العدد 84 - الخميس 28 نوفمبر 2002م الموافق 23 رمضان 1423هـ

إطلالة حركة عربية ديمقراطية جديدة!

نادر كاظم comments [at] alwasatnews.com

.

في سياق الانهيارات والتراجعات التي تعاني منها مجتمعاتنا العربية ومظاهر الاستبداد ومصادرة الحقوق والحريات، واتساع رقعة التخلف والركود، ومع توالي التطورات العالمية على المستويات الفكرية والاقتصادية وانعكاساتها على هويتنا وعلى ثرواتنا، تداعت مجموعة من الأحزاب والمنظمات القومية العربية وبعض الشخصيات البارزة والفاعلة على ساحة العمل السياسي العربي، لإطلاق حركة ديمقراطية جديدة لتفجير طاقات المجتمع الكامنة لمواجهة التحديات التي تواجه الأمة.

وعقدت المجموعة المكونة من خمسين شخصا اللقاء التحضيري الأول في بيروت في الفترة ما بين 30 و31 أكتوبر/تشرين الأول 2002، برؤية ضرورة أن تتمثل هذه الحركة روح المقاومة التي أظهرها الشارع العربي نحو الانتفاضة الفلسطينية والشعب العراقي في مقاومة التدخل والعدوان الأميركي والصهيوني.

وعلى الصعيد الفكري والثقافي تنادت إلى حتمية وضع فكرة لمشروع نهضوي عربي تقوده حركة سياسية جديدة تنشد التغيير، مع تأكيد ضرورة المراجعة النقدية والتحليل. وإلى عقم البنية الفكرية العربية الراهنة بسبب مؤسسة الاستبداد التي تتآكل فيها رغبة التجدد والتحول، وإن إخفاقها في النهوض والتنمية والتحرر سببه الأساس هو الإخفاق في بناء الديمقراطية. ودعت إلى ضرورة إعادة النظر في أضرار الأيديولوجيا المغلقة ومخاطرها التي تحجب العقل وتنفي الحرية، وتكريس مبدأ التمذهب في التاريخ العربي الإسلامي الذي كرس المذهب ضد العقل ومع الأتباع ضد الإبداع.

إن إحدى مهمات الحركة النهضوية الجديدة هي تحرير العقل العربي وإعادة الاعتبار إليه، وشرط هذا التحرير هو تضييق مساحة المقدس، وشرط هذه الحركة السياسية للخروج من الهزائم والإحباطات هو الاجتماع العربي بطليعة تقرأ الحاضر وتبلور مهمتها السياسية التاريخية ببعد فكري وثقافي، وتشارك شعوب الأمة العربية في تفكيك الاستبداد في العقل، واختراق هذه البنية بعصر جديد يستمد أساسياته من عصر النهضة العربية الإسلامية بكل منجزاتها الفكرية والحضارية.

أما على الصعيد الاقتصادي - الاجتماعي فقد حلل المجتمعون مخاطر العولمة الجديدة التي أسموها بـ «العولمة النيوليبرالية» في وقت تحظى فيه البشرية بكل المقدرات العلمية والتكنولوجية البالغة التطور، في الوقت نفسه الذي يفتقد فيها العالم العدالة والمساواة. وفي سياق التطورات التقنية وسهولة الاتصالات ، تتسع الهوة باطراد ما بين الأثرياء والفقراء، وما بين الدول المتطورة والمتخلفة.

والعولمة تعيد إنتاج الاستقطاب الطبقي - الاجتماعي الحاد على الصعيد العالمي، وتعيد تشكيل المجتمعات بما يخدم متطلبات الرأسمالية العالمية. وهي في ذلك تستخدم مؤسساتها مثل صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية والسوق المالية العالمية لزيادة أزمة المديونية التي تؤدي إلى نهب هذه البلدان، وتعزيز عوامل التبعية والارتهان، وتعميم مبدأ «اقتصاد السوق» والخصخصة الشاملة، فالدولة تنسحب من كل نشاط اقتصادي واجتماعي وتفرض ذلك عن طريق القوانين والتشريعات التي تفرضها منظمة التجارة العالمية بالتواطؤ مع الطبقات الحاكمة والإكراه من خلال المؤسسات الدستورية.

هذا الواقع يفرض على الشعوب العربية التحالف مع القوى المناهضة للعولمة «النيوليبرالية» في الدول الرأسمالية والانخراط في النضال العالمي ضدها، وتوحيد الجهود للخروج من المأزق والتصدي لكل مؤسسات امبراطورية العولمة.

أما في الجانب السياسي الاستراتيجي فإن بروز ما أسمته «امبراطورية العولمة المتوحشة» يعزز متلازمتين من المتغيرات هما: توحيد اقتصاد فوقي للعالم، وتفتيت سياسي تحتي يسهل السيطرة على العالم وإدارته لصالح شبكات الرأسمالية. فبعد انهيار الثنائية القطبية العالمية، تسعى الولايات المتحدة إلى إعادة تشكيل الأنظمة الإقليمية وكياناتها السياسية جغرافيا ووظيفيا بما يخدم أهداف سيطرتها. فنلاحظ ما فعلته في أوروبا الشرقية وخصوصا يوغوسلافيا وافريقيا إذ انتشر الخراب والبؤس والصراعات الإثنية والقبلية، وما تبعه لما يسمى «نظام الشرق الأوسط» وماهية السلام الأميركي لفلسطين والحرب على العراق، وحل مشكلة جنوب السودان والمعنى الأميركي «لحقوق الأقليات العرقية والإثنية والدينية والطائفية في تقرير المصير». وأخطرها ما يهدد الهوية العربية في الخريطة الجديدة للشرق الأوسط.

وتم التطرق إلى «شرعية» الكيانات العربية القائمة في مرحلة المتغيرات العالمية والتي هي موضع سؤال وشك، وبالتالي هي غير قادرة على البقاء، خصوصا بعد سقوط دور الأمم المتحدة بوصفها مرجعية للشرعية الدولية. وعليه فإن منحى المتغيرات في المنطقة يتقرر وفق موازين الصراع العربي، من جهة، والمشروع الأميركي الصهيوني من جهة أخرى، لذلك يبقى شعار الوحدة العربية ضرورة تفرضها حقائق الحاضر والمستقبل والرؤية إلى مسائل الأمن القومي والتنمية والتحرر. والنظام الرسمي العربي غير كفء بتحمل المسئولية بسبب تخلفه وابتعاده عن الشعب وتنكره للديمقراطية وحقوق الإنسان. أما المعارضة العربية وتشكيلاتها القائمة فهي تعاني التخلف في بنيتها ورؤيتها والضعف والاغتراب عن الشعب والتبعية. ولذلك لابد من قيام حركة تحرر شعبية جديدة لتملأ الفراغ وتضع مشروعا عصريا للتحرر والتقدم والوحدة وتطور آليات وإطارات عملها وتشرك الطاقات الشعبية في خدمة هذا المشروع.

انتهى اللقاء التحضيري الأول بعد مناقشات مستفيضة تشكلت على إثرها لجنة متابعة مؤقتة تضم ممثلين عن لبنان ومصر وفلسطين والمغرب والأردن والبحرين وسورية، مهمتها استكمال الدعوات والحوار عن وثيقة الإعلان السياسي ومحاور الميثاق العربي الجديد والتحضير للمؤتمر التأسيسي المزمع عقده في 23 يوليو/تموز 2003. على ان تتنقل هذه اللجنة إلى كل الساحات العربية والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة، وأن تتركز الحوارات على مبادرات ملموسة ومحددة تستجيب للتحديات، مع تأكيد ألا تكون هذه الحركة مجرد بنية جديدة تضاف إلى البنى السياسية والتنظيمية الأخرى.

وفي الإعلان السياسي الختامي أكد المؤتمرون ضرورة أن تتمتع الحركة بأفق يتسع لإقامة أوسع التحالفات مع القوى والحركات المناهضة للعولمة، ونسج علاقات جديدة مع القوى الحية في الأمة الإسلامية خصوصا تلك التي حققت نجاحات وإنجازات على صعيد التطور الاقتصادي والتكنولوجي مثل ماليزيا واندونيسيا. والغاية هي النضال لبناء دولة اتحادية ديمقراطية عربية لها علاقة بإقامة سوق عربية مشتركة تجسد القاعدة لبناء التقدم الاقتصادي والتكنولوجي للأمة. ولابد أن تتمثل هذه الحركة كتلة تاريخية جديدة تتكون من كل القوى الطبقية والفئات الاجتماعية صاحبة المصلحة في تحقيق الاستقلال وحرية القرار السياسي والاقتصادي بعيدا عن التبعية الأجنبية، وكي تستعيد موقع الأمة العربية العالمي من جهة وتمارس دورها القيادي في الدائرة الإسلامية والعالمثالثية.

وأكد الإعلان ضرورة أن تقود هذه الكتلة التاريخية نخبة عربية شابة واعية تبني توجهاتها على التخطيط العلمي الدقيق في المجالات المؤسساتية والسياسية والتنظيمية. ومن الضروري الوعي بطبيعة المعركة الراهنة والمخاطر التي تتهدد الأمة عبر البوابتين الفلسطينية والعراقية، لذلك على الحركة أن تتبنى هدف تدمير المشروع الصهيوني وتأكيد استحالة أية تسوية معه على قاعدة استعادة كامل فلسطين وكل شبر من الأرض العربية. وأن تولي أهمية بدور النفط العربي في تعزيز صعود العولمة وضرورة العمل على حرمان الإمبريالية الأميركية منه وتحويله إلى سلاح في يد الأمة.

إن قراءة سريعة لما سبق تدعونا إلى التأمل في طبيعة المتغيرات والحراك الذي يدور في مجتمعنا المحلي، فهو ليس بمنأى عن المخاطر التي تتهدده وعن تأثيرات العولمة وقواها المتمثلة في أميركا والكيان الصهيوني، لذلك فإن الواقع يتطلب أن نعيد القراءة والتحليل والتقييم ليس باجترار الماضي وتكرار مآسيه، إنما بالنظر إلى الحاضر والمستقبل، وهذا يستدعي تجديد أفكارنا بما يضمن تعزيز قدراتنا كشعوب على مقاومة أشكال القهر والاستبداد كافة، والقضاء على مكامن النهب والفساد من أجل البناء والتنمية التي تنشدها الأمة. والتجديد لن يأتينا عندما نتقوقع في مؤسساتنا ونخاف المطالبة بالحقوق والدفاع عن الوطن أو انتظار التسوية... أو حتى الاحتماء بأفكارنا السابقة. قد لا نتفق على التفاصيل، لكننا بالتأكيد نتفق على تعزيز هويتنا العربية والنضال ضد العدوان الأميركي الصهيوني، ونتفق على أن الفقراء في الأرض العربية لابد أن ينالوا حقوقهم، وأن يتنفسوا الحرية والديمقراطية. لنقرأ ونتحاور من منطلقات المشترك... نعززها، فالمسائل الخلافية حلها دائما بالحوار الديمقراطي، فالمنعطف التاريخي يفرض علينا تأدية رسالة جادة صادقة، تجاه شعوبنا وأمتنا المقهورة

إقرأ أيضا لـ "نادر كاظم"

العدد 84 - الخميس 28 نوفمبر 2002م الموافق 23 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً