العدد 843 - الأحد 26 ديسمبر 2004م الموافق 14 ذي القعدة 1425هـ

التمييز ضد العاملات البحرينيات يخرق الدستور والميثاق

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

السجال القائم بين إدارة شركة خدمات مطار البحرين الدولي (باس) ونقابة الشركة، والدائرة رحاه حول القرار الصادر عن إدارة الشركة في الأول من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وهو على ما يبدو فاجأ الجميع وأفزع بعضهم لاحتمال خسارة وظيفته ومصدر رزقه.

نقول إن هذا القرار تعبير عن ارتداد إلى النهج القديم، والسيناريو المتكرر الذي اعتادت عليه إدارات بعض الشركات والمؤسسات، ركام من مخلفات الماضي، ينسى ويتناسى المتغيرات التي طرأت على مجتمعنا. فقرار الشركة الجديد يتجاهل النقابة ويصدر تعليماته من دون علمها وينص صراحة على منع توظيف أقارب العاملين بالشركة، كما يرفض الزواج من داخل الشركة، وتخيّر المتزوجين منهم الذين يعملون لديها على تنازل أما (الزوج أو الزوجة) عن العمل في الشركة، في غضون فترة لا تتجاوز اسبوعين، وإلاّ ستتخذ الإدارة إجراءات فصل الزوجة تلقائياً من العمل! هل يعد قرار «باس» تمييزاً يمارس ضد المرأة العاملة؟ أجل وبلا أدنى شك، أمر كهذا يجعل المرء يرتاب ويتساءل عن ثلاثة أمور:

الأول: ما نص عليه دستور البحرين في المادة (18) من الباب الثالث: «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة». إلى ذلك فإن اجراء «باس» يخرق الدستور وميثاق العمل الوطني ويتعارض مع الحقوق والحريات العامة المكفولة للمرأة العاملة، ويتعاطى التمييز عند التعامل ما بين النساء والرجال، حتى في أدنى حقوق العمل.

الثاني: له علاقة بالبند (63) في الباب التاسع لتشغيل النساء من قانون العمل في القطاع الأهلي، والذي تنص مادته على أنه «لا يجوز لصاحب العمل فصل العاملة بسبب الزواج أو أثناء تمتعها بإجازة الحمل والولادة. ويصدر وزير العمل والشئون الاجتماعية قراراً بالمهن والأعمال التي يجوز فيها لصاحب العمل تغيير مهنة العاملة بسبب الزواج». والمهم هنا، سؤال الشركة عن مدى جدوى تطبيق القانون واعتباره مرجعية ضابطة لإيقاع العلاقة ما بين العامل وإدارات الشركات والمؤسسات في القطاع الخاص، فكما هو واضح ان «باس» تخالف قانون العمل والأعراف المتبعة وترمي ببعضها في سلة المهملات وتدوس الأخرى تحت أقدامها، ليس لأمر إلا لكونها تتعارض مع مصالحها الخاصة. هذا الوضع تسبب في إثارة حنق العاملين والعاملات وهمش من دور النقابة وجرّدها من ممارسة دورها وتحمّل مسئوليتها في البحث والتشاور في الشئون المصيرية لمن تمثلهم من العاملين والعاملات. أيضاً خرق التزام الدولة تجاه المواثيق الدولية في مجالات العمل والتوظيف، فضلاً عن الخرق الفاقع لمبدأ المفاوضة والشراكة المتفق عليه بين طرفي الإنتاج المتمثل في إدارة شركة «باس» ونقابة عمالها وعاملاتها.

الثالث: بشأن التزام مملكة البحرين بتطبيق بنود اتفاق القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة التي أبرمتها منذ عامين، إضافة إلى جهودها مع مؤسسات المجتمع المدني لمناهضة التمييز، كونه - أي التمييز - يتعارض وما جاء في ميثاق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والشرعة الدولية الساعية إلى تحقيق المساواة في الحقوق ما بين الرجل والمرأة طبقاً لنصوص الميثاق والمبادئ وضمان تلك المساواة في حق التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية، وباستخدام كل الوسائل والجهود. فتعريف اتفاق «السيداو» لمصطلح التمييز ضد المرأة صريح في المادة (1) وينص على أن «أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره وأغراضه توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو أي ميدان آخر، أو توهين أو إحباط تمتّعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، بصرف النظر عن حالها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل». أما ما جاء في البند (11) من الباب الثالث من الاتفاق، في الفقرة (2/ أ) فهو انه «يحظر الفصل من الخدمة بسبب الحمل أو إجازة الأمومة والتمييز في الفصل من العمل على أساس الحالة الزوجية، مع فرض جزاءات على المخالفين».

إن جل ما يقلق النساء هو أن التمييز مايزال يمارس وعلى نطاق واسع، ولا أدل على ذلك من إجراء إدارة شركة «باس» في تخيير المتزوجين والمتزوجات العاملين لديها بتنازل أحدهما بالاستقالة، الزوج أو الزوجة عن عمله في الشركة، في فترة معينة وإلاّ ستتخذ إجراءات فصل الزوجة تلقائياً من العمل! ماذا يعني هذا؟ ببساطة يعني فصلاً تعسفياً غير مبرر، يعني تمييزاً ضد المرأة، فالخيار لم يحدد بناء على الكفاءة أو الأقدمية أو أي معيار من المعايير المتبعة عالمياً في التوظيف، إنما استند على جنس الموظف، هذا ذكر وهذه أنثى، وعليه فالأفضلية للذكر على حساب الأنثى، والأسباب نمطية وتقليدية معروفة، إن الرجل هو الكفيل والمسئول عن أسرته، ومن المعيب أن يجلس الرجل بالبيت، والمرأة هي التي تعمل، ومكان المرأة البيت وليس العمل، وإن النساء يأخذن فرص الرجال في العمل... إلخ من المبررات التي ملت نساء البحرين العاملات من سماعها عند تمرير التمييز الوظيفي ضدهن!

في هذا الصدد أيضاً، ننبه إلى أن بنود اتفاق «السيداو» هو بمثابة قانون، وخرق بنوده يتعارض وما جاء في دستور المملكة في المادة (37) التي تؤكد على ان الاتفاقات التي تبرمها الدولة حسب المشرع لها حكم القانون في التطبيق: «... ويكون للمعاهدة قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها في الجريدة الرسمية». وعليه فإصرار «باس» على تنفيذ قرارها هو انتهاك صارخ للدستور وقانون العمل والمواثيق الدولية التي تحث على مبدأ المساواة في الحقوق واحترام كرامة الإنسان، ويعد عقبة أمام مشاركة المرأة على قدم المساواة مع الرجل في جميع أنشطة الوطن، ويعوق من نمو ورخاء المجتمع والأسرة، ويزيد من صعوبة مشاركتها في التنمية المستدامة. نعم فشركة «باس» ترتكب فعلها في عز النهار وعلى مسمع ومرصد من الحكومة. وإذ نكرر ونستذكر هذه البنود مراراً وتكراراً فهو لغرض تذكير النساء بأن لهن حقوقاً دولية محفوظة، ولتذكير الآخرين بالتزاماتهم التي وقعوا عليها ولم ينفذوها، فعلى رغم التحفظات على بعض بنود «السيداو»، إلا إن ما تم التوقيع عليه واضح وصريح، ويخضع للجزاءات.

إلى هنا، ثمة ما يستوجب استخلاصه، وهو كثير، أبرزه الآتي:

شركة «باس» تحتاج لمراعاة دستور مملكة البحرين، وقوانينها وتشريعات العمل فيها خصوصاً ما تعلق منها بتشغيل النساء وقراءتها بتعمق ومسئولية ومقاربتها مع قراراتها ولوائحها الداخلية المنظمة للعلاقة فيما بينها وبين عمالها وعاملاتها، من دون إغفال وجود النقابة ومشاورتها، فهي بالأول والأخير الممثل الشرعي عنهم أجمعين!

إلى من يتبصر أكثر في الإشكالية الدائرة، سيتوصل بالتأكيد ودون ريب إلى أن إدارة «باس» مازالت تعيش الزمن الماضي، وتتعامل في إدارتها للشركة وكأنها إقطاعية خاصة، ما يحتم على مسئولي الشركة المرور بورش عمل ودورات تدريبية مضمونها الاتفاقات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والعمل والعمال واتفاق مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة «السيداو» وغيرها، فقرار تخيير الموظفات ما بين الاستقالة أو الفصل من العمل، له ما يقابله من نص الاتفاق الذي يجرم صراحة التمييز ولا تراوغ في مساءلته.

الدولة وهي الرافعة ليل نهار لشعارات براقة كالشراكة والتمكين والمساواة وغيرها، بحاجة إلى القيام بمراقبة ومحاسبة أصحاب هذا القرار ومن يخرق القوانين والتشريعات، على اعتبار أن للشركات وإدارتها قوانين وأنظمة تحكمها، والكل من اللازم أن يقع تحت ناظور هذه المساءلة والمراقبة والمحاسبة.

أن تعي شركة «باس» وتتذكر واجباتها تجاه تحقيق جملة من المطالب العمالية، وتحسين أوضاعهم المعيشية وألاّ تتلكأ في التفاوض مع نقابة الشركة، إذ يبدو أن إدارة «باس» وبما اتخذته من إجراءات قد لفتت الأنظار إليها، فهناك الكثير مما يقال، ويطالب بفتح ملفاته بشأن المحسوبية والفساد والتقصير والتمييز وغياب العدالة، في دعم العمالة الوطنية وتوظيفها وتدريبها وفسح المجال لها في المراكز القيادية استناداً إلى مبدأ الكفاءة والقدرات، والخبرة والاختصاص، وإبعاد شبح البطالة عنهم فلا أسوأ من ظروف يمر بها الإنسان حينما تهدر فيها كرامته وأمنه في لقمة العيش والعمل.

كل مؤسسات المجتمع المدني، الجمعيات السياسية، البرلمانيون، الشوريون والشوريات، المجلس الأعلى للمرأة، النقابات العمالية، الوزراء، وكل من له الغيرة على مملكة القانون ودستورها، وليس الجمعيات النسائية فقط، مدعوون لمساندة الخطاب الاحتجاجي والضاغط الذي بادرت وبمسئولية جمعية أوال النسائية بتدويره للضغط على إدارة الشركة وللتراجع عن إجرائها التعسفي والتمييزي بحق العاملات البحرينيات وإلغائه، فموقف «باس» كما يشير الخطاب يعد سابقة خطيرة تتعارض مع روح المواطنة والقوانين والتشريعات التي تحفظ كرامة الإنسان وتحقق المساواة في الحقوق والواجبات ما بين الرجل والمرأة، علاوة عن انتهاك الدستور والأعراف الدولية

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 843 - الأحد 26 ديسمبر 2004م الموافق 14 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً