العدد 5322 - الأحد 02 أبريل 2017م الموافق 05 رجب 1438هـ

يوميات بين الأنقاض

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

أن تكون أمام كتاب معنون بالعنوان أعلاه، يعني أنك ستكون أمام الألم وجهاً لوجه. أمام كارثة إنسانية ستخرجك حتماً بقلب أكثر رهافة، وهو الأمر الطبيعي أمام قراءة تفاصيل من عمق الفقد والألم والجراح، تكتب بقلبٍ عاشها بكل أحاسيسها.

لن تكون أمام الألم وحده وأنت تقرأ كتاباً بهذا العنوان، بل ستكون في مواجهة مع ذاتك، مع ضعفك، مع خوفك، ومع كل لحظة تثاقل وكل لحظة خنوع تصيبك، خصوصاً حين تقرأ ملحمات سطرها أشخاص كانوا في العمق من النكبة، والعميق من الفقد.

كتاب «يوميات بين الأنقاض» للإماراتي إبراهيم محمد بوملحة، الصادر عن مداد للنشر والتوزيع، هو كتابٌ يسعى إلى توثيق مهمة تطوعية شخصية للكاتب، وتجربة لمؤسسات تطوعية وخيرية إماراتية وأخرى غير إماراتية، على رأسها مؤسسة محمد بن راشد للأعمال الخيرية والإنسانية.

مهمة أنجزت في العام 2005، وتحديداً بعد الزلزال الذي ضرب باكستان ودمّر مدينة «بالكوت»، فلم يعد يرى فيها مبنى واحداً قائماً على أساساته، والأهم من هذه المباني المدمرة، كانت تلك الأرواح التي غادرت أجسادها القابعة تحت الأنقاض، والأرواح التي انكسرت أمام هول ما ترى وهول الفقد الذي أحاط بها وحام حولها، حتى بات بعضها عاجزاً عن التفكير، وتلك الأرواح التي استجمعت كل عزيمة الكون كي تحظى ولو بفردٍ واحدٍ من عائلتها حيٍّ لم يخطفه الموت.

يمرّ الكاتب خلال هذه اليوميات من أمام كل الحطام من حوله. يكتب عن الرجل الثلاثيني الذي كان يقف مشدوهاً أمام حائط متهالك، لا يقوى على الكلام أو الحركة ولا يشعر بمن حوله، فيعرف بعدها أنه فقد ستة عشر فرداً من عائلته، وعن الطفل ذي الإثني عشر يوماً الذي نجا من الموت بأعجوبة بعد بقائه تحت الأنقاض أربعة أيام. وعن الجرحى الذين يمشون على أرجلهم المكسورة أو المجروحة مسافات طويلة ليصلوا إلى المستشفى، أو أولئك الذين نسوا آلامهم ليتشبثوا بلحظة الأمل في أن يجدوا فرداً من أفراد أسرهم فيتأخرون على العلاج ويتضاعف سوء حالتهم لينقلوا بعدها إلى المستشفيات المخصصة. وعن أهالي أطفال المدرسة الذين قُتلوا ونقلت جثثهم إلى المستشفى، فينهار أهاليهم الذين كانوا هناك يتلقون العلاج قبل أن يعرفوا بأمر وفاة أبنائهم.

نحن بحاجة لمثل هذه الكتب التي تنقل تجارب نحتاج لقراءتها اليوم في عالم مشحون بالكوارث الإنسانية. خصوصاً حين تكتب بلغة رشيقة تجعل القارئ لا يمل قراءتها حتى آخر كلمة. نحن بحاجةٍ لمثل هذه الكتب؛ لأننا بحاجة لمعرفة ما يعانيه الآخرون الذين يتعرضون لكوارث طبيعية وأخرى من صنع البشر، خصوصاً حين يكون الكاتب مثل بوملحة يستطيع أن يكتب الأمل كما يكتب الألم، ويستطيع أن يكتب قصص الإيمان والجلد والصبر كما يكتب قصص الانهيار والهلع. فقد نقل قصصاً بلسان الأطباء عن أهالي الضحايا وعن الجرحى الذين كان منهم طفل يتعالج من جرح غائر في رجله بينما هو يردّد ذكر الله تعالى بكل إيمان وصبر. ويروي قصة من كتب الله له حياة جديدة على رغم وجوده تحت الأنقاض لأيام، بعضهم خرجوا بجروح تعالجوا منها وبعضهم نجا سليماً، كطفل عمره شهران أخرج من تحت الأنقاض بعد يومين ولم يصب بأي أذى.

يقول بوملحة: «يعجب الإنسان في مواقع الكارثة بمدى التجاوب الإنساني المتمثل في وصول فرق الإنقاذ من كل الدول والبلدان إلى هذه المواقع، وما يقوم به أفرادها من نشاط يتواصل فيه الليل بالنهار، وما يتسمون به من حماس وحب ورغبة في البذل والعطاء». وأقول: هنا جوهر الإنسانية الذي لا يهتم لعرق أو دين أو مذهب أو معتقد، ويقدم مساعدته بكل حب.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 5322 - الأحد 02 أبريل 2017م الموافق 05 رجب 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً