العدد 565 - الثلثاء 23 مارس 2004م الموافق 01 صفر 1425هـ

فصل الملفات خدمة للوطن

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

عدد من المشكلات التي تعقّد الحوار الوطني ترتبط بعدم الفصل بين الملفات. فهناك بعض الأطراف تخلط الملف السياسي بالملف الاقتصادي، وتخلط معارضتها للحكومة بمعارضة أخطر موجهة للدولة (في الدول الديمقراطية يمكن المطالبة بتغيير الحكومة ولكن ليس باسقاط الدولة). الفصل بين الملفات ليس أمرا سهلا ولكنه مطلوب لكي لا يتعكر كل شيء.

فصل الملفات تراه في الحالات الناجحة من التجارب العالمية، فالدول الأوروبية كانت مختلفة فيما بينها إلى درجة دخولها حربين عالميتين في القرن الماضي. ولكن بعد الحرب العالمية الثانية شرعت بعض الدول في توحيد صفوفها حول ملفات محددة. لكي لا تتعطل الحياة. وهكذا بدأت دول أوروبية في خمسينات القرن الماضي بالاتفاق على ملف «الحديد» لأهمية هذا المعدن للتصنيع، وتم الاتفاق على «الفحم» لأنه كان المصدر الرئيسي لكثير من عمليات التصنيع. والاتفاق تضمن إبعاد الخلاف وتوحيد السياسات بشأن هذين الموضوعين. ثم تطورت الأمور تدريجيا حتى نتج عن ذلك «الاتحاد الأوروبي» الذي أصبح انجح انموذج للتحالف الاقتصادي-الاجتماعي.

أميركا وبريطانيا كانتا عدوتين لبعضهما بعضا حتى مطلع القرن العشرين لأن أميركا كانت تحت الاستعمار البريطاني حتى نهاية القرن الثامن عشر. بل إن بريطانيا كانت تستكبر على الأميركان في القرن التاسع عشر وهذا ما حدا بالاميركان إلى مخالفة البريطانيين في كثير من الأشياء آنذاك حتى في العادات والسلوك. إلا أنه ومع كل العداء لم يتدخل أحدهما في الملف الاقتصادي بين البلدين واستمرت العلاقات الاقتصادية وكأنهما على أحسن ما يرام. وبفضل هذا الفصل بين الملفات استطاعت الدولتان التحالف بقوة في عهد ونستون تشرشل اثناء الحرب العالمية الثانية، وهو الحلف المستمر حتى اليوم.

أيضا عندما تذهب الى مختلف البلدان ترى فصلا في الملفات. ففي فرنسا تفصل جميع الاتجاهات موضوع «الطاقة النووية» لأنه شريان حياة بالنسبة الى الفرنسيين، ولذلك لا تجد نشاطا للحركات المعارضة ضد تشغيل الطاقة النووية لتوليد الكهرباء في فرنسا على رغم أن هذه الحركات استطاعت توقيف توسع نشاطات هذه الطاقة في أميركا وبريطانيا مثلا. ولكن بريطانيا لديها خيارات أخرى مثل الغاز، لذلك من الممكن التهاون في الأمر قليلا.

وهذا يدعونا إلى التفكير في أمر آخر. فبالاضافة الى ضرورة فصل الملف السياسي عن الملف الاقتصادي ينبغي أن نفصل ايضا بين الدولة والحكومة. الحكومة (= السلطة) احدى تفريعات الدولة ولكنها ليست الدولة، وبإمكان قوى المجتمع أن تختلف مع الحكومة بشأن هذا الأمر أو ذاك ولكن من دون الاخلال بالدولة. والاخلال بالدولة قد يكون اقتصاديا، فالقوى السياسية الفرنسية لو اختلفت على أهم مصدر لطاقتها الكهربائية فإنها ستزلزل احدى دعائم الدولة الاقتصادية، ولذلك فإنهم يتوافقون فيما بينهم على هذه الأمور الحساسة والمهمة، حتى لو تطلب الأمر بعض التضحيات.

ما هو مطلوب منا هو أن نتفق على قضايا أساسية تحمي وجودنا ومصالحنا العليا المرتبطة بحياة الناس. فمهما يكن اختلافنا السياسي فإنه ليس من مصلحة أحد لو تعطل اقتصاد البلد، ومهما يكن حماسنا لموضوع ما فإن ذلك لا يعني أن الحماس لا يمكن تأجيله إذا كانت هناك أضرار كبيرة ستنتج عن عدم تأخيره. ثم إن القضايا التي تتخذ صفة الدوام، بمعنى أنها ستبقى فترة من الزمن، يمكننا أن نتعايش معها من خلال جدول زمني أقل ازدحاما وخصوصا اذا كانت هناك عوامل متداخلة، بعضها يرتبط بالوضع المحلي وبعضها يرتبط بما يدور إقليميا وعالميا.

الاتجاه نحو حسم الأمور عبر «تكسير الرؤوس» قد يؤدي الى النتيجة العكسية، وتتضرر عملية الإصلاح ومن ثم نعود مرة أخرى الى مسلسل لا ينتهي من الآلام التي تصيب المستضعفين أكثر من غيرهم وقد تصيبهم وحدهم دون غيرهم. إننا مطالبون بمزيد من التفكير قبل الندم لاحقا، فتوتير الاجواء سهل جدا ولكن تنمية البلاد وحماية مصالح الناس اصعب بكثير

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 565 - الثلثاء 23 مارس 2004م الموافق 01 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً