العدد 755 - الأربعاء 29 سبتمبر 2004م الموافق 14 شعبان 1425هـ

البدء بإصلاح القطاعين أولاً

من أين يجيء الإغراء...

غسان الشهابي comments [at] alwasatnews.com

لا نستطيع القول - من هذه النقطة - ما إذا كانت خطط إصلاح سوق العمل ستلقى النجاح المتساوق مع أهمية هذه الخطط أم لا، وخصوصاً أننا نتحدث عن مخرج للمقبل من السنوات العشر، فأعداد من سيدخلون إلى سوق العمل كبيرة جداً، فاليوم في المدارس الحكومية فقط 124 ألف طالب وطالبة، وفي المدارس الخاصة بضعة آلاف أخرى، وفي جامعة البحرين نحو 20 ألف طالب وطالبة، وفي الجامعات الأخرى بضعة آلاف أيضاً، أي اننا أمام أكثر من 160 ألف داخل إلى سوق العمل في السنوات العشر المقبلة، وهذا يتطلب تكاتفا وطنيا من كل القطاعات حتى يتم امتصاص هذه العمالة أولاً حتى لو تمت التضحية ببعض هوامش الأرباح حالياً، وحتى تدور الأموال - أو جزء منها على الأقل - في السوق المحلية وتنعكس إيجاباً على القطاع الخاص أساساً، وكذلك، حتى لا نصبح على يوم شره مستطير، لنرى العاطلين عن العمل الذين أضناهم الجوع واليأس والتخبط، وقد أشعلوا ثورة تجعل بعض التجار الذين بخلوا عن إنفاق القليل لتوظيف البحريني، ينفق الكثير للرحيل بأمواله وتجارته من هنا.

وإذا كانت الدراسات تقول إن المرء هنا يبحث عن القطاع العام لسهولة العمل فيه، وقصر الدوام، واستقراره من ناحية الأمان الوظيفي، فإننا نزيد عليه أيضاً كل المغريات التي يحصل عليها القطاع العام، بوصفه قطاعاً واضح المعالم أكثر من القطاع الخاص، وبدلاً من ترغيب العاملين الحاليين والجدد في القطاع الخاص، تقوم الحكومة والمجالس التشريعية بزيادة تدليل هذا القطاع ومنحه من المميزات الشيء الكثير، من العطلات والتعويضات والهبات والمكرمات، ما يجعل أهل القطاع الخاص يعضون أصابع الندم على ما فرطوا في سنوات عملهم في تلك المؤسسات، وما تحملوه من رواتب مترجرجة، وأمان وظيفي قلق طوال الليل والنهار، وفي المقابل، فإن هذه الميزات تجعل الناس يتقاتلون للانضمام إلى «العام» والبقاء فيه مهما يكن من أمر، وهذا الأمر يتناقض مع ما يراد للقطاع الخاص القيام به.

لقد أسست سياسات سابقة لثقافة تقول ان العاملين في القطاع العام هم «أبناء الحكومة»، أما القطاع الخاص فلا آباء لهم، لذلك يقارن المقدِم على سوق العمل بين ما يمكن أن يبذله من جهد وما يحصل عليه من راتب ومزايا أخرى، وسيكتشف كم هو أحمق إن فرّط في السعي نحو القطاع العام، مستخدماً الإمكانات والواسطات وما توافر له من سبل حتى يجد له طاولة في هذا القطاع الذي يظل إسهامه في الناتج المحلي بسيطاً مقارنة بما يسهم به القطاع الخاص.

إن الحرص على تدعيم القطاع الخاص، يعني أولاً وضعه على السوية مع القطاع العام من كل النواحي المادية والعملية، فيما أسماه مدير التوظيف في وزارة العمل والشئون الاجتماعية أسامة العبسي «توحيد المقامات»، وتوحيد المقامات الذي ذهب إليه العبسي يخص العامل الأجنبي والمحلي، ولكن المقصود به هنا، توحيدها بين قطاعي العمل، بحيث تتساوى أمام المتقدم المزايا، وأن يعمل أعضاء المجلس التشريعي على التوقف عن إغداق الحوافز والمغريات على القطاع العام، حتى يتم كبح التسرب الوطني من القطاع الخاص، وذلك بحسب أرقام وزارة العمل والشئون الاجتماعية التي ذكرت في شهر يوليو/تموز الماضي أن نسبة العمالة الوطنية في القطاع الخاص بلغت 31,7 في المئة في العام 2003 منخفضة عنها في العام 2002 والتي بلغت نسبة البحرنة فيه 33,6 في المئة، وبالتالي فليس من المناسب الإشاحة عن هؤلاء العمال وجعلهم كالأيتام الذين ينظرون من وراء زجاج إلى قاعة حفلات أقرانهم في القطاع العام، وهم يتمتعون بالعطلات والتعويضات والهبات والنفحات، بينما من هم في القطاع الخاص محرومون منها.

إن «توحيد المقامات» هو الخطوة الأولى التي يمكن البدء بها، وإن لم تكن الخطوة الصحيحة، فالأهم من توحيد المقامات، «إنصاف» المقامات، حتى لا يستوي الذين ينتجون والذين يعملون، والذين لا يتركون مقاعدهم أو مواقع عملهم، مع من لا تجدهم على المكاتب، واللاهين في مواقع العمل بشرب شاي الحليب منذ الصباح الباكر، والتسكع في الأسواق بحجج غير معلومة، وتسيب واضح.

من المعلوم أن التوظيف في القطاع العام له أغراض أخرى غير تسيير الأعمال، وإنجاز الخدمات، فهناك أيضاً وجه اجتماعي يتمثل في امتصاص العمالة المحلية، وتوفير وظائف للمواطنين حتى لو كانت مستوياتهم العلمية غير عالية أو متوسطة على الأقل (بكالوريوس)، ولكنه أتى اليوم ليشكل «ثقباً» تذهب فيه 70 في المئة تقريباً من موازنة الوزارات على هيئة رواتب، في مقابل مساهمة متواضعة بحسب الدور المطلوب منه، وكذلك بحسب الإرث السابق لموظف الحكومة الذي عليه أن يعمل كما تعمل السيارة التي إن انتهى (بنزينها) في اليوم الخامس من الشهر فعليها التوقف عن العمل حتى يحين موعد ملئها بـ (البنزين) من جديد (الراتب)، في حين أن القطاع الخاص لا يعرف في الموضوع نفسه إلا القول إن هذه ليست مشكلة الشركة، إنما مشكلة الموظف الذي عليه الإنتاج إذا ما أراد الاستمرار في وظيفته، فهناك العشرات من الواقفين في الطوابير الذين ينتظرون أن يشغر أي كرسي ليتلقفوه.

عندما يُشَد الحزام على القطاع العام (لا أن يُحرم من المزايا)، ويُمنح القطاع الخاص المزايا ذاتها كمرحلة أولية ويتأصل العمل النقابي الحقيقي، ليس الداعي إلى الإضرابات والاعتصامات وحسب، بل إلى ترقية بيئة العمل في القطاع الخاص، وأخذ حقوق العمال، وتثبيت الضمان الصحي والضمان الاجتماعي الإضافي من خلال صناديق للتأمين والإقراض وغيرها، مع تعديل الرواتب بما يتناسب رُبعياً مع التضخم وزيادة الأسعار، فإن المقبل على العمل حينها سينظر إلى ما سيخرج به في آخر النهار من مكاسب، وما يمكن أن يتطور فيه من الدراسة الجامعية والدورات التدريبية المتقدمة، وما سينقذه من العوز والفاقة فيما لو عجز عن العمل جسدياً أو تعطل عن العمل، أو اضطر إلى الاستقالة من راتب شهري سواء من البند المجمد في التأمينات الاجتماعية، أو من صندوق نقابته، وهذه أمور ليست من الصعوبة بمكان لو أحسنت إدارتها من قبل الشركات والنقابات، ولو قام ديوان الخدمة المدنية بضرب الأمثلة على حزمه بالتصدي للحالات المرضية في القطاع العام، ولو تخلت الحكومة والبرلمان عن الإغداق على أبنائهم من موظفي القطاع العام من ميزات وعدم الالتفات إلى العامل في القطاع الخاص، واعتبار أن البحريني العامل والجاد في عمله، يستحق العيش الكريم، في أي موقع للعمل كان

إقرأ أيضا لـ "غسان الشهابي"

العدد 755 - الأربعاء 29 سبتمبر 2004م الموافق 14 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً