العدد 851 - الإثنين 03 يناير 2005م الموافق 22 ذي القعدة 1425هـ

سليم الحص... نموذجا

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

في البحرين اليوم شخص قادم من لبنان يدعى سليم الحص. وفي يوم ما كان يسبق اسم هذا الرجل مسمى أو لقب رسمي خلاب: "دولة الرئيس".

من نائب لمحافظ بنك لبنان المركزي الى رئاسة الوزارة التي تقلدها في احلك سنوات لبنان إبان الحرب الأهلية. كما تقلدها غير مرة بعد الحرب وغالبا في اللحظات التي تحتاج الى توافق. هكذا تقول السيرة الذاتية، لكن الا تحفزكم مفردة "التوافق" هذا لمعرفة المزيد عن هذا الرجل؟ أي لماذا يكون سليم الحص هو رجل التوافق وخصوصا اذا كان البلد المعني بالحديث هنا يسمى: لبنان.

في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام ،1989 كنت في مكتب صحافي لبناني صديق في بيروت، فاذا بجرس الهاتف يرن ويستغرق مضيفي في حديث قصير على الهاتف. اغلق السماعة والتفت الي قائلا: هل تعرف من كان المتحدث؟ انه رئيس الوزراء الحص. يستعد لزفاف ابنته وهاتفني اليوم ليذكرني بمبلغ استدنته منه لتأسيس هذا المكتب. كان صديقي مذهولا أكثر مني عندما قال: غير معقول هذا الرجل، هذا انظف رجل في لبنان وأكثرهم نزاهة.

ولاولئك الذين تستوقفهم الأرقام، فان المبلغ كان من التواضع بحيث يجعلني اتردد في تدوينه: نحو 50 ألف ليرة في وقت كانت فيه اصغر شطيرة تباع في مطاعم بيروت بنحو 2000 ليرة.

وإذا ما وضعنا جانبا كونه متحدرا من عائلة بيروتية "سنية"، لم يأت الحص الى كرسي الوزارة كاحد الزعماء الاقطاعيين ولا كزعيم حرب، بل حملته الى كرسي الوزارة مؤهلاته وقدراته ونزاهته. برهن على ذلك اثناء تقلده المنصب في احلك سنوات الحرب الأهلية في لبنان وكاد ان يدفع الثمن من حياته. ففيما كانت بيروت تغرق في الظلام اثناء الحرب وكانت محطة الكهرباء الرئيسية في القسم الشرقي منها، طلب بعض أعضاء الحكومة اقامة محكة كهرباء ثانية في بيروت الغربية لكن الحص عارض ذلك بقوة معللا ذلك بان هذا تكريس للتقسيم. اتخذ ذلك الموقف في وقت كان الأمل بانتهاء الحرب يكاد يكون أقرب للمستحيل، لكن الرجل برهن على نظرة ثاقبة وبعيدة المدى برفضه مكسبا جزئيا لصالح حل مستقبلي لكن صعب.

هل بدأت اتحدث عن هنا؟ اعني عن البحرين؟ حفزني حضور الحص بشكل لا ارادي على المقارنة. المقارنة التي شعرت انني منقاد اليها ولم اخترها. نائب محافظ البنك المركزي ومن ثم رئيس وزراء لكنه لم يحظ باي امتياز من أي نوع، لا من المنصب ولا من سنوات الخدمة فيما بعض نوابنا قلقون على تقاعدهم وعلى ضمانهم الصحي وأعضاء مجالس بلدية يطالبون بجوازات سفر دبلوماسية. عندما تم طرح مسألة الضمان الصحي للنواب تذكرت مشهدا تكرر امامي اكثر من مرة: احد وكلاء وزارة المالية كان يقف في طابور مركز مدينة عيسى الصحي مع باقي المرضى. وتذكرت ان المرحوم جميل الجشي توفي وهو ينتظر دوره مع باقي المرضى في طوارىء السلمانية.

واذ اتذكر مواقف الحص من التقسيم وايمانه بالحلول البعيدة المدى وان كانت صعبة، اتذكر كل تلك الحلول السهلة التي ترددت اصداؤها تحت قبة البرلمان ولاتزال حتى اليوم: عيدية، بونس، مكرمة، مساعدات. واتذكر اكثر من هذا واخطر منه: ففي الوقت الذي كان فيه الحص يتحمل اعباء بلد في حال احتراب اهلي وصراع شرس مع "اسرائيل" ووسط دائرة ضغوط هائلة، كان يرفض عقلية الاحتراب والتجزئة والتطييف المذهبي. لكننا نحن هنا ونحن لسنا في حال احتراب اهلي، فان جل ما نسمعه ونراه ونعايشه هو تلك الاقتراحات والحلول المبنية على حال احتراب كامنة وتقسيم مناطقي ومذهبي ومقاييس ما انزل الله بها من سلطان: نصفا لكم ونصف لنا والشفافية والعدالة تقاس بالاسماء والكم، كم من الشيعة وكم من السنة.

يبدو حتميا أيضا عندما نتذكر ان الحص رجل التوافق في لبنان لان جميع اللبنانيين من مختلف طوائفهم يحترمونه ويحترمون نزاهته، وجب علينا ان نهز رؤوسنا اسفا عندما نرى ان بلادنا تفتقد حتى اليوم لمثل هذا النوع من الرجال، أي زعماء لكل البحرين وليس لتيار أو طائفة أو جماعة أو منطقة

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 851 - الإثنين 03 يناير 2005م الموافق 22 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً