العدد 720 - الأربعاء 25 أغسطس 2004م الموافق 09 رجب 1425هـ

نقول لهم كارثة فيقولون: سينالكو!

افتتاحيات من «العهد القديم»

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

زمن «قانون أمن الدولة» انتهى، والقانون ألغي، وأخذ المواطن يشعر ببعض «الآدمية» في بلاده، ولكن... مازالت بعض الأقلام تريد أن تستعيد أمجادها من العزف على الأنغام القديمة المقرفة. ويسوؤها جداً أن ترتفع نغمة الصراحة والصدق والشفافية في الصحافة الوطنية اليوم، لذلك تقرع الأبواق الصاخبة وتعلن النفير العام. وينسى أن من يريد أن يعلم الآخرين العقلانية عليه أن لا ينشر مقالات في «ضيعته» تصف ما يجري بالفضيحة!

كثيراً ما يتردد على ذهني وأذهان الكثيرين من أبناء الوطن هذا السؤال: هل يراد من الصحافة اليوم أن تمارس دورها القديم في عهد الإصلاح؟ خصوصاً عندما نقرأ بعض المقالات التي تشم فيها رائحة وطعم «العهد القديم»، فتراها تدافع وتنافح عن كل ما يمس أحداً من المسئولين أو يشير إلى خطأ من أخطائه، وإلاّ فإنك من «المتخلّفين»!

توم رينغ يقول: «إن أسوأ الحكومات حظاً من تبتلى بمحامٍ بليدٍ أو أحمق». والبلادة لا تكون دائماً ظاهرةً جلية، وعندما سُئل أحدهم عن الأحمق أجاب: «هو من يريد أن ينفعك فيضرك». وهكذا يكون الدفاع عن المتسببين في الكوارث الوطنية، في المعلقات العمودية التي تزدحم بالاستشهاد دائماً بالأميركان، وتصم هذه الفئة المترفة آذانها عن أنين الناس، لأنها ببساطة تعيش في بروجٍ مشيدةٍ في السماء!

ونحن نريد أن نحتكم إلى مستقبل الوطن: مثل هذه الطروحات لا تخدم الوطن ومستقبله ولا حتى صاحب القرار، ومثل هذه الصحافة لا تخدم حركة الاصلاح، لأنها ببساطة تنتمي إلى عهدٍ قديم، يطمح الجميع إلى تجاوزه، وتجاوز كل آثاره النفسية والمعنوية فضلاً عن تركته الثقيلة التي تعبر عن نفسها بمثل هذه الكوارث الوطنية بين حينٍ وآخر.

ما جرى يوم الاثنين الماضي من انقطاع الكهرباء عن 31 جزيرة من مجموع 33، لا يمكن اعتباره مجرد حدث عرضي، لا يستحق أن تفرد له الصحافة خمس أو ست صفحات، كما فعلت صحفنا الأربع بلا استثناء، خصوصاً إذا علمنا أن هناك من حذر من مجيء هذا اليوم، ونشرت «الوسط» رسالته على صدر الصفحة الأولى. وسواءً أسميناها كارثة وطنية، أم أزمة عابرة، أم مشكلة «بسيطة» و«تافهة» يمكن أن تحدث في أي مكان، فان ذلك لا يعفي أحداً من المتسببين سهواً أو عمداً أو إهمالاً من التحقيق والمساءلة.

«الحياة» اللندنية تحدّثت عن خسائر بمليارات الدولارات، بينما اكتفت صحافتنا المحلية بالاشارة على استحياء إلى خسائر بملايين الدنانير. وعلى من يطالب بالتهوين من آثار الكارثة وتهدئة المواطنين، عليه ان يتذكر صيحاته المفزعة قبل أشهر عن السياحة التي تضررت والفنادق التي اهتزت ونزلت نسبة الإشغال فيها إلى درجة الكارثية، بسبب مظاهرة الشيخ محمد خالد ضد برنامج «الأخ الاكبر» او احتجاج مجموعة صغيرة من الشبان على مطعم لاتريسا. بينما لم تهتز له قصبة عندما فرّ المواطنون بالآلاف وهم في قمة الإعياء من وطنهم كاللاجئين إلى المنطقة الشرقية ليستأجروا الشقق المفروشة التي ضاقت بهم في الدمام والخبر.

الاثنين الماضي، يوم «المشلكة البسيطة التافهة»، أغمضوا عيونهم عمداً عن هروب جميع رواد فنادق البحرين، وسرعان ما تبخرت تنظيراتهم السابقة عن ضرورة توفير البيئة الآمنة للمستثمرين، ولم يعودوا يتذكرون النظرية الاقتصادية الوحيدة التي يحفظونها: «رأس المال جبان»، وانه سريع الهرب من البلدان، خصوصاً التي تعاني من مشكلة انقطاع الكهرباء منذ خمسة وعشرين عاماً!

نحن هنا لا نتكلم عن انطفاء مصباح شارعٍ في حديقة ليفرد له خبر في صفحة المحليات، انما نتكلم عن كارثة وطنية أصابت بالشلل 31 جزيرة من مجموع 33 جزيرة في هذا الارخبيل الهاديء الجميل، وعن معاناة 98,6 في المئة من سكان البحرين، وعن شلل الحياة العامة والمؤسسات المصرفية والمالية وتعطل الحياة الاقتصادية، في بلد يستضيف 21 مصرفاً تجارياً وأكثر من 100 وحدة مصرفية خارجية، كلها تضررت من دون استثناء. لو ذهبت إلى أصغر برادة في أصغر قرية وسألت عن خسائرها لقال لك البائع: «إن خسارتي لا تقل عن ألف دينار».

وليعلم أصحاب النظريات التي تتبخر سريعاً، أن من صلب العمل الصحافي أن يكون صادقاً في نقل نبض الشارع، والحديث عن آلام الناس، في ظل مجتمعٍ غير مكتمل النمو الطبقي، لا يحابي ولا ينافق على حساب الحقيقة، وان ليس من الوطنية في شيء الدفاع عن الأخطاء والتستر على التجاوزات ومكامن الفساد، التي تقود البلدان إلى مثل هذه الكوارث والمعاناة.

ان من صلب عمل الصحافي أن يُسأل الوزير عن الاخطاء في وزارته ليعرف الناس الأسباب الحقيقية للكوارث، خصوصاً إذا أجاب على سؤال لا تتجرأون على طرحه على المسئولين: هل يوجد مسئولون لديهم شركات تتقدم لعطاءات الوزارة، فيجيب: «نعم، وهو أمر واقع»!

نقول لهم: كارثة وطنية أصابت بالشلل 31 جزيرة من مجموع 33 جزيرة في هذا الارخبيل الهادئ الجميل، ويقول لنا أصحاب أبراج مكة: سينالكو

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 720 - الأربعاء 25 أغسطس 2004م الموافق 09 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً