العدد 720 - الأربعاء 25 أغسطس 2004م الموافق 09 رجب 1425هـ

المعارضات والحكومات العربية كلها ارتكبت الخطأ نفسه!

دارفور... وشكل التعاطي معها

محمد أبوالقاسم حاج محمد comments [at] alwasatnews.com

.

تتصدر قضية دارفور هذه الأيام قائمة الأولويات في وسائل الإعلام العربية - وقبلها ومازال - في وسائل الإعلام الدولية، إلاّ أن كل طرف تعاطى مع الوضع بطريقة مختلفة تماماً. ويبدو أن الجانب الإنساني من القضية هو نقطة التوافق الوحيدة، فأغلب وسائل الإعلام الدولية تعاطت مع الوضع ونظرت إليه بمنظار مصالح حكوماتها، على رغم إبرازها للجانب الإنساني منه.

لكن لا يجوز التعميم هنا، فالمسألة أكبر من كونها مرتبطة بالمصالح، فهناك وقائع على الأرض لا يمكن غض الطرف عنها، إذ هناك شعب يعاني من الوجع ويعاني من النهب والسلب والاغتصاب، وإذ أن هناك أكثر من مليون شخص مشرد على الحدود مع تشاد يعاني من نقص أبسط الاحتياجات (الغذاء، الأدوية...الخ) وهناك الآلاف من عناصر «الجنجويد» ( يقال أسسها الجيش السوداني ويدعمها ويحميها) يعملون على الهدف الذي أنشئت من أجله وهو قتل ونهب أهالي دارفور.

أما وسائل الإعلام العربية فأبدت تحفظها منذ البداية على الوضع، وربما تكون على حق، لأن المسألة بدت مرتبطة بالولايات المتحدة وبريطانيا، فهما الدولتان اللتان ربما بدفاعهما عن دارفور أثرتا على الموقف العربي المشكّك دائماً في النوايا الأميركية والبريطانية بحكم التجربة.

استطراداً... إن قضية دارفور استحوذت على الاهتمام كونها قضية إنسانية قبل أن تكون أي شيء آخر مع أنها تستحق التعاطف من كل النواحي سواء أكانت سياسية أو عرقية أو اجتماعية...الخ. ومن دون شك فإن قضية دارفور بدأت تلبس غطاءً آخر بعد أن غابت حركتاها (حركة تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة) عن الساحة العربية واستغلت حكومة السودان هذا الغياب واستثمرته لصالحها، خصوصاً أنها جذبت تعاطف الشارع العربي (بعد أن جذبت المواقف العربية الرسمية في اجتماع وزراء الخارجية العرب الطارئ إلى جانبها). وليس خافياً على أحد أن الدبلوماسية السودانية متمثلة بوزير خارجيتها انتصرت على جميع الأطراف، وطبعاً هذا يعود إلى أسباب عدة:

أولاً: غياب المعارضة السودانية عن الساحة العربية (وهذا غباء سياسي وقعت فيه كل المعارضات العربية سواء أكانوا من عرب آسيا أم عرب إفريقيا) وسكوتها على ما يجري من ترويج في أوساط الرأي العام العربي، فكل المعارضات كانت متقوقعة على ذاتها، بما فيها حركتا دارفور.

ثانياً: وجود النفوذ الفرنسي هناك، وهذا ما أتاح للحكومة السودانية الفرصة لاستغلال هذه الثغرة وكذلك التناقضات الموجودة في المصالح الدولية.

ثالثاً: الاتحاد الإفريقي، إذ من المعروف أن الاتحاد الإفريقي له باع طويل في عدم خروج مثل هذه الأوضاع عن السيطرة الإفريقية، وان يبقى الوضع في أيدي الأفارقة وليس الأميركان - على الأقل في هذه المرحلة - لكن لهذا الموقف ثمن، وثمنه أن تقوم حكومة السودان بمسئولياتها تجاه ما يجري، ولعل مسئولية حكومة السودان تكمن في الآتي:

أ- موافقتها على مقترحات الاتحاد الإفريقي وتسهيل الطريق أمامه ليقوم بواجباته ومسئولياته.

ب- أن تحاول حكومة السودان جاهدة وبشكل جدي وحثيث حل ميليشيات «الجنجويد» ونزع أسلحتها وإحالة من قام بجرائم ضد الإنسانية إلى المحاكم.

ج- أن تتعاطى مع المسألة بمسئولية تجاه قرار مجلس الأمن وأن تبتعد عن التشنج، وان تقرأ المسألة بعيداً عن نظرية التآمر وعن التفكير بأن المسألة مفبركة من صنع الولايات المتحدة الاميركية، وأن هناك مؤامرة على السودان، أو أن هناك سيناريو لعرقنة السودان.

د- أن تحاول جاهدة إزالة آثار عدم الثقة بينها وبين الدارفوريين من جهة وبينها وبين القيادة السياسية الدارفورية من جهة أخرى.

رابعاً: كان للاتفاقات مع الحركة الشعبية دور كبير في تبديد الموقف الدولي المتشنج، إذ كان لإبداء جديتها تجاه الوضع في الجنوب وقبولها تقاسم السلطة مع الحركة الشعبية في الجنوب قد جعلاها موضع ثقة من قبل أطراف كثيرة، وهذا ما شكل الأرضية المناسبة لتعميم شكل الاتفاق على كل السودان.

ثمة من يرى بأن خير ما فعلت حركتا التمرد في دارفور عندما أبدتا قبولهما المشاركة في المفاوضات في «أبوجا» في الأيام القليلة المقبلة، ولعل فوائد مشاركتها تكمن في الآتي:

أولاً: بمشاركتهما ستثبت الحركتان أنهما تعملان ضمن المصلحة السودانية والشعب السوداني، وستثبتان للجميع بأنهما مع وحدة السودان وليس مع ما يدعى «بالتآمر الدولي».

ثانياً: ستثبتان صدق نيتهما وانه لم يحصل اختراق في جسديهما السياسي، وانهما بعيدتان كل البعد عن«التآمر» ضد الدولة، ولا تغريهم العواطف الهائجة في الشارع الأوربي.

بقي القول إن الدواء الشافي للوضع في السودان وكما في كل الدول العربية هو إحلال الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، والانتقال إلى دولة القانون بعيداً عن منطق شريعة الغاب، فالمجتمع المدني بات أمراً ملحاً ليس فقط في السودان بل في كل الدول العربية. ففي الأمس كان الأكراد واليوم قضية دارفور وربما بعد أيام ستظهر قضية الأمازيغ، وفيما بعد قضايا أخرى، وكل هذه قضايا عرقية، وظهورها سببه غياب دولة المواطنة. ولا يخفى على أحد أن الشعوب المضطهدة هي التي تتعذّب أكثر لأنه بمجرد مطالبتها بحقوقها تتهم وتحوّل إلى «خانة» العملاء

العدد 720 - الأربعاء 25 أغسطس 2004م الموافق 09 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً