العدد 742 - الخميس 16 سبتمبر 2004م الموافق 01 شعبان 1425هـ

عولمة القانون... أم قانون العولمة؟

لقد شهد العالم تطورات مثيرة ومهمة فيما يتعلق بمفهوم العولمة Globalization. فهل تسببت هذه العولمة في زيادة الرفاهية حقاً، كما يدعي منظروها؟ أم انها غدت وبالاً على الكثير من الشعوب والفئات الاجتماعية؟ وهل أمست تحظى بتأييد الشعوب حقاً أم انها تحوّلت فعلاً إلى مشروع ترفضه الشعوب وتتخوّف من نتائجه؟ وهل أدّت إلى تعزيز السلم بين الشعوب، شعوب العالم وبين الفئات الاجتماعية المختلفة، كما يزعم مروجوها، أم انها صارت داعية للتمرد والعصيان والحروب الأهلية وتفكك الدول؟ هذه أسئلة القضية التي كثر الحديث عنها - فجأة - ليس فقط على المستوى الأكاديمي، وإنما أيضاً على مستوى أجهزة الإعلام والرأي العام والتيارات السياسية والفكرية المختلفة. ولا نعدو الحقيقة إذا قلنا إن هنالك الآن سيلاً أشبه بالطوفان في الأدبيات التي تتحدث عن هذا الموضوع. ولم يعد الأمر يقتصر على مساهمات الاقتصاديين وعلماء السياسة أو المهتمين بالشئون العالمية، بل تعدّى الأمر ذلك ليشمل مساهمات الاجتماعيين والفلاسفة والإعلاميين والفنانين، وعلماء البيئة والطبيعة، وحتى معشر الرياضيين... إلى آخره. ولا غرو في ذلك، لأن قضية العولمة لها من الجوانب والزوايا الكثيرة ما يثير اهتمام كل هؤلاء.

وكل ذلك ينصب في قالب سؤال واحد: ما مستقبل مشروع العولمة؟ هل سيتطور المشروع ليعم العالم أجمع وليشمل كل المجالات الحياتية، أم انه سيفرز القوى التي ستفجره من الداخل؟ وأياً تكن التبريرات النظرية والتنبؤات المستقبلية التي يمكن أن يحتج بها كل طرف، فإنه لا قيمة لهذه وتلك على الإطلاق، لأن القيمة الحقيقية تكمن فيما يوجد على أرض الواقع.

ولربما كشفت الأرقام الآتية النقاب عن حقيقة التطورات التي مرّت بعقود الزمن الماضية والتي فيها يتبين بجلاء أن الاقتصاد الدولي عاش في الفترة الواقعة بين العام 1960 والعام 1980، عصراً ذهبياً، إلى حدٍ ما، مقارنة بالعقدين اللذين عاشت فيهما الشعوب أجواء «العالم المعولم» أو أجواء العولمة، فإبان تلك المرحلة كانت حصة الفرد الواحد من الدخل القومي قد ارتفعت في أميركا اللاتينية وفي القارة الإفريقية، وفي الكثير من أقطارنا العربية النفطية منها وغير النفطية ارتفاعاً يدعو إلى الفخر والإعجاب.

وإذا ما اعتبرنا، على نحو تقريبي، أن العام 1980 هو بداية العولمة، فسيلاحظ المرء بيسر أن هذه المرحلة اتسمت، على رغم كل ما حباها دعاة الليبرالية المحدثة من إشادة وتطبيل، بتراجع المستويات المعيشية لفئات عريضة في مجتمعات العالم الثالث. ففي أميركا اللاتينية تراجع معدل نمو حصة الفرد الواحد من الدخل القومي من 78 في المئة في الأعوام 1960 - 1980 إلى 8 في المئة فقط طيلة عقدي العولمة. وكانت القارة الإفريقية خصوصاً من أكثر بلدان العالم معاناة، فقد انخفض معدل نصيب الفرد الواحد من الدخل القومي من «زائد 39 في المئة» إلى «ناقص 14» أي ان نصيب الفرد الواحد انخفض بمقدار 14 في المئة في العقدين الثامن والتاسع من القرن العشرين، أما بالنسبة إلى أقطارنا العربية الحبيبة، فالملاحظ هو أن حصة الفرد الواحد لم تتغيّر في المتوسط إلا بالكاد في هذه الفترة الزمنية، علماً بأنها كانت ارتفعت بمقدار ثلاثة أضعاف في العقدين السابقين لهذه الفترة.

وللتعرف على المغزى البعيد لمعدلات النمو المتراجعة أو المتدنية يتعيّن علينا أن نلاحظ أن النتيجة التي ستترتب على تطورات من هذا القبيل تكمن في الاقتصادات القائمة على نظام السوق، في ارتفاع نصيب أصحاب رؤوس الأموال والمحظوظين من ذوي الجاه والسلطان، من الدخل القومي. بهذا المعنى ينطوي تطور من هذا القبيل على ارتفاع عدد الفقراء وانتشار الشقاء والحرمان. وفعلاً تفاقمت في السنوات العشرين الماضية، على مستوى العالم ككل، اللاعدالة في توزيع الخيرات والمكاسب. ففي الستينات كان نصيب الفرد الواحد من أفراد ذلك الخمس الذي يعتبر من أغنى الأغنياء لا يزيد على 30 ضعفاً، مقارنة بالنصيب الذي يحصل عليه الفرد الواحد من أبناء الخمس الذي يعتبر من أفقر الفقراء. وفي نهاية القرن العشرين ارتفع الفارق ليصل إلى 78 ضعفاً.

وفي الواقع فإن على المرء أن يلاحظ عمق المخاطر السياسية والمآسي الاجتماعية التي تتخفى خلف هذه الأرقام، فهذه المصطلحات الرياضية المجرّدة ليست سوى تعبير آخر عن الفاقة والجوع، والمرض والأمية الذي تعانيه مليارات من بني البشر في عالم اليوم... وكان المدير العام الحالي لصندوق النقد الدولي هورست كوهلر (Horst Koehler)، حذَّر في العام 1999 من مغبّة هذه التطورات، إذ قال: «إن اللامساواة المتطرفة في توزيع مكاسب الرفاهية تشكل خطراً يهدد - على نحو متصاعد - الاستقرار السياسي والاجتماعي في العالم أجمع»

العدد 742 - الخميس 16 سبتمبر 2004م الموافق 01 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً