العدد 805 - الخميس 18 نوفمبر 2004م الموافق 05 شوال 1425هـ

عرفات بين يدي ربه... والقضية بين أيدي خلفائه

حميدة القيسي comments [at] alwasatnews.com

خمسة وسبعون عاما قضاها الزعيم الفلسطيني التاريخي ياسر عرفات بين المعارك والبنادق والمفاوضات والتسويات، إذ هيمن عرفات بشخصيته القيادية على الكثير من مراحل الصراع العربي الإسرائيلي، ثم رحل القائد إلى جوار ربه من دون أن يُحقق أياً من تطلعاته بإقامة دولة فلسطينية ولو على جزء يسير من الأرض المحتلة.

وربما لا تكون تلك المرة الأولى التي يرى فيها أبوعمار الموت بعينيه، فقد واجه الكثير من الأزمات والظروف الحالكة في الأردن وبيروت، وقبل ثلاث سنوات... الحصار الخانق في رام الله ولم يخرج من تحت هذا الحصار إلا لرحلة علاجية إلى باريس ليعود بعدها جثمانه إلى مقره من دون أن تعرف الأسباب الرئيسية لوفاته، فقد عجز الأطباء عن ترجيح أي على آخر، مع انتفاء إصابته بسرطان الدم انتفاءً تاماً، واحتمال تعرضه لتسممٍ أدى إلى تكسر في صفائح دمه، وهذا وارد جداً حتى مع نفيه من قبل بعض المسئولين. وبصرف النظر عن ذلك النفي، فإن المؤكد أنه حدث شيء غير عادي لعرفات أدى إلى رحيله، وهذا ما يفسر عدم ذكر الأطباء سبباً محدّداً بعينه. وفي كل الأحوال فإن الأعمار بيد الله وحده وكل نفس ذائقة الموت.

غادر عرفات دنياه تاركاً فيها دروساً للكثير من القادة والزعماء، وترك خلفه سلطة فلسطينية عجزت في حياته عن إدارة الصراع بصورة ناجعة، فكيف بعد مماته؟ فالقيادات التي رافقت الرئيس عرفات خلال مسيرته التاريخية ليست على اتفاق ووفاق تام، وإنما هي متنازعة ومتصارعة في غالبية الأحيان، وليس الخلاف - والخلاف الحاد داخل السلطة ومنظمة التحرير - جديداً على المشهد الفلسطيني وإنما هو مشهد يتكرر بين فترة وأخرى، وكاد يفتك أحياناً بالسلطة ومكانتها لولا تدارك الأمر في اللحظات الأخيرة. ولم يحدث ذلك إلا بعد ممارسة واشنطن وحلفائها ضغوطاً هائلة على الرئيس عرفات الذي عين رئاسة للوزراء في الشهور الأخيرة من حياته.

ومن المؤكد أن تلك الضغوط لن تنتهي بموت الرجل الأول وإنما ستزيد حدتها وقد تمارس بطرق مختلفة، ولا سيما مع التباين والخلاف المعلن وغير المعلن بين القادة الجدد وهو ما ستسعى واشنطن وتل أبيب إلى استغلاله. وهذا ما يجب على خلفاء عرفات تداركه قبل فوات الأوان، فالرئيس الراحل كان مسيطراً على الكثير من المراكز والمناصب، فهل يمكن لهؤلاء الخلفاء شغل المكان الفارغ كما كان يشغله سلفهم؟ إن هذا غير متوقع، فهم لا يتمتعون بشعبية قوية في الشارع الفلسطيني، والكثير منهم ليسوا من الشخصيات الجاذبة، والأكثر من ذلك أن بعضهم متهم بالفساد المالي أو الإداري الذي فشل رئيس السلطة الراحل عن إيجاد حلول عملية له.

كل هذا وأكثر يجري على المسرح الفلسطيني فيما يدفع الشعب وحده ووحده فقط ثمن أخطاء القيادة ومسئوليها. إنه الشعب الذي ينقسم إلى عدة فصائل وألوية كل واحد منها يتبع النهج الذي يريد، على رغم الإجماع المطلق على غاية التحرير، ومن هنا يأتي دور القيادة الفلسطينية في إدارة الصراع، إذ تبدو الفصائل الشعبية هي الرائدة لأنها تنبع من داخل الشعب نفسه وتعبر على الأغلب عن رأي الفلسطينيين، إلا أننا لا يمكن أن نبعد القيادة عن إدارة الصراع فهي مسئولة مسئولية مباشرة عن ذلك ولا يمكن أن يتحقق أي نصر من دون قيادة محنكة واعية تحتضن المقاومة وتضع برنامجاً سياسياً استراتيجياً، فإن كان عرفات أجاد فن المعاملات السياسية والإعلامية، فيجب على خلفائه أن يجيدوا كيفية الوصول إلى الحلم الفلسطيني بالتحرير وإقامة الدولة المستقلة، وهذا لا يعني طبعاً أن يحمل كل منهم سلاحه ويشهره في وجه الإسرائيليين وإنهاء المفاوضات والعملية السلمية، وإنما يعني الصمود في المفاوضات قولاً وفعلاً، وعدم تقديم المزيد من التنازلات التي لن تزيد الإسرائيليين إلا تجبراً.

هاجر محمد رؤوف القدوة المعروف بـ «ياسر عرفات أبوعمار» وأصبح من مشاهير رجال التاريخ، بعدما اقترن اسمه باسم فلسطين، وموته وانتقاله إلى جوار ربه أفضل بكثير من موته سياسياً بإقصائه عن خريطة السياسة الفلسطينية

العدد 805 - الخميس 18 نوفمبر 2004م الموافق 05 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً