العدد 5337 - الإثنين 17 أبريل 2017م الموافق 20 رجب 1438هـ

مكتبة العليوات... والرحلة مع الكتاب

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

لا يمكن لمن يرغب في استكشاف ملامح حركة الطباعة والنشر في البحرين من الناحية التاريخية إلا أن يستوقفه دور المرحوم عبدالكريم العليوات (1929– 2015) مؤسس الشركة العربية للوكالات، خصوصاً في طباعة ونشر الكتب التي لها صبغة تاريخية، وهو الجانب الذي جئنا على ذكر طرفٍ منه في مقالات سابقة.

ومكتبة العليوات تُعد واحدةً من المكتبات التجارية التي كان لها نشاط ملحوظ في طباعة ونشر الكتب البحرينية منذ مطلع سبعينات القرن الماضي، وساهمت إلى جانب مكتبات أخرى، في إنعاش الوضع الثقافي من خلال توزيع الكتب والمجلات العربية من مصر ولبنان، وإقامة معارض الكتب المحلية، ونشر وطباعة الكتب البحرينية في وقتٍ كانت البلاد تشهد انبعاثةً أدبيةً وشعريةً واعدة، وتتلمس الطريق إلى الاستقلال والتحرر، وهو ما يُفسّر تنامي الشعور وقتها بأهمية «التاريخ» في تعميق الهوية الوطنية وتجذير الوعي بالمواطنة.

وربما نجد كل هذه الأبعاد مُنعكسةً بشكل أو بآخر، في شخصية العليوات نفسه، والذي كان يمثل المرحلة بكل ملابساتها وديناميكيتها وألقها الوطني؛ فمن الناحية الوطنية ينحدر عبدالكريم من أسرة تشرّبت الروح الوطنية وعرفت النضال، فوالده الحاج عبدعلي العليوات (ت 1969) أحد قادة هيئة الاتحاد الوطني (1954– 1956) في خمسينات القرن الماضي، وعبدالكريم نفسه كان عضواً بالمجلس التأسيسي الذي أشرف على وضع الدستور بعد الاستقلال العام 1973.

أما من الناحية الثقافية، فإن وزن الرجل يُعرف بمساهماته، وبما قدّمه من دعمٍ وإضافةٍ للحركة الثقافية والأدبية في البحرين، وذلك من خلال دوره كناشر وموزّع للكتب والصحف والمجلات الصادرة في أغلب البلدان العربية، وتقديمها للقارئ البحريني منذ منتصف خمسينات القرن الماضي، وهو إلى ذلك من المؤسسين لأول مكتبة عامة في المنامة في العام 1948 وأول مدير لها.

ظل العليوات شديد الاعتزاز بتجربته الثقافية ورحلته مع الكتاب، ونراه مزهواً بذلك التاريخ الذي شيّده بتصميم وعزم مدهش، وربما يكون تخصيص الفصل الأخير من مذكراته «البحرين... مذكراتي من الهيئة إلى الاستقلال»، للحديث عن ملابسات تأسيسه للمكتبة مغزى وإشارة أحبّ أن يقدّمها لقارئه، بأن هذا هو الشيء الذي ليس بعده كلام، وهذه خلاصة تجربتي في الحياة، وهي الأثر الباقي بعدي. وقد صدرت هذه المذكرات في 2014، والذي روى فيها مشاهداته عن الحركة المطلبية من ثلاثينات القرن العشرين، مروراً بانتفاضة الخمسينات، حتى العمل البرلماني في سبعينات القرن الماضي.

القصة بدأت عندما أسّس عبدالكريم وشقيقه فيصل، مكتبة تجارية باسم «مكتبة الأندلس»، وكانت في دكان بسيط متواضع كان له مدخلان، أحدهما يطل على شارع الشيخ عبدالله والآخر يطل على شارع باب البحرين بالمنامة، وكان يجاور المكتبة –كما يروي العليوات في مذكراته- «مقهى عبدالرحمن» الذي كان يرتاده المثقفون والمتعلمون والوطنيون من الشباب في فترة السبعينات والثمانينات وحتى التسعينات .

وسرعان ما تحوّلت هذه المكتبة إلى شركة تجارية تحمل اسم «الشركة العربية للوكالات والتوزيع»، وأخذت تتعاقد مع كبريات دور النشر في القاهرة وبيروت، ثم تطوّرت إلى الدور السورية والتونسية والليبية، وأصبحت المكتبة تجلب الصحف والمجلات العربية وحتى الأجنبية مثل صحيفة «الهيرالد تريبيون» ومجلة «التايم» الأميركية و»دير شبيغل» الألمانية وغيرها من الصحف والمجلات.

وحيث أن الهدف من تأسيس الشركة كان تولّي مَهمّة طباعة الكتب الخاصة بالأفراد والمؤسسات والجهات الحكومية؛ أمكن للمكتبة طباعة مجموعة من الإصدارات المهمة في سبعينات القرن الماضي، في مختلف مجالات الفكر والمعرفة وخاصة الأدبية، ومن منشورات الشركة العربية للوكالات والتوزيع «لمحات من الخليج العربي» لمحمد جابر الأنصاري، و»البحرين وأهميتها بين الإمارات العربية» لإبراهيم عبدالكريم محمد، وديوان «البشارة» لقاسم حداد، و»تأملات وهمسات» وقصة «بدرية في طريق الحياة» لفؤاد عبيد، و»تطور التعليم في البحرين» (بالانجليزية) لعبدالملك الحمر، و»البحرين عبر التاريخ»، الطبعة الثانية لعبدالله بن خالد الخليفة وعبدالملك الحمر.

كما نشرت المكتبة لإبراهيم العريض (ت 2002) دواوينه الشعرية: «العرايس»، و»شموع»، و»أرض الشهداء»، و»قبلتان». ولمبارك الخاطر (ت 2001) نشرت «نابغة البحرين عبدالله الزائد»، و»بحرانيون في مواقع العمل» (مسرحية)، وديوان شعر. ومن بين إصداراتها أيضاً «موت صاحب العربة»، وهي مجموعة قصصية لمحمد عبدالملك.

وتعاملت المكتبة مع الكثير من دور النشر العربية، منها دار المتنبي من العراق، ومن الكويت دار الرسالة والصحافة، وهي تتبع حركة القوميين العرب، ومن بيروت دار الثقافة، ودار المعارف، ومؤسسة المعارف، ودار العلم للملايين. ومن مصر، دار المعارف، ومن الدوحة دار العروبة، ومن أبوظبي بعض المطبوعات المحلية.

وقد عرفت المكتبة ثم الشركة مقرات أربعة، كان الأول في موقع المقهى الذي يطل على الشارعين (شارع باب البحرين وشارع الشيخ عبد الله)، ثم انتقلت إلى شارع المتنبي بالقرب من إدارة البريد بالمنامة، ثم انتقلت إلى بناية الوزان على الشارع نفسه الذي تقع عليه مكتبة المؤيد وأوال، وأخيراً في بناية الشيخ راشد المطلة على شارع السلمانية الطبي.

ويُحسب للعليوات أنه أقام أول معرضٍ للكتاب في البحرين في 30 مارس/ آذار 1971 في نادي العروبة، برعايةٍ من القائم بأعمال التربية والتعليم حينها الراحل الشيخ عبدالعزيز آل خليفة، ونظّم معرضاً آخر للكتاب في العام 1973، اشتركت فيه أكثر من عشرين دار نشر عربية، وأقيم في قاعة القسم التجاري بمدرسة المنامة الثانوية للبنين.

لقد كتب العليوات في ختام مذكراته: «حديثي عن المكتبة والكتاب يطول؛ فهي عالمٌ بحد ذاته، هي أيامي وسنوات عمري بكل ما فيها من همّ وتعب وشقاء، وبكل ما حققته من تقدم ونجاحات وتحديات». لهذا سيقدّر لاسم عبدالكريم العليوات أن يبقى محفوراً في تاريخ البحرين الثقافي، بما تركه من أثرٍ على عقول الشباب وفي مصائرهم الفكرية ونهجهم في الحياة.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 5337 - الإثنين 17 أبريل 2017م الموافق 20 رجب 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً