العدد 5337 - الإثنين 17 أبريل 2017م الموافق 20 رجب 1438هـ

فاز أردوغان وهُزمت تركيا

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

وصف أحد المحللين السياسيين فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في الاستفتاء الدستوري بفارقٍ بسيط، بأنه فوز بطعم الهزيمة.

لقد ألقى أردوغان بكل ثقله للفوز بالاستفتاء، وقضى الأسابيع الأخيرة وهو يجول عبر المحافظات التركية لإقناع الجمهور بأن المشروع يهدف إلى مستقبل تركيا، في محاولة يائسة لإبعاد فكرة أنه يسعى لبناء مجده الشخصي في السلطة.

أردوغان له في داخل تركيا محبون كثر وخصوم كثر أيضاً، كما أن له محبين كثيرين في العالم العربي، ومثلهم من الكارهين. وبعيداً عن الحب والكره، يجب النظر إلى ما تتجه إليه تركيا بعد الاستفتاء.

هذا الفارق الضئيل في نتيجة الاستفتاء، يدل على انقسامٍ حادٍ وعميقٍ في الشعب التركي، بين مؤيد مخلص يجاري أردوغان في طموحاته الرئاسية، وبين معارض يناهضه بقوة. ونسبة 51.35 في المئة من الأصوات، لا تمنحه تخويلاً مطلقاً لتطبيق ما يريد من تغييرات كبرى، إذا كان ينظر إلى مصلحة تركيا ومستقبلها، فضلاً عن مستقبل التيار الإسلامي الحاكم الآن.

لقد شاهدنا حركة صعود نجم أردوغان قبل خمسة عشر عاماً، حين انتخب رئيساً للوزراء العام 2003، وسيرة الرجل فيها الكثير من الوهج، حيث نشأ بأحد أحياء إسطنبول الشعبية، والتحق بمدرسة دينية، وبدأ حياته بائعاً متجولاً، ثم تحوّل لفترة قصيرة إلى لعبة كرة القدم، قبل أن يلتحق بالعمل السياسي الإسلامي ضمن «حزب الرفاه»، وانتهى به المطاف إلى رئاسة بلدية إسطنبول في 1994. وحين حُظر الحزب في 1998، أُدخل السجن بتهمة «التحريض على الحقد الديني» بعد تلاوته قصيدة إسلامية!

عاد أردوغان للعمل السياسي في 2003 مع تعيينه رئيساً للوزراء، ليبدأ الخطوة الأولى في مشروعه الطموح للوصول إلى الرئاسة، بعد أن يحوّلها إلى قطب الرحى ومركز الثقل في السياسة التركية، على حساب البرلمان. وهو ما يخشاه المعارضون بأن تستبطن هذه النزعة مشروع ولادة دكتاتور جديد، تركيا والمنطقة في غنى عنه.

سياسة أردوغان في السنوات العشر الأولى من حكمه كانت تحظى بتأييد واسع على المستوى الشعبي بالعالم العربي، حين رفع شعار «سياسة صفر مشاكل»، مع جميع الدول المجاورة لبلاده، بما فيها عدوتها التاريخية اليونان. إلا أنه غيّر بوصلته في الأعوام الخمسة الأخيرة، فانقلب على نفسه، لينسف سياسته تماماً، حتى بات على تماسٍ مع أغلب هذه الدول. وحتى الهدنة مع الأكراد، وهي أكبر إنجازاته على الإطلاق، انقلب عليها، وأعلن الحرب عليهم من جديد.

فيما يخصنا نحن في العالم العربي، رأينا نتائج انقلابه المدمّر على الأوضاع السياسية والأمنية في كلٍّ من سورية والعراق. ومع زيادة تورّط بلاده في دعم الحركات المتطرفة في البلدين، كان الإعلام الغربي يؤكّد أن تسعين في المئة من المقاتلين الإرهابيين الأجانب القادمين من ثمانين بلداً، يتدفقون على سورية عبر الحدود التركية.

في صيف العام الماضي، تعرّض أردوغان لمحاولة انقلاب عسكري، واتهم خصمه الداعية الإسلامي فتح الله غولن بتدبيره، بالتواطؤ من الأميركيين والأوروبيين. وسرعان ما شرع في عمليات تطهير وانتقام، من أنصار غولن المدنيين والعسكريين، فسجن أكثر من 47 ألفاً، وأقال 100 ألف من وظائفهم. وهي إجراءات قوبلت بالكثير من الانتقادات من الساسة الغربيين فضلاً عن منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان. واستحثه هاجس الخوف من الانقلاب والضغط الدولي، للإسراع بمشروعه للوصول إلى الرئاسة.

اليوم يبلغ أردوغان 63 عاماً، وقضى في الحكم 15 عاماً، ويفتح له الفوز بالاستفتاء الطريق لحكم تركيا متمتعاً بصلاحيات واسعة، حتى العام 2029، يكون يومها قد بلغ سن الـ 75.

تركيا بهذا الاستفتاء، تسير على نهج غيرها من البلدان العربية والإسلامية، المبتلاة بميراث تاريخي طويل من حكم الدكتاتورية والفردية والاستبداد. لقد فاز أردوغان حقاً... ولكن هُزمت تركيا بكل تأكيد.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5337 - الإثنين 17 أبريل 2017م الموافق 20 رجب 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 35 | 8:34 ص

      الله يطول عمرك يا أردوغان وتقهر أكثر بعض الناس!

    • زائر 34 | 8:27 ص

      أردوغان قاعد مثل العظم في البلعوم في حلوق بعض الناس!

    • زائر 33 | 8:00 ص

      مخلص لداعش و للصهاينة يسرق نفط سوريا والعراق ويبيعه على الصهاينة وتجار السوق السوداء .. قول بعد ما تدري ..
      كم مصنع في حلب خربه وسرق محتوياته ؟
      جنود اردوغان يحاربون مع داعش في سوريا هل هذا يرضي الله ام يرضي أعداء الله ؟

    • زائر 32 | 7:06 ص

      لما نشاهد كل هذا الحماس منك اخي العزيز في علم ٢٠٠٩ عندما زورت الانتخابات الإيرانية و فاز نجاد على مير حسين موسوي

    • زائر 27 | 5:47 ص

      سبحان الله فقط لان أردوغان مختلف معاك الرأي بخصوص ملف سوريا والعراق لذلك في كل شارده وطارده تحاول التقليل من أنجازاته وأسهاماته وتطوير بلده ، بالله عليك يا قاسم متى وصلت تركيا الى هذا المستوى من التقدم الاقتصادي والعلمي ألا بعد مجئ هذا الرئيس المخلص لوطنه ودينه وربه ، كفايه لعب على الذقون

    • زائر 26 | 4:36 ص

      الشعوب العربية تعتقد انه الأتراك مثل العرب لا الأتراك شعب يختلف في كل شي ولا يختلفون على انا تركيا هي الأهم وأما العرب البلد البلد والاوطن اخرى شي بعد اذا كانت سياسة اردوغان سئ سوف يتعامل معه الأتراك بسلام ويغيرون كل شي بدون ان يؤثر على البلد التركي

    • زائر 22 | 3:01 ص

      حتى مأساة المهاجرين العالقين في البحر والذين مات منهم الألوف والصخب الإعلامي والتراشق بين أوربا وتركيا وكل منهم يدعي بأنه يأوي النازحين والمهاجرين لم تكن إلا تجارة الم تكن هناك ما هو أخطر كبيع اعضاء وأطراف البشر كما تفعل إسرائيل .

    • زائر 21 | 2:55 ص

      كثير من الأخبار التي نسمعها ونراها في أوربا او المنطقة هي كذب وضحك على الشعوب فكل الدول المنضوية تحت السياسة الأمريكية تمارس توزيع أدوار مثل الحملات الإعلامية ضد سياسة اردوغان ماهي إلا لكسب التعاطف مع أخطر لاعب لتدمير العالم الإسلامي خدمة للأعداء .

    • زائر 30 زائر 21 | 6:57 ص

      بارك الله في هذا اللاعب الخطير
      يكفي انه مايخلييكم اتنامون الليل من الخوف

    • زائر 20 | 2:49 ص

      الذين يؤيدون اردوغان لا يهمهم الإنسان ولا الحق ولا الاجرام الذي ارتكبه هذا النظام بحق المعارضين او بحق الأبرياء في سوريا فهم مثله ينظرون فقط إلى الدعم الأمريكي و يرفعون شعارات هم ابعد ما يكونون منها بل هم على النقيض .

    • زائر 19 | 2:44 ص

      في الواقع الشعوب المعارضة و التي تمارس ضدها سياسة التمييز والعنصرية لا تستطيع تغيير الواقع في ظل دعم القوى العظمى وسكوت و تواطئ باقي الدول خوف من الاستهداف .

    • زائر 18 | 2:39 ص

      كل الانتقاذات الاوربية لأردوغان على انه انتهك حقوق الإنسان واضطهاده المكونات الأخرى من شعبه لم تكن جدية وتغاضت عن جرائمه في حق شعبه و تدخلاته السافرة في شؤن دول الجوار .

    • زائر 17 | 2:31 ص

      اردوغان ماكان ليحقق هذا النجاح الاقتصادي لولا تنفيذه لكل مخططات أمريكا واسرائيل في العراق وسوريا ، حيث ان دوره كان الابرز في دعم وتوجيه الارهاب من بين دول المنطقة .

    • زائر 16 | 2:19 ص

      شكرا على المقال.. الواقع ان شعبية اردوغان بنيت على المنجزات الاقتصادية التي تحققت في عهده.. لقد اعاد الاتراك انتخابه وحزبه مرة تلو الاخرى بسبب منجزاتهم الاقتصادية بالدرجة الأولى التي يمكن الاشارة الى ابرزها وهي انتقال تركيا من دولة مثقلة بالديون الى دولة مانحة للديون وهو امر عجزت عنه الطبقة السياسية التلقليدية بكل احزابها التي تعاقبت على حكم تركيا منذ اعلان الجمهورية.. لكن من الواضح ان اردوغان يريد ان يقايض الازدهار الاقتصادي بالاستبداد السياسي... وهذا ما جعل رصيده الجماهيري يتآكل شيئا فشيئاً..

    • زائر 15 | 2:07 ص

      هذه مشكلتنا الابدية
      اعادة انتاج الاستبداد

    • زائر 14 | 1:56 ص

      يعني قصرت علي تركيا ؟ كل الدول العربية والاسلامية في الهوي سوي .. حتي جمهورية ايران الاسلامية التي تقام فيها الانتخابات الرئا سية كل اربع سنوات ويحصل الرئيس علي نسبة قد تتجاوز ٧٠% من اصوات الناخبين او الشعب تظل صلاحياته قاصرة حسب الدستور الذي منح القيادة السياسية بيد الولي الفقيه الذي بيده حكم إمضاء تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه .. تصور شخص منتخب من مئات يتحكم في آخر منتخب من الملايين!!

    • زائر 11 | 12:56 ص

      أذكر في 2013 أيام مظاهرات غيزي بارك وتقسيم في كاتب كتب أن أيام أردوغان باتت معدودة، ولكن كما يبدو أردوغان صمود!

    • زائر 6 | 12:34 ص

      خلة يعيش الى سن 73 سنة وتالى يا سيد ولاكن الشعب التركي يتحمل النتائج

    • زائر 5 | 12:18 ص

      في مسرحية الزعيم للفنان عادل إمام مقطع يجسّد واقع الحال العربي والاسلامي خاصّة فيما يتعلّق بالانتخابات واقتراح عادل إمام بأنه لو أن الرئيس الأمريكي استشاره لأرشده لطريقة يحصد من خلالها على 99% من اصوات الناخبين .
      هذا حالنا المسلمين بدل الاقتداء بالديمقراطية الحقيقية و الناجحة في كثير من البلاد نحاول التأسيس للحكم المتوارث
      والتسلّط الفردي

    • زائر 4 | 12:06 ص

      فليبشر الأتراك بسيف صارم وعدوّ غاشم يسومهم سوء العذاب وهذا بسوء اختيارهم ومهما قيل عن التزوير الذي هو غير مستبعد لكن هناك دعم من نسبة معينة من الأتراك دعمت توجه اردوغان لذلك كما قال المثل العربي على نفسها جنت براقش وسيندمون حين لا ينفعهم ندم بعد ان مكّنوا ديكتاتورهم من رقابهم

اقرأ ايضاً