العدد 764 - الجمعة 08 أكتوبر 2004م الموافق 23 شعبان 1425هـ

التحــديات التي تواجهها «العدالة والتنمية» داخلياً

بعد تقرير الاتحاد الأوروبي:

فاروق حجي مصطفى comments [at] alwasatnews.com

كاتب سوري

فيما تتحدث وسائل الاعلام عن العقبات التي تخطاها رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان بحنكته وقدرته على الحوار وامتلاكه لمواهب وفنون اللعبة أمام دخول بلده الى البيت الاوروبي، يتسرب من هنا وهناك، وعبر وسائل الاعلام التركية خصوصاً، وجود خلافات داخل التنظيم الذي يشد اردوغان ظهره به «العدالة والتنمية». وهناك أنباء تتحدث بان العدالة والتنمية باتت قريبة جداً إلى الانشقاق.

وكانت انباء تحدثت وبشكل خجول قبل التقرير الذي تحدث عن قابلية تركيا للدخول الى الاتحاد، إلا أن الحديث ازداد عن انشقاق «العدالة والتنمية»، الأمر الذي يدفع المرء إلى التمعن في هذه الانباء وقراءة خلفياتها وانعكاساتها على مستقبل تركيا السياسي والاستراتيجي، وخصوصاً ان غالبية الشعب التركي بدأ يرى مستقبله في هذا التنظيم الذي قلب كل المعادلات في تركيا، هذا اذا لم نتحدث حتى على مستوى الرؤى في الغرب بعد أن أفلست غالبية التنظيمات التقليدية التي تقول عن نفسها إنها «علمانية»، من رؤية المستقبل سواء أكان لنفسها أو للشارع، فلم يعد هذا الشارع يراهن عليها.

لاشك ان مسألة الخلافات داخل الحزب تمتد منذ غياب «الرفاه» عن الساحة السياسية التركية، ومنذ امتناع اربكان عن النشاط السياسي. ولكن هذه الخلافات تفاعلت إلى أن أتى موعدها فظهرت على السطح بشكل لا يناسب الوضع التركي الداخلي والاقليمي والاستراتيجي.

في الحقيقة ومهما كان حجم الانتقادات لشخص رئيس الوزراء الا انه يملك ورقة واحدة على الاقل نظيفة يفتقر إليها أي مسئول تركي، وهي ورقة الفساد الاداري في المؤسسات التركية. والورقة الاخرى لها حضورها الكثيف وهي النشاط الذي كرّس اردوغان وقته لاجل تقريب بلده نحو تحقيق حلمه.

بالنسبة إلى الفساد فانه لا أحد يمكنه الحديث عن الفساد في ادارة الحكم الحالي على خلاف من سبقوه في الحكم، ففي السابق كان هناك مسئولون متورطون بهذا المرض العضال (الفساد الاداري)، بل امتد هذا الى توريط بعض المسئولين بالعلاقة مع «المافيات» وعلى كل المستويات، بدءًا من رئيس الوزراء وانتهاءً بالـ «بوليس» مرورا بالوزراء ومديري الدوائر. فمثلاً هناك أكثر من دعوة قضائية ضد رئيسة الوزراء السابقة تانسو تشيلر، وغيرها من الوزراء، إذ لاتزال حادثة «سوسرلك» عالقة في اذهان الكثير من الاتراك، ومازالت تداعياتها تتفاعل في الوسط السياسي التركي. ففي هذه الحادثة انكشف جلياً مدى اختراق «المافيا» لأجهزة الدولة السياسية والعسكرية والمالية والامنية. أما إذا قارنا تلك الاوضاع مع الحكم الحالي فان تركيا تعيش مرحلة متطورة جداً عن السابق. صحيح اننا لا نستطيع ان ننظر الى الحكم الحالي بنظرة وردية، ومن الخطأ ان نصفها بـ «الكمال»، إلا أننا نستطيع مقاربة الوضع من خلال الاسقاطات، فاردوغان معروف بانه صاحب يد نظيفة، على الاقل حينما كان رئيس بلدية اسطنبول.

اما بالنسبة إلى نشاط اردوغان فهو كثيف جداً، فمثلاً استطاع اردوغان ان يؤسس للحضور التركي في اوروبا لصالح دخول تركيا للاتحاد. فهو عن طريق لقاءاته المتكررة مع المغتربين الأتراك استطاع ان يقنع اوروبا بان تركيا التي تتخوفها أوروبا هي نفسها تركيا التي تعيش معها منذ أكثر من عقد. فهل هؤلاء الاتراك الذين يعيشون في اوروبا سببوا ازعاجات او قاموا بأعمال غير حضارية؟ اردوغان أرسل هذه الرسالة لانه يعرف حجم الوجود التركي هناك وتأثيرهم على الشارع الاوروبي، إذ الثقل التركي في أوروبا منعها من إصدار أي قرار صارم ضد تركيا. وحتى هذه اللحظة تتعامل اوروبا مع المسألة الارمنية أو الكردية بحذر، فالاقتراب من هاتين المسألتين يشبه الاقتراب من «مثلث برمودا».

واستطراداً، وعلى رغم نجاحات اردوغان فانه يعاني من انتقادات لاذعة ومن اشخاص مقربين منه، فهو ينتقد من قبل وزير خارجيته عبدالله غول، ومن قبل رئيس البرلمان، مع ان اردوغان اعتبرهما من الاشخاص الأقرب إليه، وأظهر بشكل غير مباشر ان نجاحاته لم تكن لتوجد بالاصل لو لم يساعده الرجلان. كما نفى ان تكون هناك خلافات بينهما، وخصوصاً عندما أصدر أوامره بتوقيع قانون العقوبات.

وكما انه يُنتقد من قبل اربكان نفسه، الذي يمتلك تأثيراً كبيراً على الأوساط الاسلامية التركية، إذ وصفه بانه يخضع الى الشروط الاميركية والاسرائيلية، مع انه في زمن اربكان شهدت تركية أنشط علاقة مع «اسرائيل».

ربما لا يختلف أحدٌ من المراقبين على ان هناك مزاجاً اسلامياً تركياً غير راضٍ عن اردوغان، والسؤال: هل بوسع اردوغان انقاذ نفسه وانقاذ حزبه أيضاً؟ فهو رجل خدم تركيا كثيراً وانقذها من «مطبات» أكثر من مرة. فاذا استثنينا مسألة الاكراد والتجاوزات في مجال حقوق الانسان لكان وجوده كوجود اتاتورك بالنسبة إلى تركيا. لم لا، فالذي يغّير معادلات مهمة كانت بمثابة خطوط حمراء بالنسبة إلى السياسة التركية، يستحق هذا اللقب... فهو الوحيد الذي استطاع ان يعين لرئاسة مجلس الامن القومي التركي شخصاً مدنياً، كما استطاع ان يكسب المواقف الاوروبية، إذ غالبية الدول الاوروبية قالت ان دخول تركيا الى الاتحاد الاوروبي مفيد لأوروبا قبل ان يكون مفيداً لتركيا

إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "

العدد 764 - الجمعة 08 أكتوبر 2004م الموافق 23 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً