العدد 733 - الثلثاء 07 سبتمبر 2004م الموافق 22 رجب 1425هـ

بحثاً عن طاقة أمل وسط الهول العظيم!

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

لا حل سوى البحث عن طاقة أمل، فرجة نور في الأفق البعيد... أشعر بالاختناق، تتباطأ الأنفاس وتحتبس، تقف الكلمات في الحلوق وتتعثر، تفقد الكتابة معناها وتتلعثم... فما يجري لنا وحولنا هو الهول العظيم، شلالات الدم تتدفق، ودوائر العنف تتسع، تمتد من دارفور في غربي السودان، إلى الموصل في شمالي العراق، مروراً بفلسطين الذبيحة، بينما يئن الوطن من الداخل تحت وقع ضربات الأزمات وتعقيداتها المتصاعدة، تماماً مثلما تئن دواخلنا وتتوجع!

ما يجري من حوادث على رغم فداحتها، غير ما يُنشر ويُذاع بكل تزويقه وتلميعه، ما يعرفه البعض لا يعرفه الكل، تظل الحقيقة غائبة، أو قل هي مغيّبة بفعل فاعل!

من حقي إذن، وربما نيابة عن بعضكم، أن أتلفت حولي بحثاً عن طاقة أمل وفرجة نور وسط هذا الظلام الدامس... الدامي، من سوء الحظ أن الأسابيع الماضية شهدت تصعيداً رهيباً في سفك الدماء هنا وهناك، ثم علينا نحن أن ندفع الثمن، ولا أدري مثلاً ما هي علاقة الإسلام بمذبحة المدرسة الروسية في إقليم «أوسيتيا»، التي راح ضحيتها مئات الأطفال، كما لا أفهم ما علاقة الإسلام بخطف الرهائن المدنيين وذبحهم بالسكاكين في العراق...

في الحالين يرفع القتلة شهادات إسلامية، ويصرخ الغرب بإدانة الإسلام ديناً وعقيدة، وتشتعل حروب الكراهية والتحريض في أرجاء العالم ضد العرب والمسلمين، الأمر الذي تستغله أميركا و«إسرائيل»، لتجاوز ارتفاع معدلات الكراهية لهما ولسياساتهما وسط شعوب العالم الشريفة!

لكني أدرى بدرجة الوعي والإدراك نفسها، أن شلالات الدم ودوائر العنف وحدّة الصراع، المشتعلة من دارفور إلى العراق مروراً بفلسطين، تعكس سياسة واحدة للقوة العظمى الوحيدة، هدفها إعادة ترويض وتأديب ما يسمى بالعالم العربي والإسلامي، حتى لو كان الثمن هو مزيد من الدم...

والخطورة في الأمر أن بعضنا لايزال يجادل بغير ذلك، وبغير علم لكن الحقائق المعلنة تعري الأسرار المخبوءة، والدليل هو قراءة الواقع من دون عدسات ملونة ومنحازة...

وعلى رغم أننا مأزومون في الداخل، مهزومون من الداخل، بمعنى أننا نتحمل بسياساتنا واختياراتنا وممارساتنا، الجزء الأكبر من مسئولية ما وصلنا إليه، فإننا لا نستطيع أن نغلق عقولنا ونعمي عيوننا ونقطع ألسنتنا صمتاً على ما يجري من مخططات دولية باتت مكشوفة أمام الجميع، لتفتيت الدول العربية إلى مزيد من الفتات، حتى لا تبقى دولة كبيرة لا بالحجم والمساحة، ولا بالقدرة والإمكانية، ولا بعوامل التقدم والارتقاء... مجرد كانتونات صغيرة، وأمامنا الآن نموذج العراق من ناحية، ونموذج السودان من ناحية أخرى...

وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، نشهد ونتابع كيف فجرت هجمات سبتمبر/ أيلول 2001 الدموية على واشنطن ونيويورك، كل طاقات العنف الأميركي المخزون، منطلقاً يجوب الآفاق، يقتل ويدمر ويحرق ويخرق القوانين والشرعية الدولية، بحجة الحرب على الإرهاب، وهي حجة قد تكون مقبولة لو كانت هي المبرر الحقيقي والسبب الجوهري، فمن منا يقبل أو يدافع عن الإرهاب، وخصوصاً أننا كنا السباقين في الاكتواء بناره، ومن ثم في التصدي لمخاطره، ودفع ثمن جرائمه...

غير أن الحقائق التي كشفت عنها التحقيقات والدراسات الأميركية والغربية، شكلت كما يعلم القراء، الدوافع الحقيقية للحرب الأميركية على الإرهاب، بما في ذلك أحياناً التشكيك في حقيقة ما جرى في الحادي عشر من سبتمبر 2001، ومن كان خلفه، وإن كانت أدواته معروفة، أي التسعة عشر عربياً مسلماً.

المهم أن شلالات الدم المتفجرة الآن من حولنا، جاءت كإحدى تجليات هجمات سبتمبر الرهيبة هذه، لكنني أعتقد أنها كانت ستأتي حتماً سواء وقعت هجمات سبتمبر أو لم تقع، فثمة اختلاق دوافع أخرى، ومبررات طازجة!

وعلينا نحن أن ندفع الثمن دماً طازجاً أيضاً!

ويقف العالم اليوم على شعر رأسه، لا ليوقف شلالات الدم هذه، وينقذ الضحايا ويطعم الجوعى والمشردين ويعيد اللاجئين والهاربين، ويوقف الحرق والتدمير والحصار على البشر الآمنين... ولكن ليتابع بشغف عروض السيرك الانتخابي الأميركي، بين اللاعبين الرئيسيين المرشحين للرئاسة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، الرئيس جورج بوش الابن، ومنافسه جون كيري، والحقيقة أن العرض باهر ومُسَلٍ...

وبقدر ما لا يهمنا كثيراً من يفوز على الآخر في هذا المعترك الذي يشبه صالة للمصارعة، بقدر ما يهمنا أن نفهم كيف يفكر كل منهما فينا، في شئوننا وفي شئون العالم، كيف سيتصرف مع شلالات الدم القائمة، التي أشعلها رجال أحدهم - بوش - ولايزال يصر عليها، كما وضح في خطابه الأخير فجر الجمعة الماضي، خلال الجلسة الختامية لانعقاد مؤتمر الحزب الجمهوري بنيويورك.

فإن كان بوش ورجاله من صقور «المحافظين الجدد» هم الذين أشعلوها، فإن منافسه كيري أبى إلا أن يزايد عليه، وإن كان بأسلوب مختلف، بينما ظل الهدف واحداً....

ولعل هذا يقودنا إلى النقطة الجوهرية، وهي أنهما معاً مأزومان، لأن الصراع بينهما شديد القسوة تطلعاً إلى أعلى وأقوى منصب في العالم، ومن ثم فهما يزايدان على التشدد، التشدد فيما يسمى الحرب على الإرهاب، التشدد في الضغط على العرب والمسلمين، التشدد في الحرب الدموية الدائرة في العراق منذ العام ونصف العام، التشدد في كارثة دارفور، بعد التشدد في فرض حل قسري لمشكلة جنوب السودان، يمهد عملياً للانفصال، ولو بعد حين!

لكن التشدد الأعظم تجلى حديثاً في محورين، زايد عليهما كل من بوش ومنافسه كيري بشدة، وسيرفعان حتماً سقف المزايدة، كلما اقترب يوم الانتخابات...

أولاً في القضية الفلسطينية، التي تدهورت بسرعة خلال حكم الرئيس بوش بدرجة لم تحدث من قبل، سواء من حيث حجم ونوعية العنف الدموي الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، أو من حيث «حلم» أو وهم -!- إقامة الدولة الفلسطينية - كما وعد بوش نفسه - إلى جوار الدولة الإسرائيلية بحلول العام 2005.

وبقدر ما أن بوش أطلق كل الإشارات الخضراء للسفاح شارون، ليمارس مهمة تدمير كل إمكان لإقامة دولة فلسطينية حقيقية على الأرض المحتلة، بعدما منحه وسام «رجل السلام»، بقدر ما جاء المرشح الديمقراطي للرئاسة الأميركية، جون كيري، بحملة مزايدة أكبر على بوش، دعماً لـ «إسرائيل» في الحب والحرب!

ولذلك ليس مستغرباً أن يستغل شارون هذه الشهور، خريف 2004، ليتم مهمته الرئيسية في فلسطين، بينما أميركا غارقة في حربها الدامية في العراق وأفغانستان من ناحية، وفي معاركها الانتخابية الشرسة من ناحية أخرى، بصرف النظر عن الثمن الذي علينا نحن أن ندفعه...

ثانياً، بالتالي ليس مستغرباً، وسط هذا السيرك، سياسياً وعسكرياً، وسياسياً بحجة إجبار سورية على الانسحاب من لبنان وعدم التدخل في شئونها الداخلية، وخصوصاً بعد قرار مجلس الأمن الأخير، والغريب من نوعه، وعسكرياً بحجة أن سورية متورطة - وفق ادعاءات «إسرائيل» - في عملية التفجير المزدوج الذي نفذته «حماس» في بئر السبع قبل أيام، ومن ثم جاءت تهديدات قادة «إسرائيل» بشن عمليات هجومية ضد سورية...

بل ليس مستغرباً، أن تنفتح جبهة دارفور غرب السودان، أو جبهة الجنوب، وجبهة الشرق، أمام العمليات العسكرية لاستدعاء التدخل «الدولي» ونعني الأميركي المباشر، وبالمثل ليس مستغرباً أن تنشط الضغوط الأميركية على دول مثل مصر والسعودية والإمارات واليمن، وغيرها والهدف واضح، ألا وهو مدّ شلالات الدم بروافد جديدة وطازجة، لكي تكتمل المنظومة المطلوبة...

وسط هذا الظلام الدامس والعنف الدامي، أين طاقة الأمل وفرجة النور، التي نبحث عنها، على ضوء «مصباح ديوجين»، بل هل هناك أمل أصلاً، وهل هناك مصباح للحقيقة أساساً؟!

حسناً... دعونا نتفاءل قليلاً، فهل يمكن لنا مثلاً، أن نراهن على القادة العرب، ليجتمعوا فوراً في قمة عاجلة طارئة، لمواجهة كل هذه الحوادث الداهمة؟!

أظن أنه بعد كل ما حدث قبل وخلال وبعد القمة العربية الأخيرة في تونس، يصبح هذا الرهان ضرباً من الوهم، الآن على الأقل...

لكننا نطرح بديلاً، ربما يكون ممكناً، ألا وهو أن تبادر دولة كبيرة ومسئولة، مثل مصر بأن تتحمل مسئوليتها فتدعو عدداً محدوداً من القادة العرب، الرئيسيين والمؤثرين، إلى «ندوة حكماء» ليروا في الأمر المدلهم رأيهم، ويقولوا لنا الحقيقة كاملة غير ملونة، بعد أن سلمناهم كل القياد ورقاب العباد، الذين يدعون لهم ليل نهار بالرشد والسداد...

وإذ أسمع على البعد من يقول، إن هذا أيضاً ضرب من الوهم، أعود إلى نفسي ألتف بنفسي، وأشعر بالاختناق!

خير الكلام: الهموم بقدر الهمم

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 733 - الثلثاء 07 سبتمبر 2004م الموافق 22 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً