العدد 874 - الأربعاء 26 يناير 2005م الموافق 15 ذي الحجة 1425هـ

اللغة الكردية هي السائدة... والمناهج عراقية... والناس أليفون

موسم الهجرة العراقية إلى الشمال

عصام فاهم العامري comments [at] alwasatnews.com

.

قرر منذر الفيصل ان ينتقل من بغداد إلى السليمانية في شمال العراق، فهو اليوم يعمل في احدى الجامعات الاهلية التي أنشئت في بداية العام الدراسي الجاري. يقول: "كنت في بداية الامر مترددا في قرار الاستقرار في السليمانية وترك العاصمة، ولكن فرصة العمل المناسبة الوحيدة التي حظيت بها جعلتني أحزم أمري وأترك العاصمة بعد ان قضيت فيها أربعة عقود".

ويتابع: "في البداية واجهت مشكلتين، الأولى تتعلق بالتكيف واللغة الكردية إذ كنت لا أجيدها، ولكني الآن اتعلم بعض المفردات ولا اواجه حاليا مشكلة كبيرة بهذا الصدد. أما المشكلة الثانية فهي ايجاد منزل للسكن مع عائلتي، وهنا ايجارات المنازل مرتفعة نسبيا قياسا بمناطق العراق الاخرى، فالمنزل المتوسط يصل سعره إلى 800 دولار شهريا، ولكن الجامعة تساعدني في تحمل ما يعادل نصف ايجار المنزل".

والفيصل اكاديمي، درس التاريخ وقضى اكثر من نصف عمره في اروقة الجامعة بين دراسته وابحاثه، وتم نقله العام 2002 الى وزارة الخارجية بمنصب سفير وظل يعمل في ديوان الوزارة حتى سقوط النظام السابق. وفجأة ومع قرارات "اجتثاث البعث" أصبح الفيصل من دون عمل، وأصبحت حياة عائلته مهددة بالضياع بعد ان قامت وزارة التعليم العالي برفع دعوى قضائية لاخلاء الدار التي يقيم بها وعائلته والتي تعود ملكيتها الى جامعة بغداد.

حاول الدبلوماسي المستجد والاكاديمي المخضرم ان يعود الى الجامعة ولكنه لم يفلح طيلة السنة والنصف سنة الماضية مع ان اقرانه المشمولين بقرارات الاجتثاث عادوا للجامعة، ولكن لكونه لم يكن محسوبا على الجامعة بعد "اجتثاثه"، لم تستثنه قرارات هيئة اجتثاث البعث التي مازال رئيس حركة المؤتمر الوطني احمد الجلبي يتولى المسئولية فيها. وماكان امام الفيصل الا ان يهاجر الى شمال العراق بعد ان وجد فرصة عمل هناك.

دريد سامي منذ خمسة اشهر في اربيل، وهو يستعد الآن لفتح "سوبرماركت" كبير وسط المدينة، يقول: "إن الحياة هنا مزدهرة وآمنة، وعلى رغم أن اللغة السائدة هنا هي الكردية ولكن الناس هنا يعرفون العربية، وأستطيع التفاهم معهم. كما اني اتعلم اللغة الكردية مع مرور الوقت، على رغم ان اطفالي يتعلمونها أفضل مني".

ولسامي قصة، اذ إنه بعد ان تعرض أحد أولاده لخطف من قبل عصابة ساومته قبل اطلاقه بطلب فدية كبيرة اضطر الى دفعها لتحرير ولده، قرر وعائلته هجر العراق، وتوجه الى الاردن وأقام هناك اربعة اشهر، ولكنه بعد ان امضى هذه الشهور في الاردن غير قراره وعاد، ولكن لم يعد الى بغداد إذ منزله واملاكه التي تضم عقارات وعمارات وشركة تجارة عامة، ولكن الى "هولير"، أي اربيل في اللغة الكردية.

يقول: "على رغم اختلاف اللغة فإنني لم اشعر بالغربة كما شعرت بها في الاردن، كما ان الاولاد لم يجدوا صعوبة في مناهجهم الدراسية إذ المناهج ذاتها كما في المدارس العراقية في أية مدينة، والتدريس باللغة العربية الى جانب الكردية، وبالتالي فهم يتعلمون لغة ثانية تستخدم في وطنهم، والذهاب الى بغداد لا يستغرق وقتا طويلا، أحيانا اذهب الى بغداد واعود في اليوم نفسه".

ومثل الفيصل وسامي، انتقل العشرات من سكان بغداد وربما من مدن اخرى مع عوائلهم الى مدن اربيل والسليمانية ودهوك، فهذه المنطقة تختلف كثيرا عن بقية العراق. فهنا يجد المرء ازدهارا كبيرا في البناء، إذ يمكن رؤية الكثير من المباني السكنية والمستشفيات والأسواق الجديدة. وافتتح اخيرا فندق فاخر بعشرة طوابق في أربيل في أكتوبر/ تشرين الاول الماضي، وهو غالبا ما يكون غاصا بالزبائن الذين يحتلون غرفه البالغ عددها 167 ويبلغ تأجير الحجرة الواحدة في اليوم الواحد ما بين 68 و193 دولارا. كذلك هي الحال مع الأسواق التي تشهد ازدهارا كبيرا.

وإذا كانت أجزاء العراق الأخرى تبقى موبوءة بالعنف فإن المنطقة الكردية تظل هادئة مع الحفاظ على أمن مشدد على يد أعداد كبيرة من ضباط الشرطة الأكراد ورجال البيشمركة. وإذا كان الكثير من المشروعات في أجزاء العراق الأخرى تعاني من التأخير على صعيد تنفيذها فإنها في كردستان تتقدم كثيرا من حيث سرعة التنفيذ.

المؤسسات الخدمية جاهزة وتقدم خدماتها، فبينما مازالت دوائر المرور لا تقوم بنقل ملكية السيارات من شخص الى آخر في بقية أجزاء العراق، فان هذا الامر متحقق في الشمال. كما ان الخدمات الاساسية وضعها أفضل، فعلى رغم ان انقطاعات التيار الكهربائي تشمل كل العراق، لكن نسبة هذه الانقطاعات في مدن كردستان وعموم مناطق الشمال هي اقل مما عليه الحال في مدينة بغداد ومدن الوسط والجنوب العراقي، فلا يزيد معدل الانقطاع اليومي للكهرباء في مدن كردستان عن 8 ساعات يوميا، بينما وصل انقطاع التيار الكهربائي في بغداد خلال الايام القليلة الماضية 22 ساعة يوميا. ربما ازمة البنزين تكاد تكون متشابهة في بغداد ومدن كردستان، في حين ازمة المشتقات النفطية من غاز الطبخ ووقود التدفئة هي أخف وطأة في مدن كردستان.

أما من الناحية الامنية فليس هناك مجال للمقارنة؛ فبينما تزداد وطأة المخاوف الامنية في بغداد إذ ترتفع جرائم السلب والاختطاف في احياء العاصمة، فان مثل هذه الجرائم نادرة ومحدودة في مدن كردستان، وكذلك تفجير السيارات المفخخة هنا نادرة، بينما تكثر في بغداد في الاماكن المدنية المأهولة بالسكان، وكذلك حوادث القتل الخطأ التي تقوم بها القوات الاميركية التي أصبحت مكررة. وما عدا القصف الذي قامت به احدى الطائرات الاميركية لاحد ابنية الاقسام الداخلية لجامعة صلاح الدين في اربيل قبل ايام، لا يتذكر الناس في مدن كردستان مثل هذه الحوادث.

ويتوقع اذا ما ازدادت الاوضاع الامنية سوءا في بغداد والمدن الاخرى ان تنزح عشرات العوائل الى مدن الشمال، يقول سامي: "الناس يريدون البقاء في العراق، ولذلك يفضلون الذهاب الى المدن الآمنة داخله، انهم لايريدون ان يعانوا من مشاعر الغربة فيما لو تركوا بلدهم، فالذهاب الى مدن كردستان تشعر العراقي انه لايزال في موطنه على رغم هجره لمدينته". لكن الفيصل يعلق على ذلك قائلا: "هذا صحيح، ولكن ما يصيبني بالخيبة هو رؤيتي لعلم آخر غير علم العراق في مدن كردستان".

وفي الكثير من المناطق الكردية لا يمكن مشاهدة أي علم عراقي عدا العلم الكردي بألوانه "الأحمر والأبيض والأخضر"، تتوسطه شمس مشرقة، يمكن رؤيته مرفرفا في كل مكان حتى فوق مركز حدودي يقع عند الحدود مع إيران

العدد 874 - الأربعاء 26 يناير 2005م الموافق 15 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً