العدد 886 - الإثنين 07 فبراير 2005م الموافق 27 ذي الحجة 1425هـ

من وحي يوم البيئة الوطني

خولة المهندي comments [at] alwasatnews.com

رئيسة جمعية اصدقاء البيئة

لأول مرة احتفلنا في البحرين باليوم العالمي للأراضي الرطبة قبل يوم البيئة الوطني بيومين. فقد نظمت جمعية أصدقاء البيئة ندوة دعت لها متحدثين معنيين بالأراضي الرطبة في البحرين. تحدثت الجهة الحكومية التي وقعت اتفاق رامسار في 1997 كمتحدث أول، تحدث باحثون متخصصون من جامعة البحرين كجهة بحثية أكاديمية درست خليج توبلي المسجل من ضمن الأراضي الرطبة ذات الأهمية العالمية، كما أن الأمم المتحدة - عبر ممثليها - قد دعيت لتقدم نظرة عالمية عن أهداف الألفية الجديدة وما يتعلق منها بالبحرين وبالمحميات وحماية البيئة وللوقوف عند دراسة مشتركة جرت بالتعاون بين كل من مكتب الأمم المتحدة الإنمائي وجامعة البحرين.

صوت الناس من أهالي أحد مواقع رامسار "الموقع رقم 921" كان عبر صرخات حزن وألم في طيات سرد لارتباط الإنسان البحريني وتراثه وحياته بخليج توبلي عبر السنين في سرد قصصي لبعض الأقاصيص المنقولة عن كبار السن من توبلي، ترسم صورا لدلافين البحر تتوسل أطفال توبلي ليلعبوا معها بينما يمنعهم خوف المجهول من المجازفة. بالإضافة إلى صور لنساء توبلي يغرفن الروبيان من الخليج بعباءاتهن لكثرته.

جمعية أصدقاء البيئة سردت علاقتها بخليج توبلي وتفاعلها معه ابتداء من الخطوات الأولى للتعرف عليه وفهمه ومرورا بمحاولة التعريف به وبقضاياه خصوصا مع طلبة المدارس ووصولا إلى مخاطبة المسئولين والانضمام إلى المطالبة بحمايته.

في هذا الجو الثقافي المتخصص، تداخل في الندوة عدد من المهتمين بشأن البيئة وتحديدا بخليج توبلي. أحد الحضور تحدث عما قدمه خليج توبلي للبحث العلمي والعلماء وما قدمه العلماء لخليج توبلي. وتساءل عن المفارقة بينهما: هل قام العلماء بدورهم في حماية خليج توبلي؟

السؤال من الممكن توسعته وتجزئته إلى ثلاثة أجزاء، لنقول: هل يقوم العلماء بدورهم في حماية البيئة وصون الطبيعة في العالم؟ والسؤال الثاني: هل حماية البيئة وصون الطبيعة من مسئوليات العلماء؟ وثالث أسئلتنا: هل العلم هو الذي يحمي الطبيعة ويصون الموائل؟

العالم هو إنسان متخصص في مجال علمي محدد يدرس ظاهرة أو كائنا أو منظومة حيوية أو موئلا في بيئة ما. هذا العالم "بكسر اللام" يحتاج في العادة إلى بحث مبدئي ليحدد مادة بحثه وعناصره الذي يحتاج كذلك لمراجع وقراءات مستفيضة فيما كتبه من سبقه ويستغرق في ذلك حينا من الدهر في الفهم والتحليل والمقارنة والبحث عن مواطن النقص والخلل ويحدد بناء على ذلك موضوع بحثه وأهميته والإضافة التي ستقدمها نتائجه للعلم.

وعندها يحدد موقع بحثه ويتأكد أنه لا توجد ثمة ما يعوق إجرائه البحث في هذا الموقع وفي الفترات الزمنية المطلوبة. ولربما يحتاج للحصول على تصاريح خاصة أو توقيع اتفاقات قبل أن يسمح له ببدء بحثه.

بعد كل ذلك قد يحتاج إلى مساعدين مدربين وأدوات مناسبة لإجراء بحوثه التي تكون عرضة للتغيير والتعديل بناء على مستجدات العمل الميداني.

بعد ذلك وعندما يحصل على نتائجه فهو بحاجة لتدوينها وتوثيقها وتحليلها ومقارنتها قبل الوصول إلى أية استنتاجات وخلاصات. ثم تأتي مرحلة النشر بعد أن يكون العالم مستعدا للوقوف وراء نتائج بحثه ودعمها.

كل تلك الأمور تحتاج إلى تمويل ووقت وجهد مدرب أو بعبارة أخرى إلى تفرغ للبحث وتوفير جميع أدواته واحتياجاته. وهذه إحدى التحديات المهمة التي تواجه العلماء في كل مكان، فالعالم غالبا يحتاج للعمل ليكسب قوته "حال أي إنسان آخر" وعليه إيجاد تبريرات مناسبة في كل مرة يتطلب فيها التفرغ لعمل بحث علمي. أفضل خياراته - ربما - أن يوزع أسئلة بحثه على طلبته ويوكل لكل منهم البحث في جزئية معينة ليجمع هو نتائج بحوثهم عبر السنوات ويحللها ويقارنها ليخلص منها إلى نتائج يمكن نشرها. وفي مرات كثيرة يحتاج البحث برمته للإعادة بهدف تأكيد النتائج وسد الثغرات العلمية فيه، ما يعني بضعة شهور أو سنوات أخرى قبل الوصول لنتائج شبه أكيدة.

ما الذي يفعله المدافع عن البيئة أو الناشط البيئي؟

يستخدم أكبر مكبر للصوت يستطيع الحصول عليه لإعلام الجميع وتنبيههم ويسعى لدق نواقيس الخطر ويستخدم الترغيب حينا والترهيب أحيانا للدفاع عن موئل مهم على وشك التدمير أو كائن حي في طريقه للانقراض. يجابه الناشط البيئي من قبل أصحاب المشروعات التجارية التي تجد في نداءاته تعطيلا لأعمالها ومن قبل الكثير من المستنفعين من هذه المشروعات من سماسرة ومخلصي معاملات وشركات دعائية وغيرها وأحيانا يجابه من قبل الجهة الرسمية التي أعطت التراخيص لهذه المشروعات لأن نداءاته تظهرها بصورة من لم يقم بدوره. ناهيك عن مجابهات موجهة لشخصه أو المجموعة النشطة التي يمثلها. يجد نفسه أمام هاجس حماية البيئة وهم الخوف والقلق على الثروات المضيعة وضغط الإجابة على أسئلة الإعلاميين وعامة الناس ممن لا يعرفون تفاصيل المشكلة البيئية وليس لديهم وعي مسبق بأهمية الأنظمة الحيوية ومعنى التوازن الحيوي ومسببات ونتائج تغير المناخ. وغالبا ما يحيا حياة قلقة مهددة، وكأن الله سبحانه قد أشركه في مصيبة البيئة التي هو يحميها وينشط في سبيل ذلك، فصار هو البيئة والبيئة هو، وهو دائما على أهبة الاستعداد للدفاع والهجوم والاعتصامات والحملات الإعلامية والمحاضرات واللقاءات الحية ما يجعله في حالة معارك دائمة كجندي نذر حياته لساحة الجهاد عن أي اعتداء يمس البيئة. يتطلب منه هذا الدور الكثير من الوقت والقراءة والاطلاع ليس فقط في مجال البيئة ولكن في مجالات عدة مهمة ليقوم بهذا الدور. يحتاج إلى التدريب "تفنك1" والمراس والاطلاع على تجارب السابقين ويحتاج إلى ترويض عظيم للنفس للتأقلم مع كل الظروف وعدم الاستسلام للإحباط الذي سيحيط به إحاطة السوار بالمعصم مادام نشطا مخلصا في مجال البيئة التي تتعرض للتهديد والتخريب كل يوم وأوضاعها تنتقل من سيئ إلى أسوأ.

متخذ القرار والمنفذ "تفنك2" في الجهة التنفيذية يجب أن يراعي السياسات والتوجهات العامة للدولة "تفنك3" وتعليمات وتوصيات الجهات التشريعية العليا والمؤسسة التي يمثلها، مضافا إلى مراعاة مصالح الجهات المختلفة فضلا عن قناعاته وتكوينه الخاص. في نهاية اليوم، الفعل الذي سيصدر عن المنفذ "كدفن ساحل من أجمل وأثرى السواحل بيئيا" هو الذي سيقرر إن كانت ستتم الاستجابة للمطالبات، وتوقف المشروعات التي تؤذي البيئة أم إن كان سيتم تجاهل الناشط البيئي.

العالم قد يوصل نتائجه للمنفذ أو الجهات التي توجهه فيؤيد مطالب الناشط، وقد يدخل مع المنفذ أو إدارته في اجتماعات لتوضيح الرؤية أو في اتفاقات لإجراء دراسات أخرى.

ثلاثية العالم، الناشط والمنفذ في النهاية تحكمها تفاعلات متعددة ونتائجها الأساسية والجانبية تختلف باختلاف الظروف والقدر الذي أسهم فيه كل عنصر، وأيضا باختلاف الميزات الخاصة لذلك الممثل بالذات عن عناصر مجموعته البشرية ذات التفاعلات المتبادلة.

ختاما، نطلق تساؤلا للتفكير: أي الأدوار أهم في حماية البيئة؟ ما هي أفضل آلية للتفاعل فيما بينها؟ وهل يستطيع العالم أن يقوم بأدوار الناشط البيئي أو المنفذ؟

إقرأ أيضا لـ "خولة المهندي"

العدد 886 - الإثنين 07 فبراير 2005م الموافق 27 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً