العدد 568 - الجمعة 26 مارس 2004م الموافق 04 صفر 1425هـ

المواطنة هي خدمة الناس

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

الحديث الذي يدور في البحرين يحمل في طياته قضايا تكمن في صلب مفهوم المواطنة ومن هو المواطن وماهو دوره. هذا المفهوم مازال يبدو متعثرا في مجتمعاتنا التي تتوزعها ولاءات مختلفة، بعضها قبلية وأخرى طائفية أو أثنية. ولعل المشكلة بدأت جذورها مع المشروع القومي العربي الذي استعار كل المفردات التي أخذها من الثقافة الأوروبية وحاول فرضها «من الأعلى» على مجتمعات المنطقة العربية والإسلامية.

النخبة القومية أمسكت بالمفاهيم السياسية الأوروبية بقوالبها وغدت تتحدث عن وحدة الأمة العربية، وعن المساواة وعن الحرية وعن الاشتراكية وعن المواطنة. واعتبرت أن «الدولة» هي التي ستقوم بقيادة المجتمع إلى هذه المفاهيم. ولذلك اختزلت النخبة العربية المجتمع في الدولة، وثم اختزلت الدولة في الحزب (او المجموعة التي تتخذ صفة مواصفات الحزب)، وثم اختزلت الحزب في الفرد. وفي خضم هذه الاختزالات اختفى مفهوم المواطن الذي يعتبر الركيزة الأساسية لأي مجتمع تطور من وضع إلى آخر.

المواطن في بلداننا أصبح «كتلة لحمية» مفرغة من المحتوى ليس لها رأي وليس لها دور سوى الانصياع لمطالب الدولة التي تتمثل في شخص واحد استفرد بالحكم واستبد برأيه. وهكذا وصلنا إلى حال يرثى لها مع مطلع القرن الحادي والعشرين عندما تحولت حتى «الرئاسة» في النظم التقدمية إلى ممالك مطلقة وخاصة. وعليه فإن الكتلة اللحمية المهملة اصبحت قابلة للبيع والشراء وليس لها وجود معنوي ولم يبقَ لها سوى «جواز سفر» تتم مصادرته متى ما شاء الحاكم ذلك، لأنه مجرد وثيقة من دون محتوى إنساني.

«الوطن» في التراث الإسلامي كان المدينة التي يعيش فيها المرء، وحتى أحكام الشرع بشأن «صلاة القصر» كانت تتحدث عن وطن له حدود بمسافة 44 كيلومترا بين ابعاده. وفي عصرنا الحاضر أصبح الوطن تلك الحدود الجغرافية التي تسيطر عليه سلطة ذات سيادة مستمدة من إرادة الناس الذين يعيشون داخل تلك الجغرافيا.

غير أن المواطَنة في صورتها الحقيقية والتي تتناسب مع تراثنا الإسلامي ليست المواطنة التي تحدث عنها المشروع العربي القومي الذي صادرها وحوّلها إلى جواز سفر يصدره أو يصادره الحاكم. فالمواطنة هي بذل الجهد من أجل خير الناس القريبين أولا، والآخرين ثانيا. وهذا هو ما نفهمه مما ورد في تراثنا الإسلامي «الخلق عيال الله وأحبهم لله أنفعهم لعياله»...

المواطنة هي أن تكون «نافعا» لمن يعرفك ويعيش بالقرب منك. وهو في عصرنا الحاضر كل إنسان يعيش معك أو تتعامل معه في محيطك المباشر وغير المباشر. وعلى هذا الأساس فإن «حب الوطن» هو «حب الناس» وخدمتهم، وهذا هو جوهر الإيمان. وخدمة الخلق (الناس) تعني فيما تعني تحطيم الصنمية التي استوردها لنا المشروع القومي بعد الحرب العالمية الأولى وغرسها بأسلوب غريب عن الأمة وعن جذورها. إن فشل الطرح القومي في خلق «مواطنة» حقيقية تبعه فشل من اتجاهات تكفيرية عجزت عن تقديم الانموذج المناسب، وكل هذا تسبب في انتشار الدكتاتورية التي ألغت جميع المعاني الإنسانية وخلقت لنا «صدام حسين» في أكثر من بلد واحد وفي أكثر من حزب وجمعية ونادٍ ومنتدى صغير او كبير. ولذلك فان الانموذج المطروح في العادة يتكون من شخص وأتباع يفعلون ما يؤمرون بقوة السيف او باستخدام لغة دينية او قبلية او قومية تتحدث عن وجوب الانصياع حتى لو كان ذلك يعني الدمار للجميع.

المواطنة في عالم اليوم تعني خدمة الآخرين (المجتمع) بصورة مؤسسية، وخدمة الآخرين تعني المشاركة في القرار لرعاية مصالح المجتمع، والمشاركة تتطلب مواطنا يحمل محتوى يستطيع أن يقدم الخير وينبع عن حب للوطن ومن يعيش عليه... المواطنة ليست جواز سفر وليست عملية اصطناعية وليس شخص له اتباع

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 568 - الجمعة 26 مارس 2004م الموافق 04 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً