العدد 741 - الأربعاء 15 سبتمبر 2004م الموافق 30 رجب 1425هـ

«ميشيل فوكو والسجون»

فرانسوا بولان باحث فرنسي في الفلسفات الحديثة عموماً وفي فلسفة ميشيل فوكو بشكل خاص... له الكثير من الدراسات في هذا الميدان. أما ميشيل فوكو فهو أحد أهم الفلاسفة الفرنسيين خلال القرن العشرين... وهو صاحب الكثير من المؤلفات التي اصبحت بمثابة مراجع في ميدان اختصاصها.. وذلك ابتداء من كتاب تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي المنشور العام 1961 وحتى «أقوال وكتابات» الذي صدر العام 1994 اي بعد عشر سنوات من وفاة فوكو العام 1984، ومروراً بـ «الكلمات والأشياء» - العام 1966، وخصوصا «اركيولوجيا المعرفة» - 1969 - وأحد أهم الكتب في عصرها «الرقابة والعقاب» - 1975. وإذ يشكل هذا الكتاب الأخير الموضوع الأساسي لهذا الكتاب «ميشيل فوكو والسجون».

أما تعرض ميشيل فوكو لموضوع الرقابة والعقاب كان بمثابة عمل فريد من نوعه على الصعيد الفلسفي أولاً إذ انه كان غائباً، عن التحليلات الفلسفية المعروفة من افلاطون وحتى الفلاسفة المعاصرين... وعلى الصعيد التاريخي ثانياً إذ انه من النادر ان تعرض الأعمال التاريخية على مختلف مشاربها ومدارسها إلى مؤسسة السجون على اعتبار انها مجرد تفصيل صغير في المسار التاريخي العريض.

ويرى مؤلف هذا الكتاب ان النص الذي قدمه ميشيل فوكو عن الرقابة والعقاب قد أثار هزة كبيرة عبر نقاش المسألة المحرمة المتعلقة بالسجون... ووصلت الهزة إلى مؤسسة السجن ذاتها وإذا كان السياق العام الذي تم نشر الكتاب فيه يتسم بروح النقد عموماً، فإن ميشيل فوكو كان أول من ناقش مسألة حبس الآخرين كصيغة مختارة لدى القائمين على اجراءات العقاب... كذلك يندرج كتاب الرقابة والعقاب ضمن اطار حركة واسعة ترمي الى مناوءة عالم السجن والاعتقال بدرجات متفاوتة تتراوح ما بين انتقاد شروط السجن وحتى اتخاذ مواقف راديكالية تنتقد مبدأ السجن ذاته وتطالب بإغلاق السجون. ولاشك في ان ميشيل فوكو هو أول الفلاسفة الذين ناقشوا ظاهرة السجن ذاتها. وقام بتحليلها في سياق تاريخيتها انطلاقاً من والدتها وحتى مفاهيمها الحديثة... لتدخل هذه الظاهرة إلى ساحة النقاش الفكري والفلسفي كما تدل على ذلك الكتب الكثيرة التي صدرت عن هذا الموضوع. يشار هنا الى ان عالم السجن ظل في رأس قائمة اهتمامات ميشيل فوكو حتى نهاية أيامه... كما ان كتاب الرقابة والعقاب قد أصبح بمثابة أداة لتعميق دراسة الظاهرة بمجملها وبمختلف مظاهرها... وذلك باعتبارها احدى المسائل التي تمس حياته الشخصية إلى جانب بحث ظاهرة الجنون ومسألة الجنس. يقول: كانت كتبي باستمرار هي مشكلاتي الشخصية مع الجنون والجنس والسجن. كذلك يرى مؤلف هذا الكتاب ان النص الذي قدمه ميشيل فوكو عن الرقابة والعقاب، انما يطرح بطريقة جديدة وفريدة مسألة العلاقة التي يحتفظ بها التاريخ مع الحاضر. يقول فوكو: عندما تطرقت لمؤسسات الطب النفسي ومؤسسات العقاب بالسجن، ألم أفتراض في الوقت نفسه أنه يمكن الخروج منها عبر البرهان على انها تمثل اشكالاً تاريخياً قد تكون في ظرف معين وفي سياق معين، وعلى ان مثل هذه الممارسات يمكن ان تصبح في سياق آخر تعسفية وغير فاعلة؟

وحاول فوكو ان يفسر الآليات التي دفعت الى تطور ظاهرة السجن بالطريقة التي تطورت بها وصولاً إلى الفترة الراهنة، وكيف تحولت مسألة السجن إلى رهان فلسفي. ومن الموازين الاساسية التي يركز عليها المؤلف اهتمامه في فكر فوكو هناك اقتراح اطروحاته الفكرية مع توجهاته النضالية الى درجة انه اراد ان تكون كتبه بمثابة قنابل مولوتوف أو حقل ألغام. اي بتعبير آخر يوجد لديه نوع من التداخل بين العمل الفكري والنشاط العملي. لقد اراد باستمرار ان يكون هناك نوع من الترابط والتواصل بين النشاطات العملية والعمل النظري او العمل التاريخي الذي كان يقوم به. يقول: لقد بدا لي بأنني حر الى درجة امكان ان أقتفي آثار التاريخ حتى منابعه البعيدة، لكن وفي الوقت نفسه تستحوذ على اهتمامي مسائل تتصل بالعلاقة المباشرة مع الممارسة. كان ميشيل فوكو اعلن يوم 8 فبراير/ شباط 1981 تأسيس مجموعة استعلام بشأن السجون، وهو الذي صاغ بياناتها الأولى. وكانت تضم عدداً مهماً من المثقفين المشهورين أو المغمورين الذين قاموا بنشاطات لها علاقة بعالم السجن.. مثل اقامة صلات مع أهالي المساجين. ويؤكد مؤلف هذا الكتاب ان مقارنة ميشيل فوكو لموضوع السجون انما كانت ذات طبيعية تاريخية أكثر مما هي تاريخية.. هذا مع الاشارة في الوقت نفسه الى أن كتاب الرقابة والعقاب هو الأكثر تاريخية بين كتب الفيلسوف، الذي اعتمد على نصوص ذات علاقة مباشرة في عالم السجون عندما تطرق لهذا الموضوع مثل الأنظمة الداخلية للسجن وروايات السجناء ومحاضر الزيارات وتقارير لجان التفتيش يقول مؤلف هذا الكتاب: ان البورجوازية لم تتحدث وهي سافرة الوجه ولم تفصح عن استراتيجياتها في اعمال هيغل واوغست كونت، وانما في هذه الوثائق المجهولة والمتواضعة التي استخدمها فوكو.

ويقول فوكو: بالنسبة إلى السجن، لا معنى للاكتفاء بالخطابات عن السجون.. وانما ينبغي الانتباه ايضا الى ما هو صادر عن السجون نفسها من قرارات وانظمة داخلية (...) الصادرة عن اناس عاشوا داخل تلك المؤسسات وقاموا بتسييرها. ان ميشيل فوكو قد أدخل بعداً جديداً إلى مسألة العقاب عبر تحليل مكانة السجون في المنظومات الاجتماعية الإنسانية. يقول ميشيل فوكو: لقد احببت أن اناقش المسألة نفسها - السجون - ولكن من زاوية اخرى وهي أن أحدد مدى تأثير خطاب يزعم أنه علمي - الخطابات الطبية والنفسانية والاجتماعية - على مجمل ممارسات منظومة العقاب... وبهذا المعنى لم يكن الاهتمام الرئيسي لفوكو هو كتابة تاريخ السجون وانما هو بالأحرى كتابة تاريخ ممارسات العقاب عبر السجن وليؤكد انه منذ أواخر القرن الثامن عشر بدا أن فكرة السجن تشكل اجمالا الوسيلة الأفضل والأكثر فعالية وعقلانية من اجل فرض العقاب على خروقات النظام في مجتمع ما.

ميشيل فوكو والسجون

تأليف: فرانسوا بولان

الناشر: المطبوعات الجامعية الفرنسية، باريس 2003

الصفحات: 128 صفحة من القطع الصغير





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً