العدد 761 - الثلثاء 05 أكتوبر 2004م الموافق 20 شعبان 1425هـ

نادي العروبة و«المؤسسة»... الفعل وردّه

«لا بوه... لا بو حركاته»

غسان الشهابي comments [at] alwasatnews.com

يختصر أهل الخليج بعض صيغ اللعن عادة بتجنبها حتى لا يصرّحون بها لأنها كريهة، وربما للحساسية اللغوية تجاهها، فبدلاً من أن يقولون: «ألعن أبا فلان...» يقولون: «لا بوه».

ومناسبة القول، إنه منذ حوالي خمس سنوات، حاولت جامعة البحرين أن تنشّط الموسم الرمضاني، فأقامت مجموعة من الفعاليات المسائية، ومن ضمنها أمسية تحدث فيها شيخ دين عراقي معروف عن حال الأمة العربية، وكيف يسير من تدهور إلى آخر، وأثقل الشيخ كثيراً على أحد الأقطار العربية وسلسلة حكامها، الأمر الذي استثار أحد الحاضرين وكان أستاذاً ينتمي إلى ذلك البلد المعني بالقول، فكتب في ورقة معاتباً الشيخ لأنه جرّح الرموز الوطنية، فما كان من الشيخ إلا أن استشاط غضباً، ورد رداً قاسياً ختمه بقوله: «هذا الحاكم خائن ابن خائن... لا بوه لا بو اللي خلّفه...».

ساد جو متكهرب، وخصوصاً أنه يلقي محاضرة في مؤسسة رسمية، وتطاول على حاكم أسرة حاكم عربي تربط البحرين به (الحاكم) وبها (الأسرة) روابط ووشائج، فكان أمام إدارة الجامعة خياران: إما أن تنهي زيارة الشيخ قبل أوانها وتضعه على أول طائرة ليعود من حيث أتى، وبالتالي من لم يسمع عن السبب سيبحث عنه وينتشر على طريقة انتشار كتاب سلمان رشدي الذي جمع من ورائه الملايين عندما ثارت الضجة حوله وكان قبل ذلك نسياً منسياً... وكان سيقال في الجامعة وبالتالي الحكومة ما يقال في كل مكان، وإما أن يبقى الأمر داخل الخيمة التي دار فيها الحديث، وتمر العملية بسلام.

إدارة الجامعة فضّلت حينها الخيار الثاني، وربما أتبع الأمر بتطييب خاطر الشخص الحاضر الذي كتب السؤال، وتمت «لملمة» المسألة.

اليوم عندما تفتح محركات البحث لتقرأ جانباً من تاريخ نادي العروبة، فلا تجد إلا أخبار إغلاق السلطات البحرينية للنادي في الصحف والمنتديات وصفحات الأخبار، شخصياً، تلقيت أكثر من اتصال من زملاء في الخليج يريدون معرفة ما الذي حدث بالضبط، وما العبارات التي قالها عوني القلمجي، وهل تستحق أن يغلق بسببها ناد كانوا ينظرون إليه بوصفه ملاذاً ثقافياً مهماً عندما كانت دولهم تتلمس طريق البحرين وتريد الاقتداء بها.

وكما حدث في الجامعة، كان هناك رأي يقول إن على النادي في حينه أن يبدي اعتذاراً عن الكلمات الخارجة عن السياق، والتي لا تتناسب مع العلاقات التي تحتفظ بها البحرين مع كل من الكويت والعراق الجديد، وإن كان هذا التوضيح لا يمثل ما في قلب بعض من الحاضرين الذين لايزالون يحلمون بعودة صدام ونظامه، ولكن كنوع من التقيّة السياسية، أو أن يبادر بالبراءة لدى الجهات المعنية من العبارات ذاتها، كخطوة وقائية... وفي المقابل هناك رأي يرى أن تمرّ «الكلمة» ليسمعها من حضر فقط، إذ إن أحداً في وسائل الإعلام لن يتناقلها، وبالتالي لن تخرج عن إطار المكان ذاته، لا أن يثار حولها غبار كثيف، يتسامع عنها ليس أهل البحرين فقط، بل وكل من يقرأ العربية في مشارق الأرض ومغاربها، وبالتالي يسوء البحرين أن قيل فيها هذا الكلام، ويسوءها أيضاً أن تجلد الجهة المنظمة للفعالية بهذه الطريقة ولو كانت مؤقتة.

إن وجود ونشاط نادي العروبة في المشهد الثقافي السياسي في البحرين، له أهمية خاصة، كونه من المؤسسات التي غالباً ما تستضيف أو تنظم الفعاليات الجدلية، بغض النظر عن مدى الاتفاق والاختلاف معها، فهذا الوجود الحيوي للنادي ولإداراته المتعاقبة المعروفة التوجهات السياسية والفكرية، يمكن أن تُستوعب في إطار «الشريك المخالف»، فالنادي برجالاته الذين شغل جزء منهم مناصب حساسة ومهمة في البلد، والذين أسهموا جلياً في الحركة الثقافية شريك لا ينفصل عن المسيرة الإصلاحية، «مزعجٌ» أحياناً لمن يختلف معه، ولكنه ليس قاتلاً أو هدّاماً، «مخالفٌ» دائماً في أطروحاته للسائد الذي يصدمنا كثيراً لفرط سيادته، وسذاجة طرحه، وآلاته العتيقة التي تطنّ لتطرب نفسها فقط، ولكنه «شريك» أصيل في هذا الوطن، ليس له فصولٌ تتغير فيها ملامحه، ولكنه مصدر فخر أن «تحتوي» المملكة نوادي ومؤسسات تختلف معها، تحتويها لا أن تغلقها، تحاورها لا أن تشمّعها.

هنيئاً للمجتمع بمن يسبغون عليه الحيوية، ويحيون فيه ألم العناد

إقرأ أيضا لـ "غسان الشهابي"

العدد 761 - الثلثاء 05 أكتوبر 2004م الموافق 20 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً