العدد 792 - الجمعة 05 نوفمبر 2004م الموافق 22 رمضان 1425هـ

قانون التجمعات عنوان لمشكل سياسي

البرلمان «أداة»... والحل في «تفاهم» بشأن التظاهرات

عباس بوصفوان comments [at] alwasatnews.com

.

أحيل مشروع القانون بشأن الاجتماعات والمسيرات والتجمعات بصفة مستعجلة من طرف الحكومة إلى مجلس النواب. ما يعني وجوب إعطاء مزيد من الأولوية للمشروع المقيد للحريات. وفي الأحوال العادية، فإنه يجب أن تعطى المؤسسة التشريعية، أصلا، «الأولوية في المناقشة دائماً لمشروعات القوانين والاقتراحات المقدمة من الحكومة»، كما تنص المادة (81) من الدستور.

وصفة «الاستعجال» لم ترد في الدستور فيما يتعلق بمشروعات القوانين، لكنها وردت في الشئون المالية، كما جاء في المادة (87)، التي تنص على أن «كل مشروع قانون ينظم موضوعات اقتصادية أو مالية - وتطلب الحكومة نظره بصفة عاجلة - يتم عرضه على مجلس النواب أولا ليبت فيه خلال خمسة عشر يوما، فإذا مضت هذه المدة عرض على مجلس الشورى مع رأي مجلس النواب إن وجد، ليقرر ما يراه بشأنه خلال خمسة عشر يوما أخرى، وفي حال اختلاف المجلسين بشأن مشروع القانون المعروض، يعرض الأمر على المجلس الوطني للتصويت عليه خلال خمسة عشر يوما، وإذا لم يبت المجلس الوطني فيه خلال تلك المدة جاز للملك إصداره بمرسوم له قوة القانون».... وهي مادة لا تخلو من تعسف، وخصوصا أن الحكومة تستخدمها على نحو سيئ، كما فعلت قبل نحو عامين حين أحالت مشروع موازنة العامين 2002 - 2003 وفق هذه المادة، ثم سحبتها تحت ضغوط الرأي العام والنواب.

ولأن الدستور لم يعالج صفة الاستعجال في مشروعات القوانين، فقد عالجتها اللائحتان الداخلية لمجلسي الشورى والنواب، اللتان أعدتهما الحكومة. وتنص المادة (97) من لائحة النواب على أن «يعرض الرئيس (خليفة بن أحمد الظهراني) على المجلس مشروعات القوانين المقدمة من الحكومة أو التي اقترحها الأعضاء وقامت الحكومة بصياغتها (...)، للنظر في إحالتها إلى اللجان المختصة، ما لم تطلب الحكومة نظر المشروع على وجه الاستعجال أو يرى رئيس المجلس أن له صفة الاستعجال، فيحيله الرئيس إلى اللجنة المختصة مباشرة...». وهو النص ذاته تقريبا الوارد في اللائحة الداخلية لمجلس الشورى، المادة (96).

إلى ذلك، فإن النصوص المذكورة لا تحدد مدة معينة لمناقشة المشروع وإقراره في المجلسين، كما فعلت المادة (87) من الدستور، أو مواد اللائحة الداخلية لكل مجلس، (87)، (88)، (89)، والمتعلقة بالتعديلات الدستورية، والتي حددت مددا واضحة للإقرار... ما يعني أنه من الناحية النظرية فإنه يمكن لمجلس واحد لو أراد، أو للمجلسين لو أرادا، أن «يماطلا» في تمرير مشروع التجمعات المعروض حاليا، عبر أخذ مدد طويلة في نقاشه تحت دعاوى أو أخرى، ذلك أن مفهوم الأولوية هنا ضبابي وغير محدد بوقت ملعوم، لكن التمطيط حيلة لا تخلو من تعسف، وتشبه الحيل الحكومية التي تعطل قوانين المجلسين، والمستندة إلى تفسير غير منطقي للمادة (92) من الدستور.

أما بشأن ما ورد في المادة (110) من لائحة النواب، والتي تنص على أن «للمجلس قبل أخذ الرأي على مشروع القانون بصفة نهائية، إذا كانت قد أدخلت على نصوصه تعديلات بالجلسة، أن يحيله إلى اللجنة المختصة لتبدى رأيها بالاشتراك مع لجنة الشئون التشريعية والقانونية أو مكتبها في صوغ وتنسيق أحكامه. وعلى اللجنة المحال إليها المشروع أن تقدم تقريرها في الموعد الذى يحدده لها المجلس»... فإن هذه المادة تحدد وقتا في الإحالة الثانية، وليس الإحالة الأولى، بحسبما يفهم من النص.... وفي هذا مجال مناورة واسعة للأعضاء المنتخبين والمعينين، يمكن الاستفادة منه بعرض المشروع على النقاش العام، من دون إخلال بالضوابط، كما تفعل الحكومة، ذلك أن الموضوع في الواقع يتعلق بمشكل سياسي وليس قانونياً، كما سأشير لاحقا.

إلى ذلك، فإن المتحمسين للقانون داخل السلطة التنفيذية ومؤيديها في الصحافة وفي المجلسين، لن يكونوا في حاجة إلى تحديد مدة لانجاز تقرير اللجنة المختصة، بالنظر إلى تشكيلة اللجنة التي أحيل إليها المشروع، وهي لجنة الشئون الخارجية والدفاع والأمن الوطني في مجلس النواب، المعنية «بدراسة جميع الشئون المتعلقة بالأمن الداخلي، ومكافحة الجريمة، وأمن الدولة الخارجي». وهي اللجنة التي تسيطر عليها كتلة المستقلين، المحسوبة على الحكومة، إذ تضم أربعة من أصل سبعة «مستقلين»، هم رئيس اللجنة أحمد بهزاد، ونائبه عبدالله خلف الدوسري، إضافة إلى محمد إبراهيم الكعبي، ومحمد فيحان الدوسري، وهؤلاء سيؤيدون المشروع بالنظر إلى مواقفهم التقليدية، وقد سبق أن أعلن النائب عبدالله الدوسري نيته تقديم مقترح برغبة لوضع ضوابط للتجمعات والمسيرات، سحبه يوم أعلنت الحكومة إحالتها المشروع الحالي إلى النواب.

أما أعضاء اللجنة الآخرون فهم: أحمد حسين عباس، وعباس حسن سلمان، وكلاهما محافظان سياسيا، يأمل أن يقفا ضد القانون، بيد أن ذلك تمن ليس إلا... أما العضو السابع في اللجنة النائب محمد آل الشيخ فسيقف ضد المشروع، والأمل كبير أن يكون قادرا على أن ينقل للرأي العام ماذا يحاك في اللجنة ضد حقوق الناس.

لذلك، فإن احتمالات أن تعد اللجنة المذكورة تقريرا لصالح المشروع مرجح، في ضوء مواقف كتلة المستقلين التي يقال إن أطرافا رسمية مررت من خلالها مشروع قانون الجمعيات السياسية السيئ الصيت، والذي واجه انتقادات حادة من المؤسسات السياسية الحزبية، وتكتل الديمقراطيين (عبدالهادي مرهون، عبدالنبي سلمان، يوسف زينل)، الذي اعتاد أن يقود تحركا في المجلس ضد هكذا قوانين.

وفضلا عن لجنة الشئون الخارجية، سيحال مشروع القانون أيضا إلى لجنة الشئون التشريعية، المعنية «بالنظر في مشروعات القوانين ومطابقتها لأحكام الدستور»، ويرى متابعون أن بإمكان اللجنة التشريعة أن تلعب دورا مناهضا للمشروع، كونه يصطدم مباشرة بالنصوص الدستورية، ولا يمكن قبوله أبدا. وتتكون هذه اللجنة من ثمانية أعضاء، ويرأسها عضو جمعية الأصالة السلفية النائب حمد المهندي الذي يتوقع أن يكون ضد القانون، فهو رجل «نظامي، وملتزم»، لكنه قد يكون مضطرا لاتخاذ مواقف مهادنة إذا ووجه بضغوط من قبل جمعيته المحافظة. أما أعضاء اللجنة الآخرون، فهم رئيس كتلة المنبر الوطني الإسلامي صلاح علي ونائبه في الكتلة عبداللطيف الشيخ، وهما في الغالب يتفهمان المخاوف الحكومية الأمنية، كما «الأصالة»، ولا يعرف إن كانا سيؤيدان المشروع المقيد للتجمعات، بيد أن الوقوف ضده أمر غير متيسر. كما تضم اللجنة النواب: فريد غازي، ويوسف زينل، وعبدالله العالي، وهؤلاء يمكن الجزم بأنهم سيقفون ضد المشروع الحكومي، فيما سيبقى موقف العضو الثامن في اللجنة علي السماهيجي محل تأرجح، فهو سيكون مضطرا لأن يأخذ في الاعتبار مواقفه التقليدية الميالة إلى الحكومة، بيد أنه رجل حذر، و«يعرف من أين تأكل الكتف»، وليس من السهولة أن يعطي رأيا نهائيا من دون فحص ماذا سيجني من ثمار.

ولما كان مجلس النواب ذا غالبية محافظة، فإن احتمال توافر 21 عضوا للوقوف ضد القانون أمر غير متيسر بسهولة، فيما يأمل متابعون أن يجري المجلس تعديلات جوهرية على النصوص السيئة التي اقترحتها الحكومة، فهذا من صلب اختصاصات الغرفتين، بيد أن ذلك غير متيقن حصوله أيضا.

أما الغرفة المعينة، فإن احتمالات وقوفها ضد القانون غير وارد، في ظل تشكيلة محافظة، تسيطر عليها جمعية الميثاق بنحو 15 مقعدا، وهي الجمعية التي يقال إنها تأتمر بآراء السلطة. بيد أن شعورا يراود متابعين بأن موقف بعض أعضاء الشورى قد يكون أفضل من موقف كثير من المنتخبين، وهو شعور لا يخلو من صدقية، إذ بينما تبنى المجلس المعين مواقف مساندة للحريات، حين قدم مقترحات ذات صبغة «ليبرالية» على صعيد الصحافة والجمعيات... فإن مجلس النواب تجاهل في الغالب القضايا التي تؤرق السياسيين وعموم النخبة المثقفة.

ويتساءل كثيرون عن إمكان أن يعقد المجلس الوطني جلسة خاصة لمناقشة القانون، إذا اختلفت الغرفتان مرتين في صوغ نصوصه. ويبدو ذلك مستبعدا، وستشتغل السلطة على تفاديه. وحتى إذا اجتمع المجلسان، فإن احتمالات رفض المشروع لا يبدو واردا، إلا وفق سيناريو تقوده الحكومة نفسها لأهداف أو أخرى، من بينها تأكيد استقلالية المجلسين... ومن دون هذا السيناريو يصعب توفير أكثر من 40 صوتا لرفض المشروع.

وإذا كان رفض المشروع مستبعدا ضمن حال الاحتقان الحالية، فإن هذا يستبعد كليا أي حل للمجلس المنتخب، بما يستبعد كليا تكرار سيناريو العام 1975، فالفارق كبير جدا بين تركيبتي المجلسين، وقد نقل عن جلالة الملك غير مرة التزامه بعدم اللجوء إلى خيار حل الغرفة المنتخبة.

وبحكم التركيبة المختلة هذه، وحتى من دونها، فإن مراقبين يعتقدون بأن جوهر الإشكال ليس قانونيا، بل سياسي، ولا يتعلق بإمكان أن يقف المجلسان ضد المشروع، فهذا أمر متعسر، في ظل واقع محتقن كهذا، بل كان مجلس النواب هو من طالب بإجراءات ضد المتظاهرين في بيانه قبل نحو أسبوعين، ويمكن ملاحظة أن مجلس الشورى أصدر بيانا في الأسبوع الذي يليه، ما يعني أن نوابا منتخبين هو المبادرون في التصدي لما يعتقدون أنه استفزاز للسلطات، وكأنهم يتحدثون باسمها.

... نعم هكذا هي اللعبة، وعلى من يعنيهم أمر وقف مشروع كهذا أن يبحثوا عن حل المشكلة في موقع آخر، بعيداً عن الغوص في النصوص القانونية التي لا يختلف على سوئها. وأن يدخلوا في تفاهم مع السلطة التي تعتقد بأن المعارضة أساءت استخدام إطلاق حرية التعبير.

في الجوهر، يبدو المشكل سياسي، ويتعلق بقلق السلطات من التظاهرات التي سيرت أخيرا، والتي تمكنت الحكومة من استغلالها بصورة بشعة للتقييد على الحريات، بيد أن هذه هي السياسية، وتعتقد الحكومة أن الفرصة سانحة لتسجيل أهداف بالجملة، ما دامت المعارضة غير مدركة بأنها تهيئ السبل لأطراف حكومية لن تتردد في التراجع إذا حان الحين... وربما يكون مطلوب من الجمعيات المعارضة إعلان رؤيتها للمظاهرات، تأخذ في الاعتبار مخاوف الحكومة، عل ذلك أن يكون بديلا للقانون الذي هو في جوهره «أداة ابتزاز»

العدد 792 - الجمعة 05 نوفمبر 2004م الموافق 22 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً