاتها ونضالاتها الجماهيرية، وهذه هي معضلة موضوعية أخرى تختص بها الولايات المتحدة نُرجئ الحديث عنها إلى وقت آخر.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 5253 - الإثنين 23 يناير 2017م الموافق 25 ربيع الثاني 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 7:31 ص

      الوضع يختلف

      هذا صحيح بالنسبة ل هلري كلينتون ،اما ترمب فقد مول حملته الانتخابية من امواله الخاصة كونه من كبار رجال الاعمال

اقرأ ايضاً