العدد 766 - الأحد 10 أكتوبر 2004م الموافق 25 شعبان 1425هـ

ابتسم فقط!

عبير إبراهيم abeer.ahmed [at] alwasatnews.com

«ابتسم في وجهي تكسبني»... إنها دعوة مني لتأمل هذه العبارة كلمة كلمة وربطها بكل مرادفات لغتنا العربية الموءودة وبيانها الساحر الذي فقدنا الإحساس به... وقبل أن ينفر مني جمع من الناس أريد ان أوضح أن هذه الدعوة ليست محاولة لإعادة إحياء اللغة، بل لغرض في نفس يعقوب ربما يكشفه الآتي من السطور... المطلوب خمس دقائق فقط أو أقل فالكل في عجلة من أمره وأنا أعلم ذلك... خمس دقائق لقراءة هذه الجملة البسيطة ومن ثم أغمض عينيك واجعل حروفها تدور في خلدك وتسقيك من معينها... خمس دقائق انس فيها من تكون وفكر فقط في فحوى هذه العبارة وفيما ستدسه في رأسك من أحاسيس قد تغير الكثير من طباعك لتقل لنا بعدها: ها أنا ذا...

قيل منذ زمن «الابتسامة في وجه أخيك المؤمن صدقة»... صدقة لن تقتطع من رواتبنا التي بالكاد تسد رمق جوعنا... صدقة لن يتوسلها منا أحد فنمنحه القليل من جيوبنا وعلى وجوهنا ترتسم أشد ملامح التذمر... صدقة سنكتسب من ورائها الكثير... ليس أجرا من رب العالمين فحسب، بل كل الدراسات العلمية تؤكد ما للابتسام من فوائد على عضلات الوجه وعلى نفسية وصحة الإنسان عموما.

ولكن يبدو أن البحث عن هذه «الابتسامة» في هذه الأيام مضن ومهمة شاقة لا تعادلها أية مهمة! تذهب إلى أحد محلات «السوبر ماركت» الكبرى والمشهورة، كونك تبحث عن أحسن بضاعة وأحسن خدمة وطبعا أحسن سعر... وعند «الكاشير» تواجه بقفا رجل، إن ساء حظك وتكرم ورفع رأسه والتفت إليك ستلعن اليوم الذي شاء فيه قدرك أن تتوجه إلى هذا «الكاشير» تحديدا من دون غيره! وجه عبوس ملامحه تجعل فرائصك ترتعد خوفا ورعبا وكأنك أمام وحش كاسر... ولولا خوفك هذا وليس حاجياتك التي اشتريتها لـ «شلت عليه» وفررت خارجا!

وعند رجوعك إلى البيت بعد رحلة تسوق أول الشهر والتلذذ ببقايا معاش (وهو للتو داخل في حسابك) ما شاء البقاء في الجيب يومين و«الكاشير» في هذه المرة فتاة تعمل في سوبر ماركت آخر... كنت قد كتمت غيظك وغضبك من طريقة تعاملها مع أشيائك التي ستدفع فيها دم قلبك، ولكنك «خزيت إبليس» وسكت عل الأمور «تعدي على خير»... ولكن عند وصولك إلى المنزل طارت كل الحسنات التي اكتسبتها من جراء كظمك لغيظك وكلما أخرجت شيئا من بضاعتك التي شريتها للتو من ذلك السوبر ماركت أنزلت بتلك المحاسبة ستين لعنة وشتيمة... فالزجاجات كسرت والخبز أخذ غطسة فيما كانت تحويه تلك الزجاجات والمعجنات التي شممت رائحتها فسلبت لبك، فقدت معالمها فلم تعد تطيق حتى النظر إليها فما بالك بأكلها!

هذه القاعدة لا تنطبق فقط على محلات السوبر ماركت وإنما قد نجد لها ألف شبيه ومثيل في كل واجهة نتوجه إليها... المطاعم... الشركات... محلات الألبسة أو الأحذية... المقاولات... كل مكان... وكأنك تشحت منهم بضاعة هم من مص ثمنها «وزود» براء!

ولا أخفيكم القول فأنا من الناس الذين تجذبهم الابتسامة ولو كنت سأخسر من ورائها الكثير... وهذا ما حصل فعلا في أحد محلات الأحذية حين قوبلت بابتسامة عريضة وكلمات حلوة لطيفة من البائعة هناك جعلتني أبتاع حذاء لم تتزين به رجلي إلا مرة أو اثنتين بالكثير، والسبب ابتسامة! وفي محل آخر لم أجد ما أنوي شراءه إلا عنده وعلى رغم «طلاع عيني» على ما لديه فإني خرجت هاربة من دكان صاحبه الذي فارق الذوق والابتسام وزرع مكانهما غليظ الكلام وأشر «تكشيرة».

وأظننا إزاء فقدنا لفن الابتسام بحاجة إلى دورات مكثفة بجميع فئاتنا ومستوياتنا ومناصبنا لكي نكسب ولا نخسر... وهذا مقترح أرجو تبنيه من وزارات الدولة جميعها وليس فقط وزارة العمل... فالابتسامة رحمة... الابتسامة نور... الابتسامة ستكسبك قلوب أشد الناس صرامة وعنجهية... وكم من مدرس حبب تلاميذه في مادة ثقيلة الدم لمجرد رحمته عليهم بابتسامة حانية... وكم تجارة ربحت بسبب حسن معاملة الزبائن واستقبالهم بابتسامة تنم عن ذوق رفيع... وكم من رئيس كسب قلوب مرؤوسيه وضمن إنتاجيتهم العالية في العمل لمجرد ابتسامته في وجوههم والتخلي قليلا عن ترفع السلاطين وكبرياء الرئاسة! لا شيء أكثر ولا أكبر... فقط... ابتسم.

مع القراء

كم أستغرب من بعض الأسماء المستعارة التي يطلقها بعض القراء على أنفسهم، فغالبيتها تحمل كثيرا من الحزن وأحيانا كثيراً من الشؤم وأخرى لا تخلو من ظرافة لطيفة أو غنج ودلع تجعلك «تبتسم»... والأخرى تتخفى وراء حجاب خوفا من سياط الجلادين وسيوف الجبارين... Dark Angel, Sad Bird, Farfoora الطير المذبوح، القلب الجريح، مواطن غيور... وألقاب فيها من الفخر والاعتزاز بالانتماء إلى قبيلة أو عائلة معينة... ولا شك أن لكل أسبابه ولكل دوافعه ولكل إحساسه وشعوره ولكني أعتذر لأصحاب الألقاب المستعارة هذه وغيرها إن لم أتمكن من نشر مساهماتهم في حال عدم تزويدي بالأسماء الحقيقية وأرقام هواتفهم... فالقانون قانون وللصدقية في هذه الصحيفة مكانة تعلو على رؤوس الكل... ومرحبا بكم من دون قناع

إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"

العدد 766 - الأحد 10 أكتوبر 2004م الموافق 25 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً