العدد 5341 - الجمعة 21 أبريل 2017م الموافق 24 رجب 1438هـ

طرفة من العيار الثقيل

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يروي السيدناجي صبري الحديثي آخر وزير خارجية عراقي قبل الاحتلال الأميركي قصة طريفة. يقول بأنه وفي سبتمبر/ أيلول 2002، أي قبل العدوان الأميركي البريطاني على العراق ببضعة أشهر، أبلغه وزير النفط العراقي الأسبق عامر رشيد العبيدي بأن وزيرة خارجية اليابان آنذاك (يوريكو كاواتشى) تريد لقاءك (ربما) للتباحث بشأن تعاون نفطي (مع العراق). ذهب الحديثي إلى اليابان «وإذا بفوجٍ من المصوّرين» يصل عددهم إلى 60 أو 70 مصوراً يتواجدون في مقر الاستقبال.

بعد التحية والسلام والابتسامة للصحافيين والمصوريين: «بدأت الوزيرة بالتحدث قائلة: نحن في اليابان قلقون من أسلحة الدمار الشامل العراقية! ردّ عليها الحديثي: ماذا؟ لم تستمع الوزيرة اليابانية لسؤاله وتجاهلت تعجّبه وواصلت حديثها بالقول «الشعب الياباني والحكومة اليابانية قلقون من أسلحة الدمار الشامل في العراق». بادرها الوزير العراقي متعجباً «مدام منستر: أنتم في اليابان قلقون من أسلحة الدمار العراقية؟»، إلاّ أن الوزيرة اليابانية استمرت في الحديث دون انقطاع.

بعدها قال الحديثي للوزيرة اليابانية: «أخشى أنكِ تقصدين شيئاً آخر! ثم سألها: هل العراق ضربكم بالقنبلة الذرية في هيروشيما وأنتم قلقون من أسلحة الدمار الشامل العراقية؟»، إلاّ أنها استمرت في الحديث دون انقطاع، «وكأن هناك شريطاً أو قرصاً مسجَّلا عليه هذا الكلام وموضوعاً في أداة تسجيل»، كما يقول الحديثي. خاطبها مرة ثانية «يا سعادة الوزيرة: نحن لم نضربكم لا في هيروشيميا ولا ناكازاكي وليس لدينا أسلحة دمار شامل! بل الولايات المتحدة هي التي ضربتكم وليس العراق! لكنها استمرت على نفس الوتيرة».

يقول الوزير الحديثي: «وجدتُ حينها أنه من العبث الاستمرار معها في ذلك اللقاء، فقلتُ لها شكراً سعادة الوزيرة أعتقد أنه يجب أن نُنهِي الاجتماع لأنكِ لا تجيبين على أسئلتي. وقَفَتْ ثم وقفتُ أنا، تصافحنا، ثم ابتَسَمَتْ هي للكاميرات وخرجتُ من الاجتماع».

لم تنته القصة بعد. فبعد ذلك الاجتماع أبلِغَ الحديثي من قِبَل مرافقيه أن وزير الخارجية الأسترالي آنذاك (ألكسندر داونر) يريد أن يلتقي به. ذهب الوزير الحديثي إلى مكان اللقاء، فبدأ وزير الخارجية الاسترالي حديثه بالقول: «نحن قلقون في استراليا من أسلحة الدمار الشامل العراقية». فردَّ عليه الوزير العراقي «سبحان الله مستر منستر، أنا للتو جئتُ من اجتماع مع وزيرة خارجية اليابان وهي قلقة والشعب الياباني قلق من أسلحة الدمار الشامل العراقية، فيبدو أن الرسالة الأميركية التي أعطِيَت إلى وزيرة خارجية اليابان أعطِيَت لكَ أيضاً، وأنتَ ترددها الآن! فلم يتمالك (الوزير الاسترالي) نفسه فضحك ضحكة عميقة وانتهى الاجتماع».

هذه القصة الطريفة تمنحنا شيئاً مما يجري في الكواليس في إدارة الأميركيين لعلاقاتهم مع الآخرين، وكيف تُملِي على الدول ما تريد. هم يمتلكون الأقمار الصناعية التجسسية ويملكون أقوى جهاز استخبارات وجيش في العالم، ولديهم مصانع السلاح المتطور وكافة أنظمة التحكم البنكية، بالإضافة إلى نصف اقتصاد العالم، لذلك فهم يتلاعبون بالدول الأخرى ويدفعونها لتأييدهم.

هل نتذكر ما قاله دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي الأسبق في يناير/ كانون الثاني 2003؟ لقد وصف فرنسا (جاك شيراك) وألمانيا (غيرهارد شرودر) بأنهما تمثلان «أوروبا العجوز»، مضيفاً أنه «لا أرى أوروبا على أنها ألمانيا وفرنسا. أعتقد أن هذه هي أوروبا العجوز. وإذا ألقيتم نظرة على أوروبا بأكملها، فإن مركز الثقل فيها ينتقل إلى الشرق». والسبب في تهكّم رامسفيلد من أهم دولتين في أوروبا أنهما (ومعهما بلجيكا ولوكسمبورغ) رفضتا ضرب العراق ومواصلة فرق التفتيش عملها.

كان رامسفيلد يقول: «هناك 15 بلداً في حلف شمال الأطلسي صوتوا لصالحنا في مقابل 4 قالوا لا، لذلك فإن أوروبا ليست ضدنا. في الواقع، ثمة عدد كبير من الدول التي كانت مفيدة جداً وتشارك في التخطيط إذا ما لجأنا إلى استخدام القوة ولتقديم المساعدة الإنسانية ولإعادة بناء العراق في مرحلة ما بعد صدام حسين». ثم بدأت الحرب ودخل فيها مَنْ دخل ليتورط في وَحْل لا يتلصق بالأرجل فقط بل يصل حتى العنق.

اليوم هناك مَنْ يريد لإدارة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب أن تدخل في حروب جديدة في سورية أو كوريا الشمالية! الغريب في الأمر أنه وفي الوقت الذي يضغط اليمينيون المتطرفون في داخل الولايات المتحدة الأميركية على ترامب كي لا يفعل ذلك (خشية تكرار درس العراق) وهم أعداء الأمة نرى البعض يحاول أو يفعل العكس، في الوقت الذي ما يزال فيه العالم العربي والإسلامي بل والعالم كله يدفع ثمن احتلال العراق قبل 14عاما فقط!

هل يتوجب على إدارة ترامب أن تنفق (كما أنفقت على حرب العراق) ضعفي ما أنفقته الولايات المتحدة في الحرب العالمية الأولى (وفقاً لحساب الدولار الآن)؟ و10 أضعاف ما أنفقته في حرب الخليج الأولى؟ وأكثر مما أنفقته في حرب فيتنام بثلث الكلفة؟ وأن تنفق في معركة مدتها 4 أشهر فقط 11 مليار دولار (كما حدث في معركة بغداد 2003) كما يذكر أهم علماء الاقتصاد! متى سيصبح التاريخ قيمة فكرية ومجالاً للعِظَة يدفع البعض لأن يفكر بالطريقة الصحيحة؟ لا أحد يعلم.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5341 - الجمعة 21 أبريل 2017م الموافق 24 رجب 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:31 ص

      مقال ممتاز وتحليل مقتضب ومفيد. أحسنت استاذنا العزيز أبو عبد الله

    • زائر 1 | 12:37 ص

      ...
      هم يريدون المصالح الاقتصادية والسياسية حتى يلعبوا على سفك الدماء البريئة وكأنها سلعة مباحة، الله يستر من قادم الأيام

اقرأ ايضاً