العدد 818 - الأربعاء 01 ديسمبر 2004م الموافق 18 شوال 1425هـ

العجز الديمقراطي

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

على رغم الصخب والضجيج المتعالي في كل مكان من بلادنا العربية بشأن ضرورة الاصلاح والديمقراطية، فإن ما تم إنجازه أقل بكثير مما كان يبشر به. والأمر شبيه بـ «زفاف» عريس إلى عروسته، وبعد كل الاحتفالات والصخب والمهرجانات، فإن الزواج لايحدث اساسا، ولا تتكون الاسرة، او انه شبيه بألعاب الأطفال الذين يمثلون دور الطبيب بأدوات تشبه أدوات الطبيب، ولكن الحال هي أن الألعاب انما هي للهو واللعب من دون ان يكون هناك ناتج حقيقي.

البعض يطرح أن الحديث عن الاصلاح ازداد في الفترة الأخيرة بسبب الضغط الخارجي (ولاسيما الأميركي) المسيّس، والذي يتحدث دائماً عن ضرورة الإصلاح حتى لو كان من الخارج، ولذلك ومن اجل امتصاص هذا الضغط تقوم بعض الحكومات بالمناورة من خلال الضجيج الديمقراطي المصحوب بـ «عجز» شامل يحبط أية محاولة لتنفيذ واحدة من الوعود التي يتم اطلاقها بين الحين والآخر لإصلاح الأوضاع.

رأي آخر يقول إن العجز ليس سببه «مناورة الحكومات»، وانما سببه عجز القوى السياسية والاجتماعية عن القيام بدورها المأمول منها. فكثير من هذه القوى «تحنطت»، تماماً كما تحنط عدد غير قليل من المسئولين، وأصبح الأمر شبيهاً بمتحف شمعي أو متحف يذكرك بما جرى في أيام خلت، مع فارق هو ان المتحف لا يضر البشر بقدر ما يضرهم المتحنطون الذين يحاولون تجميد الزمن.

رأي ثالث «مركب» يتحدث عن خليط من الأسباب، بعض منها يتعلق بما ذكر أعلاه، وبعض منها يتعلق بقلة الخبرة لدى مؤسسات الحكم والمجتمع. فحتى لو كانت النية صادقة باتجاه الإصلاح، فإن هناك تاريخاً طويلاً من أسلوب للحياة يتناقض في كل تفاصيله مع ما تذكره الأطروحات الإصلاحية. ومع انعدام الخبرة تنعدم الفرصة نحو الاستفادة من الفرص المتاحة لتوسيع هامش الحرية الذي يتوافر بصورة حقيقية، كما هو حالنا في البحرين.

الرأي المركب ربما يعبر عن حالنا بشكل أدق، ومعالجة الأمور لا تتم على أساس قوالب بيضاء وسوداء وإنما بألوان مختلطة، نتقدم خطوات ونتراجع أخرى، على أمل ان يكون عدد الخطوات إلى الأمام أكثر من عدد الخطوات التراجعية.

«كيف ندخل في صميم العمل السياسي نحو الإصلاح من دون السماح بالتراجع الى الوراء؟» هو السؤال الأهم في هذه الفترة. وبغض النظر عن التنظيرات في الدستور أو في أي شيء آخر (على رغم صحة كثير منها)، فإننا أمام واقع يتحرك على الارض. هذا الواقع يقول اننا اكتسبنا حقوقا وحريات عدة بفعل الممارسة، مثل حق التنظيم السياسي العلني وحق الاجتماعات السلمية وحق التعبير عن الرأي وانتقاد الجهات الرسمية وحق التنقل من دون مصادرة لجواز السفر وحق العيش في المنزل بأمان من دون زوار للفجر وحق المحاكمة العلنية. هذه الحقوق لم تكن لدينا قبل العام2001 بالشكل الموجود حالياً، وقد اكتسبها شعب البحرين بسبب التحولات التي مررنا بها. وعليه فإن المهمة الأولى لكل العاملين من أجل الإصلاح هي المحافظة على الحقوق «المكتسبة» وعدم السماح لاية جهة، ولاسيما البرلمان، بإلغائها تحت أي عذر من الاعذار. إننا اذا لم نواجه الحرية التي تحاول إرجاعنا إلى الوراء فإن «العجز» الديمقراطي سيتحول إلى «فحولة» دكتاتورية

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 818 - الأربعاء 01 ديسمبر 2004م الموافق 18 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً