العدد 5322 - الأحد 02 أبريل 2017م الموافق 05 رجب 1438هـ

أونغ سان سو كي... واشتعل الرأس شيباً

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

استوقفتني صورة «المناضلة السابقة» في ميانمار، أونغ سان سو كي، على واجهة إحدى صفحات «الغارديان» البريطانية. لقد بدا الشَّيْب واضحاً على شَعْرِ صُدْغِها (ما بين العَيْن والأذن). صحيح أن سو كي التي تتبوأ منصب مستشار الدولة في بلدها (على غِرار منصب مستشار ألمانيا) تبلغ الـ71 من العمر، إلاّ أن الكثيرين ومعهم وسائل الإعلام المحلية والعالمية، لم يعهدوها بهذه الهيئة.

تقرير «الغارديان» تحدّث عن تجربة هذه المرأة (التي قضت 27 عاماً كمعارضة) في السلطة، والتي لم تزد عن العام الواحد كتاريخ فعلي، وكيف أن أمل ميانمار لم يعد يرقى إلى مستوى التوقعات (Myanmar›s great hope fails to live up to expectations). هذا الأمر يعطينا صورةً من صور السلطة المعقدة التي تريد أن تستوعب التغيير والتحديث بشرط عدم تحريك أحجار البناء القديم للسلطة.

أونغ سان سو كي تتزعم حزب الرابطة القومية من أجل الديمقراطية. أما خصومها من ضباط الجيش الأقوياء فهم ينتمون إلى حزب اتحاد التضامن والتنمية. وبعد ضغوط دولية ساهمت الصين فيها، وهي حليف لميانمار، سَلَّم الجيش السلطة إلى واحدٍ من ضباطه المتقاعدين وهو ثين سين، الذي قام بدوره بتشكيل نظام شبه مدني مهّد لانتخابات عامة محلية وبرلمانية في العام 2015.

في الانتخابات فاز حزب أونغ سان سو كي فوزاً كاسحاً. أتذكر أنه وحين فُرِزَ جزء من الأصوات تبيَّن حصول حزبها على 97 مقعداً من أصل 107 مقاعد، بينما حصل حزب المؤسسة العسكرية على ثلاثة مقاعد فقط. وفي جولة ثانية حصل حزبها على 49 مقعداً من أصل 54 مقعداً. لكن تبقى مؤسسة الجيش (وحسب الدستور) قادرة على الحصول على ربع مقاعد البرلمان البالغ عددها 440 من دون انتخاب!

لم تكن هناك أيّ مشكلة في أن يحصل الحزب المعارض الذي كان يتغذى طيلة ثلاثة عقود على إخفاقات السلطة العسكرية الحاكمة، وقهرها للحريات، بل المشكلة هي في كيفية تعامل الحزب القادم من خارج السلطة مع الحكم. فهذا الحكم (وأيّ مثيل آخر له) هو شكل مَخْروط تتوزع عليه مراكز قوى مترسخة، ومصالح متباينة تجعله أشبه بحصن مليء بالممرات الملتوية والمبتورة واللامنتهية.

فضلاً عن ذلك، فأيّ حكم مغلق يُورِّث مثاقيل وأحمالاً لا قِبَل لأحد بها. في العلاقات الخارجية يحتاج الأمر إلى تجسير وبناء ثقة مع المجتمع الدولي. وفي العلاقات الداخلية، يحتاج العمل في البدء فوراً وفي كل شيء وبذات المقدار لتصويب القرارات السابقة، وفقاً للمتوفر من إمكانات وثروة وطنية، مع ضرورة العمل على تشتيت قوى الشّد العكسي أو حكومة الظل الذي تختفي وراء المقاعد.

أما الصعوبات الخارجة عن سلطة البشر كالمشاكل الطبيعية والأنواء فشأنها آخر، وعلى الحكم الجديد أن يستعد لها. وفي حالة ميانمار فإن الأمطار التي تهطل على جبال غرب البلاد والحالة الموسمية وجفاف الشتاء، تفرض حسابات أخرى. والجميع يتذكر فيضانات العام 2015 عندما طمرت المياه أزيد من نصف مليون فدان من أراضي ميانمار، وقُتِلَت الآلاف من الماشية وكذلك من البشر. وهذه لها حساباتها أيضاً.

هذا الأمر واجهته أونغ سان سو كي. للوهلة الأولى رأت هذه المرأة أنه لا يوجد معها أحد من حوارييها قادر على إدارة البلد. فكلهم ليسوا مؤهلين. ومَن اعتُبِرَ مؤهلاً تم اكتشاف شهادته الجامعية المزوّرة. لذلك لجأت سو كي إلى واحد من رجالات ميانمار وهو «كياو تينت سوي» الذي تصفه «الغارديان» بأنه «أحد السفراء السابقين ممن أمضوا عقوداً وهم يدافعون عن المجلس العسكري».

هذا الأمر دفعها للخوف والعيش في دائرة الشك تجاه الجميع. هي لا تستطيع أن تضع خطوةً إلى الأمام إلاّ بعد أن تتحسّس الطريق أمامها جيداً وبمفردها، وهو ما جعل الإنجاز في حكومتها بطيئاً. وحتى عندما جاءت لتعالج القضية الأساس في بلادها وهي الصراع العرقي بين الأكثرية البوذية (التي تنتمي هي إليها) وبين أقلية الروهينغا المسلمة أصبحت في وضع لا تُحسَد عليه.

فهي ومن أجل الحفاظ على خططها لإصلاح السلطة، اضطرت لمداهَنَة الجيش كي لا يُسَتفَز ويقوم بانقلاب عليها. ولا أعلم ماذا يمكن للمرء أن يقول وهو يسمع أونغ وهي تنفي عمليات الاغتصاب بحق نساء الروهينغا، أو تحاشيها انتقاد القوات العسكرية! فلجنة «استشارية برئاسة كوفي عنان في ولاية راخين» أو إطلاق «محادثات سلام» لم يُنهِ الأمر، بل زاد أوار الحرب أكثر هناك.

هذه المواقف جعلت علاقاتها الدولية على المحك، وتحديداً مع المنظمات الحقوقية حول العالم، التي كانت في يومٍ من الأيام صديقةً وعضواً فيها. فلم يعد يُقنعهم مساعيها لإطلاق سراح عشرات من المعتقلين السياسيين ولا فك القبضة على وسائل الإعلام، أو مكافحتها للفساد. فالأمر بات متعلقاً بالإبادة الجماعية وبتهديد وجود جماعة عرقية وإحدى الطوائف بشكل خطير، والصراخ على أشدّه في الأمم المتحدة كي يتم تشكيل لجنة تقصي حقائق «دولية» لحسم الأمر.

هذه الأجواء التي تحكم حقبة أونغ الوليدة في السلطة تطرح المفاهيم والأسئلة الكبرى للعمل السياسي، وخصوصاً مع الأنظمة المتحوِّلة إلى الديمقراطية ولكن بشروط صارمة. وهو ما يعني التضحية بأشياء أساسية، في المبادئ والشعارات. وهو ما ينطبق على أونغ سان سو التي بات الشَّيْب في صُدْغَيها أقوى من أيّة أصباغ تروم ستر خريفه القوي.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5322 - الأحد 02 أبريل 2017م الموافق 05 رجب 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 3:38 ص

      هذه المرأة النحيفة أونغ كي حين اشاهدها على التلفاز اشعر انها أقوى من undertaker و big show

    • زائر 1 | 1:23 ص

      التغيير

      هذه ضريبة التغيير ولكن يحسب لها انها وضعت المسمار ليكمل دقه من يجيء بعدها

اقرأ ايضاً