العدد 566 - الأربعاء 24 مارس 2004م الموافق 02 صفر 1425هـ

سجال الفكر والواقع في العمل السياسي

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

الفكر مهما يكن مصدره إلهيا أو إنسانيا فإنه يتحرك مع الواقع. والفكر الناجح هو الذي ينتج علاقة ديناميكية بينه وبين الواقع. والقرآن الكريم نزل بحسب الوقائع وتحرك مع الحياة ولذلك فإنه لا يمكن فهم القرآن إلا بفهم أسباب نزول الآيات وظروفها ومدلولاتها.

المجتمعات الحيوية هي التي تتطارح الأفكار استنادا الى مرجعية تحدد الهوية العامة، واستعانة بالواقع الذي يتحرك دائما. ولذلك فإن الهدف هو انسجام الفكرة مع حركة الواقع بدلا من محاولة فرض الأفكار على أرضية لاتقبلها، أو التحول من «الواقعية» الى «اللاواقعية» ارضاء للطرح الفكري.

المجتمعات الحيوية توصلت الى نتيجة تقول إن التعددية في الآراء أفضل من الاحادية. فالاحادية للخالق أما المخلوقين فلا يمكن لأحد منهم أن «يتقمص» أحادية الله ويطرح رأيه كما لوكان رأي الله في كل صغيرة وكبيرة. وعلى هذا الأساس كانت «الشورى» سنة حسنة اتبعها بعض المسلمين أثناء الحكم وانحرف عنها آخرون. لأن الانسان مهما عظم شأنه فلن يصل الى مقام الرسول (ص)، والرسول استعان بالشورى أثناء ادارته لشئون المسلمين. الاختلاف في تفسير الشورى لاحقا كان بين من اعتبرها إلزامية ومن اعتبرها استحبابية، وبين من قال إن لها آلية محددة (أهل الحل والعقد) وبين من قال انها مفتوحة ومن الممكن أن تتخذ وسائل أخرى بما في ذلك النهج الحديث في الأسلوب البرلماني الذي يعتبر واحدا من صور الشورى.

يرتبط بالتشاور وجود آراء متعددة، وإلا فلا حاجة إلى التشاور من الأساس. تنوعت أساليب التعامل مع الآراء المتعددة، بين من رفضها ولجأ الى رأي القائد الواحد (أو رأي الحزب الواحد)، وبين من نظم عملية التعددية. وبما انه لا يمكن أن يطرح على أمة (او جماعة) مئة رأي مختلف ومتناقض بشأن كل موضوع، لذلك فإن المجتمعات تطورت ليظهر في كل مجتمع اتجاهان رئيسيان أو ثلاثة اتجاهات رئيسية تختصر مئات الآراء داخلها، ثم تعرض على الأمة لاختيار واحد من اثنين، أو واحد من ثلاثة. وهذه هي فكرة وجود حزبين رئيسيين في بريطانيا (العمال والمحافظون) وفي أميركا (الديمقراطيون والجمهوريون)... الخ.

ينطبق هذا الأمر على البلد عموما وينطبق على ما هو أقل من البلد. ففي البحرين لدينا خيارات متعددة في بعض الأحيان، وتنعدم الخيارات في أحيان أخرى.

المشكلة تتعقد عندما يطرح البعض فكرة الرأي الواحد داخل هذه الفئة أو تلك معتبرا ان ذلك يمثل قوة لها. وهذا صحيح اذا كانت الفئة صغيرة وإذا كانت الآراء غير مختلفة كثيرا. أما اذا كانت الفئة كبيرة والآراء متنوعة، بل وانها نقيض في بعض الأحيان، فإن من حق هذه الفئة الكبيرة أن يعرض عليها رأيان، وأن يسمح لصاحبي الرأيين ان يتداولا ما يفكران به (لأن الفكر والواقع يجب أن ينسجما ولا يتناقضا). ويجب أن يترك الخيار للناس ولجماهير تلك الفئة أن تختار هذا الرأي أو ذاك. هذا الأسلوب يحمي الفئة من مصائب كبرى فيما لو كان أحد الآراء خطأ.

الخطر الأكبر هو محاولة البعض منع اي طرف آخر من طرح البديل وبالتالي التحول الى الشمولية والدكتاتورية التي قضت على دول كبرى مثل الاتحاد السوفياتي، فكيف بكيانات أقل قوة من ذلك بكثير. «ان الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» (الرعد:11) ،وحري ان نبدأ بقبول الرأي الآخر وإلا فإن التاريخ لن يستثنينا من سننه

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 566 - الأربعاء 24 مارس 2004م الموافق 02 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً