العدد 802 - الإثنين 15 نوفمبر 2004م الموافق 02 شوال 1425هـ

الطائفية لا تؤسس للديمقراطية

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

«انظروا... هذه هي الديمقراطية... نواب يتشاجرون دوماً كما في مشاجرات الأحياء ويثيرون انقساماً طائفياً وفتنة»، «هذه هي الديمقراطية التي تريدون... اعتصامات ومسيرات وتطاول في الهتافات»... «اختناقات في الشارع جراء صدام بين متظاهرين وقوات الشرطة قلبت حال آلاف من الناس تصادف وجودهم في الشارع في تلك الساعات».

«انظروا الى هذا المجلس ونواب الشعب كيف يديرون شئون الشعب والتشريع... صراخ وانفعال وسباب ونعوت... بئس الديمقراطية».

كم واحدا من بين 450 ألف بحريني يردد مثل تلك العبارات؟ كم واحدا منا يردد هذا بينه وبين نفسه وأحيانا يعلنه على الملأ...؟ لقد وضعت العبارات بين مزدوجتين لأنها ليست كلماتي، وفي خلفية هذا المشهد يبرز جدول اعمال مزدحم واولويات تتطلب كل ما نملك من امكانيات علمية وعقلانية وصبراً وجلداً لانجازها: فقر، تطوير للاقتصاد، مكافحة البطالة، خطط اعمار... اي بعبارة اخرى امامنا المستقبل، لكن ماذا يجري؟ هل هذه هي طريقتنا واسلوبنا في الوصول الى مستقبل أفضل؟

ما هي أداتنا ووسيلتنا؟ لأولئك الذين سيلحظون انني لم اضع القضايا السياسية في قائمة الاولويات، اعيد تذكيرهم بأن السياسة أداة في النهاية وبأن الديمقراطية هي قانون السياسة الذي ارتضيناه، لذلك فهي وسيلتنا واداتنا لادارة جدلنا السياسي. لكن نديره من اجل ماذا؟. ماهي الوجهة؟ ما هي الغاية القصوى؟ الى اين نسير؟.

هذا السؤال لا يرد طبعاً في ذهن أحد لأن من الواضح ان الوجهة لاتزال مجهولة. واذا كان كل منا يملك تصوره الخاص للمستقبل، فان هذا ليس مشكلة بحد ذاتها لكن المشكلة أن يصبح هذا التصور حصريا وذا طابع واحد ولون واحد وبعد واحد وليس تصوراً تعددياً. هل اقتربتم من المشكلة؟

كيف يمكن صياغة مستقبل فيما كل منا يملك تصوره للمستقبل الذي لا يتسع لغيره؟. تصور طارد للآخر المختلف حصرياً وليس تعدديا. تصور ينحو لضبط حياة الناس بالمسطرة وبالدقيقة ويرسم له جنته الخاصة التي لا يدخلها سواه؟.

في خطاب ما، فان مفردة «المواطن» لن يكون لها معنى الا «الشيعي» الذي لا ينظر للآخرين من مواطنيه الا باعتبارهم اصحاب امتيازات وانه الضحية. وفي خطاب آخر هو «السني» الذي اصبح يفكر ويتصرف وكأن تعبير مواطنيه «الشيعة» عن انفسهم جعله يشعر بأن الاصلاحات ستأتي على حسابه. ولنلحظ بحصافة أن كل مغالاة من هذا الطرف او ذاك تغذي بعضها وتغذي هذا المنطق. وفي خطاب ثالث هو مواطن بكل معنى الكلمة فوق هذا التقسيم الطائفي، لكن تساميه اصبح مهددا بأن يكون هو ضحية هذه الروح الطائفية التي باتت تطغى على كل شيء.

الا تشعرون بالضيق ونحن نتعامل بمنطق الطوائف هذا منذ ثلاثة أعوام؟ الا تشعرون بأننا نسير نحو الهاوية بعد ان جعلنا المنطق والمنطلق الطائفي نعيش حالة من الاحتراب الكامن في النفوس؟. حالة الاحتراب الكامن هذه هي التي تفسر اسباب الاندفاع السريع لدى النواب للشجار والمعارك الكلامية.

أداتنا هي الديمقراطية، لكن الديمقراطية ليست نبتة سحرية ويتعين علينا بداية ان نحسن استخدام هذه الأداة لأن ما يجري الان هو اننا نسيء استخدام الاداة واحيانا نبتذلها. اسألوا انفسكم بداية: هل انتم مقتنعون بالديمقراطية اساساً؟. هذا جواب وليس سؤالاً مع ما نراه من ميل الحكومة المتزايد إلى الانتقاص من الحريات عبر القوانين المبنية على حالات شاذة واستثنائية وميل بعض النواب الى تقييد الحريات ايضا بالدوافع نفسها.

الديمقراطية لن تجدي طالما اننا لم نتفق على اركانها الاساسية التي يجب ألا يتعداها احد:

- احترام الحريات شاملة الحريات الشخصية وهذا معناه ان نكبح النوازع الايديولوجية او الدينية التي تنحو الى فرض نمط واحد على الناس في حياتهم. ان نكف عن تقديم ذلك النوع من الافكار الذي ينحو لضبط حياة الناس وفق تصورات ايديولوجية خاصة بنا. احترام وصيانة حرية التعبير، وهذا معناه ان ندافع عن حق الآخرين في التعبير عن وجهات نظرهم وان نترك الحكم للناس، لا ان ننحو الى سن قوانين مقيدة لحرية التعبير مثل قانون الصحافة والنشر ومشروع قانون الجمعيات ومشروع قانون التجمعات. وان نتخلى عن ذهنية «التكفير» و«التخوين» لكل صاحب رأي مخالف. حرية التعبير لا تمس طالما انها تتم بشكل سلمي.

- احترام القانون وترسيخه، وهذا يقتضي تغيير كل القوانين المعيقة وسن قوانين جديدة ترسخ مبادىء الديمقراطية وتتيح الطريق للتطور وليس قوانين مقيدة للحريات ومعيقة.

- الاحتكام لصناديق الاقتراع.

- احترام حقوق الانسان شاملا احترام حقوق التنوع العرقي والثقافي والديني.

ليست الحكومة وحدها المطالبة بكل هذا، بل التيارات السياسية والمجتمع المدني بأسره. لكن هل تشعرون بأن هذا قائم بيننا الآن؟. بالتأكيد كلا، لأن كل ما افرزه المنطق الطائفي هو ان اختزلنا جميعاً وردنا الى هويات اصغر وجعل الجميع يشعر ان البحرين لم تعد تتسع سوى للتعصب من كل الاشكال والانواع، الطائفي والديني والايديولوجي طالما ان ممثلي الشعب ونواب الشعب الذين ترنو اليهم ابصار الناس يمارسون هذا التعصب على الهواء مباشرة ويعبرون عما يجري في المجتمع بأسره بأكثر الاشكال فجاجة ويدفعون الناس كلهم إلى وضع ايديهم على قلوبهم خوفاً ويأساً. ويدفعونهم للتبرم بالديمقراطية نفسها.

ان عقدنا الاجتماعي يبدو ناقصا طالما انه اختزل نفسه في اذهان الكثيرين في الولاء للشرعية السياسية فحسب بين شعب البحرين (بكل طوائفه وأديانه وأعراقه) والاسرة الحاكمة الكريمة في ملكية دستورية. دستورية مملكتنا لن تكتمل من دون «عقد اجتماعي يصون الحريات واركان الديمقراطية الاساسية» وترسيخ معنى المواطنة بعيداً عن الايديولوجيا وجناتها

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 802 - الإثنين 15 نوفمبر 2004م الموافق 02 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً