العدد 5364 - الأحد 14 مايو 2017م الموافق 18 شعبان 1438هـ

العنصرية وما تنتجه من صلف

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من المؤسف أن تراقب بعض قطاعات الخطاب الإعلامي وهي تنحدر أكثر، وتوغل أكثر وأكثر في طرحها الانعزالي الذي يعمّق الجراح ويزيد في تشطير المجتمع.

خطاب الكراهية والتحريض على بغض الآخر مدانٌ جملةً وتفصيلاً، ولا يمكن تبريره بأية مواقف أو أحداث سياسية سابقة أو حالية، فضلاً عن أنه دعوة تصطدم بالفطرة الإنسانية وتدلّ على خلل أخلاقي كبير.

لا يخلو بيتٌ ولا مؤسسةٌ ولا بلدٌ من خلاف، فقد خلق الله الناس متفاوتي الآراء والأمزجة والعقول، ومحاولة فرض رأي واحد على جميع الناس إنما هو صنفٌ من الجنون، وهو ما يفعله تنظيم «داعش» الإرهابي في المناطق التي احتلها من القطرين العربيين الشقيقين، سورية والعراق. ومن يطالب بتصفية من يختلف معهم سياسياً أو يكرههم، فإنّما هو يصدر عن النفسية المريضة ذاتها التي انطلق منها «داعش» في مثل هذه الأيام قبل ثلاثة أعوام.

حين داهمت «داعش» العراق وسورية، استخدمت سبل البطش والترهيب والقتل الوحشي، لفرض إرادتها وتصوراتها الانعزالية على هذين الشعبين المتعايشين قروناً بين مختلف الطوائف والانتماءات. وكل هذه «الدعشنة» إنّما كانت تقوم على أفكار انعزالية، تمجّد الذات، وتستهين بوجود الآخر وتطالب بإلغائه من الحياة، ولذلك لم يتحمل العالم انبعاث هذه الفئة التي تجاوزت كل الشرائع والقوانين، فقتلت وأحرقت الأسرى، وسبت واسترقّت النساء، وأعادت سوق النخاسة إلى الوجود.

هذه اللوثة العقلية ليست قصراً على أفراد تنظيم «داعش» الذين تم جمعهم من 80 دولة وتهريبهم عبر الحدود الدولية لينتشروا في سورية والعراق ويعيثوا فيهما الفساد، بل وصلت إلى سيناء المصرية، وليبيا واليمن والصومال. هذه اللوثة أصابت بعض قطاعات الإعلام الذي يسوق لتصفية الآخرين وإنهاء وجودهم السياسي والاقتصادي، والدعوة لمعاملتهم ليس كمواطنين، بل كمخلوقات دون مستوى البشر. حتى وصل الفجور في الخصومة لدى بعض المرضى العنصريين، إلى اعتبار جزءٍ من المواطنين من المؤلفة قلوبهم.

هذا الخطاب التحريضي المنفلت من كل قيدٍ أخلاقي، عارٌ على صاحبه، وعارٌ على الصحيفة التي تنشره، وكذلك من يقبل بنشره من دون محاسبة أو معاتبة، فيسيء إلى الوطن وشعبه بكل فئاته ومكوناته.

لسنا في العصور المظلمة، حتى يُعامَل الناس بالسوء، ويتم تصنيفهم بحسب انتماءاتهم الدينية والمذهبية، وتلصق بهم التهم الباطلة والتوصيفات الرذيلة، بل نحن في مطلع الألفية الثالثة، حيث تتطلع البشرية جمعاء إلى سيادة حكم القانون، وقيم العدل والمساواة، واحترام حقوق الإنسان كبشر، وليسوا كمواطنين منتقصي الحقوق، من الدرجة الخامسة أو العاشرة، أو إخراجهم من دينهم وتكفيرهم، أو تسليط أصحاب الألسن البذيئة للانتقاص منهم.

إننا نعيش في زمن الدعوة للحقوق المدنية، التي انتشرت في شرق الأرض وغربها، وشمالها وجنوبها. إنه زمن العودة الواعية إلى المفهوم الإسلامي الناصع الأصيل: «الناس صنفان: إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق»، لكننا نفاجأ بوجود مثل هذه المجموعة الانعزالية المريضة في بعض مجتمعاتنا، والتي شجّعها السكوت عنها على اقتراف الفواحش الفكرية، فأخذت تطالب جهاراً بمعاملة الناس كعبيد، وتفكّر بعقلية فرض الجزية، والمؤلفة قلوبهم. ففي أي عصرٍ يعيشون؟ وكيف وصلت بهم العجرفة والغرور إلى هذه الدرجة من المرض والخلل النفسي.

لا تصدقوهم إذا تكلموا عن الوطن، فهم كالذئاب الذين يعظون بلباس الحملان، ويعتاشون في أزمنة الفتنة على التحريض وأكل لحوم بقية المواطنين. وإذا وجدوا يوماً ما بعض من يصفّق لهم، فإن تاريخ صلاحيتهم شارف على الانتهاء، حيث سيصنّفهم التاريخ كأردأ ما ابتليت بهم الشعوب من أصناف الانتهازيين، حيث جمعوا بين العجرفة والصلف والغرور.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5364 - الأحد 14 مايو 2017م الموافق 18 شعبان 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 7:19 ص

      ماذا عن من يصنف الناس بين حسيني و يزيدي ؟؟ لماذا لا تنتقد هذا الخطاب ؟؟ لماذا لا نكون منصفين و نقول الحقيقة ان كل المذاهب الاسلامية بها عنصرية و طائفية و تعتقد انها فقط من ستدخل الجنه ؟

    • زائر 13 زائر 10 | 10:06 ص

      حسب مذهبنا وعقيدتنا لا نقول نحن فقط في الجنة والبشرية كلها في النار. في عقيدتنا الله سوف يحاسب الانسان بحسب مقامة ومعرفته بالله (عقله) وبيئته وواجباته وحقوقه

    • زائر 8 | 4:20 ص

      هكذا تكون المواطنة الحقيقية عندما تخاف على هذا الوطن من ان يمس يسوء علم هؤلاء المعتاشين دروسا في الوطنية دعهم يخرجوا من الظلمات الحالكة الى النور ولكن : لقد اسمعت لو ناديت حيا... ولكن لا حياة لمن تنادي

    • زائر 7 | 2:56 ص

      زائر 6 كلامك خلط للأوراق ويضرب الصالح بالطالح.

    • زائر 6 | 11:54 م

      سبب بلاء سورية والعراق ليس داعش لان داعش حديثي العهد سبب بلاء العراق حكامهم السابقين والحاليين .اما التحريض على بعضدنا البعض فهو من الطرفين هذا ما نسمعه في محطات التلفزه

    • زائر 5 | 11:10 م

      من يمارس العنصرية ومن يبرّر له حسن صنعه كلهم شركاء في الجريمة الانسانية . فواحد يقوم بالممارسة ثم يأتي آخر ليزين له سوء عمله وهكذا قال الله عنهم ( أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ) وتزيين سوء الأعمال ربما يكن احيانا اكثر جرما ممن يرتكب الفعل نفسه

    • زائر 3 | 11:04 م

      والله سيدنا لا زالت هدة الأفكار موجودة في الداخل بلدي تعال طوف على نقطة تفتيش شوف من الهوية او الشكل راح توقف

    • زائر 2 | 10:58 م

      قال تعالى (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون) . حين يمارسون العنصريون عنصريتهم في البحرين فإنهم لا يرضون بأن يقال لهم الوصف والتوصيف الصحيح لممارستهم بل يردّون بتبريرات أن الطائفة الفلانية خونة وعملاء وووو وأوصاف سخيفة وكل ذلك ليبرّر عنصريتهم وظلمهم واضطهادهم لمكوّن اساسي من مكونات الوطن هو فقط يطالب بالانصاف

    • زائر 1 | 10:48 م

      وهل يختلف توجه هؤلاء الكتّاب عن الفكر الداعشي؟
      ألم نسمع ونقرأ ونرى منهم تعاطفا بل وتهديدا بالمدّ الداعشي ونقله للبحرين؟
      هل نسيتم تلك الصحفية التي هددت المعارضة اذا لم تسكت عن مطالب الشعب فإن داعش على الأبواب ؟

اقرأ ايضاً