العدد 565 - الثلثاء 23 مارس 2004م الموافق 01 صفر 1425هـ

جريمة منظمة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

فور خروجه من مكتب نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني (من صقور الإدارة) رد وزير الخارجية الإسرائيلي على سؤال يتعلق بالتوقيت (توقيت اغتيال الشيخ المقعد أحمد ياسين) بالقول: إن الاغتيال كان يجب أن يحصل منذ فترة. ونفى في رد على سؤال آخر علم الإدارة الأميركية بالعملية. وهو أمر كررته أكثر من جهة أميركية.

النفي الأميركي غير صحيح، كذلك تهرب وزير الخارجية من الرد على سؤال مناسبة الاغتيال (التوقيت). والمسألة يمكن الاستدلال عليها من إدارة بوش التي وضعت «حماس» على السوية نفسها مع «القاعدة» ومن دون تمييز بين حركة تدافع عن شعبها وبين وظائف «القاعدة» التي لا يعرف أولها من آخرها. وحين لا تميز إدارة بين حركتين وتعتبر الأولى إرهابية كالثانية تكون أعطت الضوء الأخضر لـ «إسرائيل» لتمارس الأسلوب الذي تتبعه واشنطن في ملاحقة «القاعدة» والقضاء على قياداتها. وفي هذا المعنى تتحمل الولايات المتحدة المسئولية المعنوية - السياسية لكل ما يحصل من أفعال عدوانية إسرائيلية ضد الجماعات الفلسطينية التي تواجه الاحتلال وكل ما يترتب عنه من سلبيات.

وتحت هذا السقف السياسي يمكن قراءة الصلة بين حملات الولايات المتحدة وحروب «إسرائيل» فهي تتصل في أكثر من جانب وتتعاون على مختلف الأصعدة ومنها تلك المتعلقة بالمعلومات والاستخبارات وتنسيق المواقف وتبادل الخبرات وتوقيت الضربات. فالضربة التي سددتها «إسرائيل» ضد قائد «حماس» الروحي من العيار الثقيل وهي لا يمكن أن تتم من دون تشاور مع الحليف الرئيسي (وربما الوحيد) في العالم. فواشنطن تعتبر أن تل أبيب تقوم بجزء من عملها وتنفذ سياسة تصب في النهاية في صالح الاستراتيجية الأميركية في المنطقة. فشارون خادم عند بوش والأخير يخاف من الأول لأنه يحتاجه في الكثير من المهمات الخاصة مثل اغتيال زعيم «حماس» الروحي.

مثل هذه الضربات لا تتم مصادفة ومن دون تخطيط مسبق لها، كذلك لا يمكن أن يعبث الصديق الإقليمي (إسرائيل) باستراتيجية كبيرة إذا لم يرَ «الأخ الأكبر» أن مثل هذه الضربات الصغيرة المدروسة يمكن توظيفها في سياق هجوم كبير تحاول إدارة بوش استثماره انتخابيا في معركة رئاسة يتوقع أن تكون قاسية. فاغتيال الشيخ ياسين يصب في مصلحة الاستراتيجية الأميركية العسكرية في المنطقة وكذلك يخدم بوش في معركته الداخلية لأن لسان حال إدارته يرى أن مثل هذه الأعمال تبرر أمام الرأي العام الأميركي هذا الإنفاق الهائل من الدولارات على حرب وهمية تخاض ضد مجهولين وأشباح. وبما أن ياسين ليس شيخا مجهولا ويعتبر من الرموز المعروفة في الصحافة والإعلام فإن اغتياله يعطي بوش دفعة جديدة للمناورة ضد خصمه من الحزب الديمقراطي. فبوش يراهن على قلة معلومات الناخب الأميركي ويدغدغ عواطفه وهواجسه باستخدام كل الأساليب غير الأخلاقية وغير المشروعة والمخالفة للقانون الدولي لتبرير سياسة أجمعت معظم دول «العالم المتحضر» حتى بريطانيا على أنها سيئة وتثير المشكلات وتشجع على العنف والاضطرابات.

عملية اغتيال الشيخ لا يمكن أن تحصل من دون تنسيق مع الأجهزة الأمنية الأميركية وكذلك من دون استئذان لرموز الإدارة السماح بها. وهذا ما يفسر وجود وزير خارجية «إسرائيل» في مكتب تشيني في صباح يوم ترتيب الضربة. فواشنطن هي المستفيد الأول انتخابيا من الاغتيال، بينما شارون هو المستفيد الثاني سياسيا. ولهذا تهرب سيلفان شالوم من الإجابة ورد على سؤال التوقيت بسؤال: «ولماذا ليس الآن ولماذا ليس قبل الآن؟». «قبل الآن» كانت واشنطن مترددة وربما كانت تعتبر ياسين من الأهداف المكشوفة وليس صعبا ضربه وبالتالي يمكن تأجيل توقيتها عند الضرورة وحين يحتاجها بوش في معركته الانتخابية. و«لماذا الآن» تمت الضربة لأن التوقيت يناسب إدارة بوش بعد فشلها الأمني في محاربة «الإرهاب» فاحتاجت إلى هذا النوع من العمليات لرفع معنويات الإدارة.

المسألة إذا ليست بوليسية وإنما هي أصلا لها علاقة بالسياسة. وسياسة واشنطن ليست مختلفة كثيرا في الخطوط العامة المتصلة بالمنطقة العربية وما تطلق عليه «الشرق الأوسط الكبير». فما يخدم «إسرائيل» يصب في مصلحة أميركا والعكس صحيح. ولهذا رفضت إدارة بوش إدانة الجريمة بوضوح ومباشرة بل حاولت تبريرها خلافا لكل دول العالم وتحديدا دول «الاتحاد الأوروبي».

وحين تكون الأهداف العامة مشتركة فإن الأساليب تتوحد ميدانيا. فأميركا لا تريد للعالم العربي الاستقرار كذلك «إسرائيل»... ومثل هذه العمليات تساعد على رفع درجة الانفعالات ودفع التوتر نحو الانفجار. وهذا ما حسبت «إسرائيل» حسابه قبل الاغتيال وهذا ما يفسر وجود وزير خارجيتها في مكتب تشيني في يوم ارتكاب الجريمة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 565 - الثلثاء 23 مارس 2004م الموافق 01 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً