العدد 551 - الثلثاء 09 مارس 2004م الموافق 17 محرم 1425هـ

ماذا يعني المشروع وما أهداف الولايات المتحدة منه؟

في مشروع «الشرق الأوسط الكبير» (1 - 2)

إلياس حنا comments [at] alwasatnews.com

كاتب لبناني، عميد ركن متقاعد

من «مشروع الشرق الاوسط الجديد» مع شيمون بيريز، إلى «مشروع الشرق الاوسط الكبير» مع الرئيس جورج بوش. تبقى الساحة الاسلاميّة عموما، والساحة العربيّة خصوصا هي الاساس، وهي المقصودة بالتغيير المطلوب إجراؤه. هي ساحة (المقصود الساحة العربيّة) الاختبار، هي ساحة الصراع الجديد. لا بل هي التي حُدّدت من قبل الولايات المتحدة وكأنها العدو البديل عن الاتحاد السوفياتي. وإلاّ فما معنى نقل استراتيجيّة الاحتواء الاميركيّة من الدب الروسي، إلى مزيد من الاحتواء للعالم العربي والاسلامي؟ ويكفي هنا ان نرصد الوجود الاميركي العسكري في المنطقة، ونراجع الخطاب الاميركي والحروب التي خِيضت حتى الآن، لنعرف مدى التورّط الاميركي في المنطقة. أو بشكل آخر، لنعرف ونعي أهميّة المنطقة للاستراتيجيّة الاميركيّة الكبرى، وخصوصا بعد سقوط «الدب» الروسي، ووقوع هجمة 11 سبتمبر/ أيلول.

لكن الفارق بين مشروع بيريز ومشروع بوش، يتمثّل بالتوقيت، وباختلاف الظروف الدوليّة والاقليميّة بشكل جذري. ويتمثّل خصوصا بوضع العرب الذي وصل إلى أسفل الدرك. مع بيريز، استند المشروع على دمج «إسرائيل» في المنطقة Integration)) عبر توزيع المهمات بين الدول العربية و«إسرائيل». أما مع بوش، فإن مشروع «الشرق الاوسط الكبير»، فيقوم على أن يكون العرب هم المنفّذون، وهم وسيلة الاختبار، وهم ليسوا شركاء، إلا إذا نفّذوا لائحة المطلوبات منهم وهي كبيرة جدّا جدّا. كما يتناول المشروع الجديد التغيير الجذري لدى العرب في عقولهم كما في قلوبهم.

يعتقد ويشعر العرب ان تسمية منطقتهم بـ «الشرق الاوسط»، هي أصلا تسمية تنبع من تعصّب عرقيّ Ethnocentric. فالغرب وأوروبا وتحديدا آنذاك، كانت تشكّل قلب ومركز العالم. وانطلاقا منها، أي اوروبا، بدأت التسميات. فأتى الشرق الاوسط، الادنى وبالتالي الشرق الاقصى. وهم ايضا الآن، أي العرب، يشعرون انهم ثانية يشكّلون موضوع النقاش، وإطلاق التسميات. فحاليا هم ضمن المنطقة المزمع العمل فيها، ألا وهي «الشرق الاوسط الكبير». فماذا عن «الشرق الاوسط الكبير»؟

لا يمكن النظر والتحليل في المشروع الاميركي الجديد ، إلا من خلال البحث والتمعّن، ومعرفة الاستراتيجيّة الاميركيّة الكبرى (Grand Strategy) في النظام العالمي الجديد. ويقول في هذا الإطار الباحث الاستراتيجي بول كينيدي، ان الاستراتيجيات الكبرى يجب ان ترتكز على استراتيجيّة للسلم، وعلى استراتيجيّة للحرب. أي وبمعنى آخر، تقوم استراتيجيّة الحرب التي تتبعها الدول الكبرى خلال الصراعات الدمويّة، على ما كانت أعدّته هذه الدول الكبرى - العظمى، من استراتيجيات إبّان وقت السلم (أي الاستراتيجيّة الكبرى أيام السلم). فالسلم عادة، أو غياب الحرب كما يفضّل تسميتها الزعيم الشيوعي فلاديمير لينين، يكون لفترات أطول بكثير من فترات الحرب. لكن وإذا ما وقعت الحرب، فإنه يجب على الدول العظمى ان تستعمل ما كانت أعدّته ايام السلم. خاضت اميركا الحرب الباردة. خرجت منها تقريبا منتصرة. مُنيت بكارثة 11 سبتمبر، فقط لانها ارادت استعمال استراتيجيّة مرّ عليها الزمن بعد سقوط الدب الروسي. أي بمعنى آخر، لم تنفع الاستراتيجيّة الكبرى الاميركيّة التي أعدّتها ايام السلم للقتال في اوروبا وضد السوفيات، لقتال العدو الجديد عندما تطلّب الامر ذلك. وذلك لأن الوضع تغيّر، وتغيّر العدو، وتبدّلت موازين القوى، وأصبح الارهاب تحت الغطاء الديني يشكّل العدو الاول والوحيد وبامتياز، وذلك حسب ما عبّر عنه المفكّر والخبير في شئون الارهاب ولتر لاكور في كتابه الجديد «لا نهاية للحرب».

بعد 11 سبتمبر وبدء الحرب الاميركية على الارهاب، يمكننا القول ان اميركا تريد رسم صورة جديدة للعالم حسب ما تناسبها. وظهر هذا جليّا في استراتيجية الأمن القومي الاميركية (NSS). وانطلاقا من الاستراتيجيّة الاميركية الكبرى والتي ظهرت في استراتيجية الأمن القومي، يمكننا القول ان اميركا هي بصدد بناء استراتيجيّة كبرى إبان السلم النسبي (كما ذكرنا آنفا) حاليّا تعمد من خلالها تثبيت هيمنتها على العالم، وخصوصا أن كل الظروف الدوليّة وفي الأبعاد كافة، تناسبها بشكل لم يسبق له مثيل. على ان تشكّل هذه الاستراتيجية إبان السلم العمود الفقري لايّة حرب مستقبليّة قد تقع. من هنا نلاحظ التغييرات الجذريّة الاميركية على صعيد القوات المسلحة، من تسليح، تنظيم وطريقة قتال جديدة، وثورة في الشئون العسكريّة التي تخوضها اميركا في ظلّ عجز الدول الكبرى الاخرى عن مجاراتها في هذا المجال. انطلاقا من هذه الصورة الكبرى، وهذه المقاربة، يجب علينا ان نفهم، او ان نضع ونعي المشروع الاميركي للشرق الاوسط الكبير. فهو جزء من كلّ. لكن اهميّته، او قلقنا منه، ينبع من انه يتناولنا مباشرة كما ذكرنا سابقا.

على ماذا تقوم الاستراتيجية الاميركية الكبرى؟

تقوم الاستراتيجية الاميركية الكبرى على الامور الآتية:

- منع وقوع أي حادث مماثل لـ 11 سبتمبر على الارض الاميركية.

- لذلك وجب ضرب الارهاب اينما كان، ومنعه من حيازة اسلحة الدمار الشامل.

- منع قيام أي منافس لها على صعيد الدول الكبرى، او قيام أية تكتّلات قد تهدّد هيمنتها في المستقبل.

- واخيرا وليس آخرا، نشر القيم التي تقوم عليها الديمقراطيّة الاميركية حتى ولو بحدّ السيف.

باختصار تريد اميركا تأمين السلام العالمي من خلال الامبراطوريّة المهيمنة (Peace through hegemony).

وتنفيذا لذلك، وبهدف تحقيق أهدافها، بدأت أميركا، أو هي قيد إجراء تعديلات جذريّة على اوضاعها السابقة وفي كل الابعاد: العسكريّة، الاقتصاديّة والسياسيّة.

وفي دراسة، أو تقرير رفعتها «البنتاغون» إلى الكونغرس تحدّد فيه كيفيّة مقاربتها لتنفيذ الاستراتيجيّة الاميركية الكبرى على المسارح العالميّة لتحقيق الاهداف الاميركيّة، أُقترح الآتي:

- العمل على ترتيب الاوضاع الاقليمية في كل مسرح مهم. على كلّ، كانت اميركا قد قسمت العالم إلى مناطق عسكريّة مهمة على رأسها جنرال برتبة اربع نجوم.

- في كل منطقة اقترحت «البنتاغون» في تقريرها أن تسيطر اميركا على المسرح من خلال اتباع مفهوم توازن القوى بين الدول الموجودة في هذا المسرح.

- ان يكون لاميركا وجود عسكري عصري يمكنه حسم اي معركة او ازمة قد تنشأ، وذلك من دون انتظار قدوم قوات جديدة من مسارح اخرى.

- من هنا نلاحظ قرارات من رامسفيلد لاعادة تحديث القوات الاميركية، وإعادة انتشارها على قواعد جديدة تعالج المخاطر المستجدّة.

- وتبدو المؤشرات التي تثبت هذا السلوك جليّة على المسرح الآسيوي مع كل من كوريا الجنوبية، اليابان واستراليا التي تشكّل المثلث الاستراتيجي الاهم للولايات المتحدة، وخصوصا بعد 11 سبتمبر، وبدء صعود الصين، بالاضافة إلى معضلة كوريا الشماليّة. يُضاف إلى هذا طلب مُهمّ تقدمت به الهند تطلب فيه من الولايات المتحدة ان تضعها كدولة ضمن مسئوليّة القيادة الوسطى، بدل ان تكون في نطاق ومسئوليّة قيادة الباسفيك (Pacific Command). وإذا ما تحقّق هذا الامر، فإن الهند ستصبح لاعبا اساسيا على الساحة الاسلامية عموما، والعربيّة خصوصا. وقد يُفسّر هذا الطلب ما وصلت إليه العلاقة الهنديّة الاسرائيليّة، في مجال التبادل والتعاون العسكريّين.

إذا وانطلاقا من هذه الاستراتيجيّة الكبرى (لايّام السلم النسبي)، يدخل موضوع «الشرق الاوسط الكبير» من الباب الواسع. وهو، أي «الشرق الاوسط الكبير»، يُعتبر المسرح الاساسي الاقليمي إذ يتركّز الجهد الرئيسي للولايات المتحدة في هذا الوقت، وخصوصا بعد 11 سبتمبر. لذلك يجب على الدارسين، المفكّرين وخصوصا السياسييّن الانطلاق من هذه الارضيّة لفهم طرح المشروع الاميركي للمنطقة. لكنّه يبدو ان طرح الموضوع للشرق الاوسط الكبير، ينقسم في روحيّته إلى استراتيجيّتين فرعيّتين هما:

- استراتيجيّة كبرى مُلحّة على الولايات المتحدة (Imminent) تتعلّق مباشرة بما حدث في 11 سبتمبر، وفي طريقة الردّ على هذا الاعتداء، وفي الحرب على الارهاب العالمي، وفي تحوّل ساحة «الشرق الاوسط» إلى ساحة بديلة للاتحاد السوفياتي، وفي تحوّلها الى النقطة الرئيسية للاصطدام، بين قوى الخير وقوى الشر بحسب تعبير الرئيس بوش. في هذا الاستراتيجيّة تعمد اميركا إلى ترتيب وضع الشرق الاوسط القديم - الجديد، بشكل تكون هي المقرّر الاساسي وفي عدّة أبعاد.

- استراتيجيّة قريبة ـ بعيدة المدى (عقدين من الزمن)، تهدف وخلال العمل على «الشرق الاوسط الكبير» تحقيق اهداف استراتيجيّة بعيدة المدى، مهمة وحيويّة لاستمرار هيمنة الولايات المتحدة على العالم ككلّ. وهذا فعلا ما ورد في استراتيجيّة الأمن القومي الاميركية(NSS) . وإذا ما راجعنا كيفيّة خوض الحرب الاميركيّة على الارهاب. وراجعنا كيفيّة انتشار القوات الاميركية بعد 11 سبتمبر. وراجعنا كيفيّة إنشاء، أو إلغاء بعض القواعد العسكريّة الاميركيّة، فإنه يمكننا استنتاج الآتي:

- انتشار القوات الاميركيّة والقواعد العسكريّة على حدود القوتين العظميين، أي روسيا والصين.

- تحاول اميركا من خلال هذا الانتشار العمل على السيطرة على الممرات وطرق المواصلات البحريّة. هذا عدا السيطرة على الجو والفضاء.

- يُضاف إلى هذا الانتشار، عمليّة توسيع الحلف الأطلسي (الناتو) ليدخل اكثر في العمق الروسي بشكل، يطوّق اكثر روسيا. وفي الوقت نفسه، يحتوي القوتين الاوروبيتين المشاكستين، فرنسا والمانيا.

- وفي الوقت نفسه، يجب ألا نهمل بُعد الطاقة والمتمثّلة بالنفط والغاز. وفي هذا الإطار، يبدو ان روسيا هي في طور ان تصبح الدولة الاولى في انتاج النفط. كذلك الامر، يبدو ان الصين وإذا ما ارادت الاستمرار بالنمو، فهي بحاجة إلى مزيد من الطاقة، وهي العملة النادرة لديها. فعلى سبيل المثال: تحتلّ الصين المركز الثاني العالمي في كميّة استهلاك الطاقة (5,5 ملايين برميل يوميا في العام 2003. ولكي تكفي حاجاتها استوردت الصين نحو 733 مليون برميل في العام 2003. وحسب وزارة الطاقة الاميركيّة، سيرتفع استهلاك الصين في العام 2025 إلى 10,9 ملايين برميل في اليوم، ومن هذه الكمية ستستورد الصين حوالي 7,5 ملايين برميل في اليوم. فمن أين ستأتي هذه الكميات الضخمة في المستقبل؟ لذلك تبدو المعركة الحالية والصامتة بين الجبارين وكأنها تحاول رسم صورة المستقبل. وعلى سبيل المثال ايضا، تحاول الصين حاليا تأمين مصادر الطاقة عبر الضخّ البري، بواسطة انابيب النفط، وذلك عبر اتفاقات متفرقة مع دول آسيا الوسطى وخصوصا كازاخستان. فهي، أي الصين لا تستطيع السيطرة على الممرات البحريّة في ظل عدم توافر بحريّة حديثة. وهي لا تستطيع تحديث قواتها لان الامر مكلف جدّا. وردا على هذا الامر، تعمد الولايات المتحدة إلى رشوة كازاخستان عبر مساعدات عسكرية وغيرها، لعدم إعطاء الصين هذا الاتفاق.

- إذا انتشار عسكري ضمن «الشرق الاوسط الكبير» سيؤمّن الاستقرار (الستاتيكو) المفيد للامبراطوريّة المهيمنة. وفي الوقت نفسه، سيؤمّن هذا الامر على المدى البعيد السيطرة على نفط الخليج، وعلى نفط بحر قزوين. وأيضا، احتواء كل من روسيا والصين. وأيضا التحكّم في إنتاج النفط، وتسعيره في وقت لاحق وعندما تصبح روسيا متقدمّة على صعيد الانتاج.

«غدا الحلقة الثانية من مشروع

«الشرق الأوسط الكبير»

العدد 551 - الثلثاء 09 مارس 2004م الموافق 17 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً