العدد 71 - الجمعة 15 نوفمبر 2002م الموافق 10 رمضان 1423هـ

نقابة الصحافيين: عودة الروح إلى الصحافة البحرينية

الصدق يبقى والتصنّف جهالة

عمران سلمان comments [at] alwasatnews.com

.

ربما كانت هذه فرصة أكثر من عظيمة ان تبدأ نقابة الصحافيين البحرينية مشوار تأسيسها بتحقيق إنجاز باهر تمثل في تجميد العمل بقانون الصحافة الجديد الذي أثار انتقادات واسعة داخل البلاد وبصورة ربما لم يكن يتوقعها من هندسه وصاغ مواده.

وهذا يعطي النقابة الوليدة ليس فحسب صدقية وجدية، لكنه يبين أيضا كيف ان المؤسسات الحقيقية هي التي يمكنها ان تضطلع بالأدوار الكبيرة والمؤثرة في قضايا الوطن والناس، في حين ان المؤسسات (الخديج) والمنقوصة الأهلية والقبول لدى المواطنين، لا يمكنها ان تؤسس لواقع صلب مهما تقادم عليها الزمن وبُذل في تفخيمها وتزيينها من جهد وأموال وبلاغات كلامية. فالحقوق لا تسقط بالتقادم.

من هنا فإن خطوة تأسيس النقابة هو تقدم جوهري في مسيرة العمل الصحافي البحريني لن نعرف قيمته وأهميته، إلا إذا التفتنا إلى الوراء قليلا، إلى تلك السنوات الحالكة في مسيرة الصحافة البحرينية. وبوصفي أحد الشهود على حقبة صحافية امتدت منذ مطلع التسعينات وحتى اليوم، وحضرت جانبا من مداولات تأسيس «جمعية الصحافيين»، لاسيما وان الصحافيين كانوا تقريبا أشبه بموظفي الدولة (لكن من دون امتيازات أو حقوق) ولاسيما أيضا ان مثل هذه الجمعية كانت متاحة لباقي المهنيين من أطباء ومهندسين وغيرهم. وأمام إلحاح الصحافيين وكثرة طرح الموضوع في الاجتماعات التي كانت تعقد مع وزير الإعلام، وجدت الوزارة انه من غير المنطقي أو الطبيعي ان تماطل أكثر في تلبية هذا المطلب، فنطقت أخيرا، لكن نطقها جاء كمن صمت دهرا لينطق كفرا، فتمت الموافقة على إنشاء «جمعية الصحافيين»، لكن كما أرادت لها الوزارة مع تغيير التسمية فحسب، من جمعية إعلاميين إلى «جمعية صحافيين».

والكل يعرف ما جرى بعد ذلك في نادي الخريجين حين اختطفت الجمعية جهارا نهارا، وجرى تسليمها إلى صحيفة محلية بعينها، تولت توزيع المناصب على أعضائها، وعلى بعض الصحافيين ممن استطاعت (أن تسرقهم) من صحفهم. لكن لما كان لا يصح إلا الصحيح فإن هذه الجمعية بولادتها المبتسرة فشلت في التحول إلى كائن سوي قادر على الحياة.

ثانيا، على رغم ملابسات التأسيس المثيرة للجدل، والاعتراضات الجوهرية التي أبداها كثير من الصحافيين على طبيعة الجمعية وطريقة التشكيل التي تمت بها إلا ان وزارة الإعلام كابرت ومضت قدما في إجراءاتها.

اعترض على تأسيس الجمعية عدد كبير من الصحافيين البحرينيين الذين آلمهم ان تنتهي أحلامهم وطموحاتهم في إيجاد نقابة تتحدث باسمهم، بهذا الشكل المبتسر.

ولم يكن الاعتراض وقتها على أشخاص بعينهم أو على قضية بعينها، لكنه كان على أمور جوهرية، من أهمها انه لا يجوز ان تجمع الجمعية في عضويتها أصحاب الصحف والصحافيين في الوقت نفسه، لما لذلك من تعارض واضح في المصالح، فكيف يمكن الدفاع عن مصالح الصحافي في حال كان رئيس الجمعية هو نفسه رئيس مجلس إدارة الصحيفة؟ كما انه من غير المنطقي ان تكون وزارة الإعلام طرفا في الجمعية من خلال موظفيها، وهي التي كانت تملك وسيلة معاقبة الصحافيين والصحف وإدارتها.

واتضح صدق ذلك، في الكيفية التي تمت بها عملية التأسيس إذ كان الاشتراك والعضوية يفرضان بقرار من مجالس إدارات الصحف وأحيانا كثيرة تحت طائلة الترهيب والتهديد بالفصل، كما تمت عمليات مقايضة واصطياد (أكاد أقول انها كانت في الكثير من الأحيان رخيصة) كوفئ على اثرها بعض الصحافيين المتعاونين بتعيينهم في مراكز متقدمة في إدارات بعض الصحف.

وكان من الطبيعي ان ينعكس ذلك كله على نشاط وعمل «جمعية الصحافيين»، التي شهدت شللا بنيويا لم تعرف كيف تعالجه، ولم يتجاوز نشاطها في السنوات التي قضتها افتتاح مقر الجمعية، كما فشلت حتى في استيفاء الرسوم من أعضائها.

ثالثا، كان تأسيس الجمعية بقرار من وزارة الإعلام التي كان يرأسها آنذاك وزير الدولة الحالي لشئون مجلس الوزراء محمد المطوع، وهذا في حد ذاته كان كفيلا بأن يجعل الجمعية تابعة بهذا الشكل أو ذاك للوزارة. وتأكد هذا الأمر بصورة واضحة لاحقا حين جرى توسيع عضوية الجمعية لتشمل بالإضافة إلى الصحافيين الإعلاميين والموظفين في وزارة الإعلام، والفنيين في الصحف وحتى بعض الوظائف مثل التدقيق والمونتاج. فأصبح الصحافيون أقلية في جمعيتهم التي لم تشارك في أية قضية لها علاقة بحرية الصحافة والتعبير، ولم تدافع عن صحافي أو تجلب حقا له أو تمنع ضررا عنه. بل ان فصل الصحافيين ومضايقتهم كان يمر من أمام ناظري إدارة الجمعية التي لم تحرك ساكنا، ان لم نقل انها ساهمت في بعض تلك الممارسات بحكم الوظيفة التي تشغلها. وكانت مثل شاهد الزور أحيانا والأطرش في الزفة أحيانا أخرى.

رابعا، على رغم كل ذلك لم تتراجع وزارة الإعلام ولم تحاول تصحيح الخطأ الذي اقترفته، ولم تشجع «جمعية الصحافيين» التي أنشأتها على تطوير نفسها وتدارك السلبيات التي وقعت فيها منذ البداية، بل واصلت المكابرة والإصرار على فرض هذا المسخ على الجمعية الأمر الذي أدى إلى ان يفقد الكثير من الصحافيين الأمل في إصلاح الجمعية من الداخل، وباتت أنظارهم تتجه إلى حدوث معجزة ما. ولحسن الحظ كان المشروع الإصلاحي للملك بدأ يرى النور، وخطوات الانفتاح وإشاعة الحريات العامة أخذت طريقها إلى التنفيذ، ومعها جاءت صحيفة «الوسط»، وهي أول صحيفة بحرينية تؤسس منذ عقود بعيدا عن سيطرة وزارة الإعلام، ما أحيا الأمل من جديد في تشكيل نقابة حقيقية للصحافيين، تعمل على تجميع الجسم الصحافي حول القضايا التي تهم المهنة وتدافع عن مصالح المنتسبين لها.

بقي ان أقول ان الأمل هو ان يتحرر الجسم الصحافي البحريني من حال الاستقطاب الوظيفي السائدة حاليا، ورفع التعارض بين الانتماء إلى المؤسسة الصحافية، والانتماء إلى النقابة، إذ ان الأمر الأخير يكفله الدستور ويحميه القانون، بغض النظر عن أهواء وتهديدات أصحاب الصحف.

المطلوب هو الانطلاق ضمن حركة واسعة لرد الاعتبار إلى المهنة وتأسيس تقاليد صحيحة لها. فلكي يتمكن الصحافي من الدفاع عن مجتمعه ووطنه بصورة فعالة، فإنه من باب أولى ان يبادر إلى الدفاع عن حقوقه. ومن هنا فإنني أدعو الزملاء الصحافيين في «جمعية الصحافيين» وغالبيتهم ممن يتوسم فيهم الخير وعانوا من الأوضاع الشاذة طوال السنوات الماضية، إلى الانسحاب من الجمعية والانضمام إلى النقابة، فهذه فرصة لتصحيح خلل خطير مس مصالح الجميع بالسوء، وهي فرصة لبناء جمعية حقيقية للصحافيين تمثلهم وتدافع عن حقوقهم

العدد 71 - الجمعة 15 نوفمبر 2002م الموافق 10 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً