العدد 837 - الإثنين 20 ديسمبر 2004م الموافق 08 ذي القعدة 1425هـ

حديث السياسة

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

كم مواطنا يتابع باهتمام شديد قمة قادة دول مجلس التعاون؟ إذا كان العدد كبيرا أم متوسطا أم صغيرا فإن هذا لن يُحدث أي فرق، ولقد آن الأوان لكي نعي أن الاهتمام بالسياسة ليس ميزة إضافية تُحسب لأي شعب.

لنرَ المسألة على نحو آخر.

كم أوروبياً صوت لصالح العملة الأوروبية الموحدة؟ في كل الدول الأوروبية لم تتجاوز نسبة المشاركة في الاستفتاءات التي جرت على العملة الأوروبية الموحدة نسبة 50 في المئة، إن لم يكن اقل من ذلك. وفي كل الانتخابات التي تجري في تلك البلدان لا تتجاوز نسبة المشاركة 35 في المئة. الحال نفسه في أميركا على رغم كل الاهتمام والتركيز الإعلامي المصاحب لهذه الانتخابات. هل يعني هذا آن الأوروبيين سذج ولا يفهمون في السياسة، أم أن عزوفهم عن السياسة ليس سوى تعبير عن تفكير بدأ يسود في تلك المجتمعات غداة الحرب العالمية الثانية؟

من هذا المفصل، يمكننا أن نلحظ أن الأوروبيين الذين اكتووا بنار حربين في مطلع القرن الماضي وثلاثيناته، أسقطوا من حساباتهم كل تلك القيم التي سادت في فترة ما بين الحربين. من بين أهم ثمار هذا التحول كان تغير النظرة إلى السياسة باعتبارها المسئولة عن كارثة الحربين. ومن ذلك الوقت وحتى اليوم، تشكل وعي الأوروبيين عموما على النظر إلى السياسة باعتبارها ميدانا لا يستثير الاهتمام إلا فيما يمس الحياة اليومية. في جزء من هذا التحول، يمكن ملاحظة أن تراجع الاهتمام بالسياسة يعني تراجع الايدولوجيا في السياسة. هذا يفسر على الأقل نهوض التيارات الجديدة في الحياة السياسية الأوروبية في أواخر السبعينات منذ ما قبل نهاية الحرب الباردة، أعني تحديدا التيارات التي تعبّر عنها «أحزاب الخضر».

على أية حال، دعكم من هذا كله. كان يكفي فقط أن تأتوا إلى المركز الصحافي لكي تروا كيف أن الصحافيين الذين كانوا يتابعون أخبار القمة هم أنفسهم الذين كانوا يتسمرون أمام شاشات التلفزة لمتابعة مباراة عُمان والبحرين على القدر نفسه من الاهتمام. فالإثارة الوحيدة التي كانت ممكنة ومتاحة هي الهتاف مع حركات اللاعبين وهجمات الفريقين وأهدافهما.

ليس عيباً أن نرى أن الاهتمام بالسياسة يتراجع، فهذا ليس مدعاة لأي قلق من أي نوع، بل على العكس لربما يكون أحياناً علامة على صحة نفسية مطلوبة بشدة لدينا أمام هذا الميل المتأصل لتسييس كل شيء.

قارنت الحال مع أوروبا، فهل يحتاج الأمر أن نمضي أكثر في المقارنة؟ الحروب؟ عشنا ثلاثاً منها في أقل من عقدين. وعلى ضفاف هذا الخليج، شهد العالم أطول حرب في التاريخ المعاصر عدا ما تشهده هذه المجتمعات اليوم من إرهاصات تغيير وإصلاح مؤجل منذ زمن طويل.

إن في الأمر مفارقة، يقال إنه إذا كانت الأموال متوافرة فلن يجد الناس سبباً للاهتمام بالسياسة، والعكس أنه إذا صدمتنا أرقام الاحصاءات الاقتصادية وأطلّت الأزمات برأسها يبدي الناس مزيداً من الاهتمام بالسياسة. لكن الحال هي نفسها، وهذا إذا كان قد يقودنا إلى شيء فسيقودنا إلى النتيجة نفسها. الناس تريد الحياة الكريمة والعيش الحسن وليس بالضرورة عبر الاهتمام المبالغ به بالسياسة. لا تخطئوا مرة أخرى عندما تظنون أن من لا يتحدث في السياسة لا يفهم السياسة، بل العكس لربما كان الصامتون أكثر حصافة في فهم السياسة وتقلباتها من عشرات المحللين

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 837 - الإثنين 20 ديسمبر 2004م الموافق 08 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً