العدد 676 - الإثنين 12 يوليو 2004م الموافق 24 جمادى الأولى 1425هـ

الأكراد والموساد والعلاقة مع العرب

وجهة نظر كردية قبالة ترويجات سيمور هرش

فاروق حجي مصطفى comments [at] alwasatnews.com

كاتب سوري

ظهرت على السطح من جديد مسألة علاقة الأكراد مع الموساد الإسرائيلي في الوقت الذي يشدّ كل العراقيين أحزمتهم للمشاركة في بناء عراق جديد، عراق خالٍ من التمييز القومي وخالٍ من التهميش الذي طالما عانت منه كل التكوينات العراقية.

في هذه المرة كانت الأخبار تبث عن العلاقة الكردية مع الموساد من الإعلام الغربي. في البداية العرب بريئون من هذا لكنهم دخلوا لترويج المسألة من أبوابها الواسعة من دون الخوض في التفاصيل ومدلولات الخبر، ولماذا نُسج الخبر في هذا الوقت بالذات؟

الخبر كان من مجلة أميركية اشتهرت في الأشهر الأخيرة بعدما نشرت فضائح سجن أبوغريب واشتهرت من خلال تحقيقات «سيمور هرش» الذي يعاني اليوم من ضربات هشاشة الدلائل التي ارتكز عليها في كتابة تقريره عن وجود مكثّف للموساد في كردستان العراق، ما أثار حفيظة كلّ الأطراف، وأثار الغضب في الأوساط الكردية التي هي بريئة أكثر من أيّ وقت مضى من هذه التهمة.

مختصر الخبر يقول «انّ هناك عملاء لـ «إسرائيل» يقومون بتدريب وحدات كومندوس في المناطق الكردية» بعد أن يخوض في تفاصيل (علاقة) الأكراد مع الإسرائيليين، ويبرر الوضع بأنّه يمنح لـ «إسرائيل» عيونا وآذانا داخل العراق وإيران وسورية، من دون أن يكلّف نفسه عناء البحث عن صدقية هذا الخبر، إذ تحدث سيمور هرش في تقريره بأنّ «عملاء إسرائيليين عبروا الحدود إلى داخل إيران بصحبة قوات كردية خاصة لتركيب أجهزة استقبال وأجهزة حسّاسة أخرى للتجسس على المنشآت الإيرانية النووية». وينذر هرش بأنّ هناك سيناريو بين الإسرائيليين والأكراد بشأن تقسيم العراق، الأمر الذي ترفضه تركيا.

في البداية إنّ التقرير يفتقر إلى قوة الإقناع، لأنّه يتحدث مثلا عن الأسباب التي دفعت بالموساد للوجود في كردستان العراق على أنّه لمراقبة إيران وسورية، وهذا بحدّ ذاته يضع المراقب في الشكوك، وذلك لأنّ تل أبيب أقرب إلى دمشق من كردستان العراق. ثمّ أنّ وجود المخابرات الإسرائيلية في دولٍ محيطة بإيران (دول الإتحاد السوفياتي سابقا وتركيا) مكثّف وبلغ إلى حدّ لا يتصوره أحد، وهذا ما يقودنا إلى السؤال: لماذا لم يستخدم الموساد تل أبيب (توجد فيها كلّ الأجهزة المتطورة)؟ وهذه الدول التي فتحت بحكم ظروفها أبوابها على مصراعيها لاستقبال الموساد مع أجهزته. والسؤال الثاني الذي يطرح نفسه بقوة الآن هو: لماذا يتم الحديث عن وجود الموساد في كردستان العراق أو العراق في وقتٍ يكون فيه العراق في محطة تحول؟ نحن نعرف أنّه تمّ الترويج لهذه القصة قبل أشهر عندما كان العراق يرتّب مؤسساته وبيته الداخلي (تأسيس قوات الدفاع المدني ومجلس الحكم وتوقيع برنامج نقل السلطة للعراقيين مع بريمر) وعندها نعرف حجم الفتاوى التي صدرت عن المرجعيات العراقية لمنع العراقيين من بيع أملاكهم للإسرائيليين، واليوم أيضا نلاحظ بأنّه يتم الترويج لمثل هذه التهمة في الوقت الّذي يستعدّ العراقيون فيه لاستعادة السيادة والسلطة، وهذا دليلٌ كافٍ على أنّ ما يتم الترويج له فبركة لجهاتٍ لها مصلحة في عدم استقرار العراق والتئام جروحه وتوحيد أطرافه وبناء عقده السياسي والاجتماعي الجديد.

ثمّة من يرى بأن الأمر الّذي دفع هرش لكتابة هذه التقارير هو الأخبار التي حصل عليها من بعض المسئولين في تركيا، وهناك بعض الصحف الإسرائيلية تحدثت عن أنّ وزارة الخارجية التركية وحتى وزير الخارجية نفسه وراء تسريب المعلومات للصحافي الأميركي، وبررت تلك الصحف بأنّ تركيا كانت تهدف من وراء تسريب مثل هذه المعلومات التشكيك في القيادات الكردية شمال العراق لتحقيق مزيد من الضغوط السياسية عليها ولتكبيلها فيما يتعلق بمطالبها القومية في الفيدرالية القومية - التاريخية القائمة على أساس الاتحاد الاختياري بين العرب والكرد. هذا ما يدفعنا أيضا إلى أن الأكراد هم أيضا بدأوا يبحثون وقاموا باتصالات مع سيمور هرش نفسه وطلبوا منه الأساس الذي استند عليه في تقريره، والغريب كان جواب هرش بأنه سيجلب للأكراد الدلائل، وحتى هذه اللحظة لم يعط هرش أيّ استفسار أو أيّ جوابٍ للأكراد، والسؤال إذا كان لديه دلائل ووقائع مقنعة لماذا لم يُطلع الأكراد عليها؟

في الحقيقة ليس للأكراد أيّ علاقة مع الإسرائيليين اليوم، عندما يكون للأكراد علاقة معهم لكانوا قد جاهروا بها وهو ما حصل مع الأكراد، فهم تحدثوا علنا بأنه كان لهم علاقات مع «إسرائيل» في العام 1975 عن طريق شاه إيران، إذ تحدّث لمراتٍ عدة وأمام الملأ السياسي الكردي محمود عثمان لأكثر من صحيفة وفضائية عن مثل هذه العلاقة، وكان لهذه العلاقة صفحات عدة في كتاب الصحافي الأميركي جوناثان راندل (أمة في شقاق... دروب كردستان كما سلكتها) الذي نشرت دار الآداب النسخة العربية منه، ونشرت صحيفة الحياة حلقات من الكتاب. في الحقيقة لا أعرف الأسباب التي تدفع الإعلام العربي بتذكير الكرد بتلك العلاقة واتهامهم بأنّ العلاقة مازالت قائمة، فالأكراد صرحوا أكثر من مرة واحتجوا أيضا ونبهوا بأنّ لترويج هذه التهمة عواقب وخيمة على مستقبل العلاقات الكردية - العربية، لأنّ الترويج الإعلامي يؤسس ثقافة تخوينية بين المجتمعين الكردي والعربي.

وكما قلنا إنّ الأكراد لا ينكرون علاقتهم مع «إسرائيل» في أواسط السبعينات من القرن الماضي، وبعضهم تحدّث علنا عن علاقتهم بهم ومازالوا على قيد الحياة كالسياسي محمود عثمان، لكن هذا الشخص نفسه يؤكد اليوم بأنّه ليس للأكراد أيّة علاقة مع «إسرائيل» اليوم. كما ان الأكراد اليوم لا يودون ترتيب أيّة علاقة مع «إسرائيل» وذلك لأجل سير العملية السياسية في العراق وإرجاع العلاقة الصحية المجتمعيّة بين العرب والكرد، وإنّ علاقة الكرد مع العرب تكتسب أهمية بالغة بحكم ظروفٍ عدة، إذ تربطهم عوامل الدين والتاريخ والجوار والنسب، عدا الأهمية الاستراتيجية للعمق العربي بالنسبة إلى الكرد خصوصا أنّ هناك - في هذه الأيام - بعض المثقفين العرب يبدون تفهمهم بشأن قضايا الكرد وهمومهم ومشكلاتهم ومعاناتهم، فبعد أن رأى الأكراد هذه المواقف من لصيقهم العربي وبالتالي هم ليسوا بحاجة إلى بناء أية علاقة مع أيّ طرف آخر غريب، حتى من وجهة نظر سياسية. فالأكراد لا يضعون احتمالات ترتيب أية علاقة مع «إسرائيل»، ولعل زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني جلال الطالباني صرّح بهذا أكثر من مرة. سأل أحد الصحافيين الطالباني بأنه هل ينوي الذهاب إلى «إسرائيل»؟ أذكر أنه أجاب: «نعم... لكن عندما تفتح إسرائيل سفارتها في دمشق. عندها سآخذ التأشيرة من سفارتها في دمشق وسأزور إسرائيل».

إذا كان ثمّة تفكير لدى الكرد ببناء علاقة مع «إسرائيل» فسوف لن تكون قبل أن يتّم التطبيع العربي معها، فهذا ما نستخلصه من كلام الطالباني. بقي القول انه إذا كان بعض الإسرائيليين موجودين في العراق تحت صفة رجال الأعمال وبأسماء مستعارة فهذا ليس ذنب العراقيين بل ذنب الدول التي سمحت وأعطت تأشيرة العبور لهم من أراضيها ولاسيما تركيا، التي تبدي عداوتها لـ «إسرائيل» وتبدي تحسّسها أيضا من وجود الإسرائيليين في كردستان العراق (هذا إن كانوا موجودين أصلا!). ربما ليس للعدالة والتنمية علاقة بهذا الأمر بحكم موقفه الإيجابي من شعوب ودول المنطقة، لكن لا يستطيع المرء تبرئة جهاز الاستخبارات التركي (ميت) من ذلك، التي من وراء الترويج تخريب العلاقة الكردية - العربية التي تشهد اليوم تطورا إيجابيا بحكم موقف بعض المثقفين العرب وبعد أن حصلت تلك التطورات المهمة في العراق، فإذا كان ثمة صراع بين «إسرائيل» وتركيا فمن الأجدى أن تنقلا هذا الصراع إلى أراضيهما التي تتسع لاحتضان كل الحروب.

* كاتب كردي عراقي

إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "

العدد 676 - الإثنين 12 يوليو 2004م الموافق 24 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً