العدد 956 - الإثنين 18 أبريل 2005م الموافق 09 ربيع الاول 1426هـ

صحتنا: المقاربة والأولويات

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

اذا أتيحت لنا قراءة السيرة الذاتية لوزيرة الصحة ندى حفاظ، ستطالعنا أربع أوراق مليئة بدورات التأهيل في ميادين عدة من الدورات الطبية المتخصصة إلى برامج الإدارة الصحية إلى النشاطات الكثيرة في الجمعيات والمناصب في وزارة الصحة. انها نموذج للمئات من الكوادر البحرينية من جيل السبعينات الذي بات اليوم يمثل عصب الإدارة الوسيطة والعليا في جهاز الدولة في ميادين عدة.

لكن المهمات التي تنتظر ندى حفاظ أكبر بكثير من تأهيلها الجيد وكفاءتها وتهذيبها الجم وابتسامتها الودودة. وهي هنا لا تختلف كثيرا عن غيرها من المسئولين سوى ان مهمتها أكثر أهمية واكثر جسامة، لأنها مسئولة عن صحة مجتمع باسره. الصحة التي سنحكم من خلالها على ما اذا كان حديثنا عن الازدهار والتقدم والنهضة العمرانية والمكتسبات الحضارية التي تتردد في الخطاب الرسمي هي ذات قيمة فعلا ام انها غير ذات معنى.

فعندما ينتظر نحو 40 مريضا في قسم الطوارئ للحصول على سرير، فان هذه ليست مشكلة طارئة يمكن ان تحل بتدابير عاجلة بل مؤشر لمشكلة حقيقية. والمشكلة تطالعنا بها احصاءات وزارة الصحة نفسها: الاسرة لكل 10 آلاف من السكان حتى العام 2002 هي .28,6 كانت النسبة 28,5 العام 1998 هبطت في العام 1999 إلى 27,4 وإلى 26,2 في العام 2000 قبل ان ترتفع بشكل طفيف إلى 28,2 في 2001 وإلى 28,6 العام .2002

لكن حتى اليوم فإن العبارة الأكثر ترديدا على لسان موظفي مركز السلمانية هي: "لا توجد غرف... لا توجد أسرة". وهذا ليس له سوى معنى واحد هو ان الانجازات مهما كانت ناصعة تتلاشى حتما أمام طوابير المنتظرين من المرضى. إذا هناك مشكلة.

يتعلق الامر دوما بالمفاهيم والمقاربات والسؤال غاية في البساطة: ماذا نريد من الخدمات الصحية؟ ربما تعطينا الارقام شيئا من الاجابة. في العام 1998 بلغ اجمالي المصروفات العامة للدولة 704,5 ملايين دينار منها 57,8 مليون دينار مصروفات وزارة الصحة. وفي السنوات الآتية كانت الارقام كالآتي: 723,8 مليون دينار منها 61,7 مليون دينار مصروفات الصحة في .1999 هبط الرقم إلى 61 مليون دينار مقابل ارتفاع المصروفات العامة للدولة إلى 787 مليون دينار في العام .2000 وفي 2001 ارتفع الرقم إلى 832,8 مليون دينار لمصروفات الدولة مقابل 64,5 مليون دينار مصروفات وزارة الصحة. وارتفع ايضا في 2002 إلى 996,6 مليون دينار مصروفات عامة للدولة مقابل 71,2 مليون دينار مصروفات وزارة الصحة.

ارتفعت المصروفات لكن المشكلة لاتزال قائمة: "لا غرف، لا اسرة". والمرضى يتزايدون طالما ان القانون الطبيعي لزيادة السكان مازال ساريا. وقراءة هذه الارقام والاحصاءات الدقيقة والنوعية لن تقودنا سوى إلى ان هناك خللا ما يتعين فهمه بشكل صحيح، والتعامل معه طالما ان ضغط الاعداد الهائلة من المرضى لا يفعل سوى ان يفاقم محنة المرضى والعاملين في الخدمات الصحية على حد سواء.

المرضى يتزايدون من دون ارادتنا لان السكان يتزايدون والطب سيبقى مهنة جذابة ومربحة ايضا لان الناس مستعدة ان تدفع كل ما في جيبها وتقترض من أجل الحفاظ على صحتها وحياتها. لكن المستشفيات الخاصة ليست هي الحل النموذجي لأن مقاربة السعي للعلاج بحسب الامكانات المادية خطير للغاية، بل هو مدخل التدهور في الخدمات الصحية في اي بلد. فالعلاج ليس سلعة باية حال وصحة المواطن اولى واجبات اية حكومة واية دولة.

اذا كانت الخدمات الصحية في البحرين بدأت بشكلها المؤسسي منذ ثلاثينات القرن الماضي، فاعتقد ان اولى الملاحظات التي تقفز إلى الذهن هي اننا نفتقد لمراكز الابحاث الصحية. كنت على وشك ان اقول ان الوقت قد حان لكي يكون هناك مركز أبحاث طبي وطني لكنني اعتقد اننا تأخرنا كثيرا في ذلك. على هذا اجد ان هذه مسألة ملحة وعاجلة.

لكن المركز لن يحل كل شيء وان كان سيسهم في تقدم الخدمات الصحية بشكل كبير. اعتقد ان الاولويات بحاجة لمراجعة. حتى اليوم فان مفهوم الخدمات الصحية على ما يبدو لي قائم على فكرة: "ليأتي المرضى الينا". اعتقد ان على الوزارة ان تفكر في مفهوم معاكس: "لنذهب نحن إلى المرضى".

هذه الكلمات البسيطة معناها الآتي: تطوير خدمات الصحة الوقائية والرعاية الاولية. ايه بعبارة اخرى لماذا لا نفكر في تطوير المراكز الصحية المنتشرة جغرافيا في محافظات البحرين الخمس إلى مستشفيات متكاملة. نماذج مصغرة لمركز السلمانية الطبي تنهض بكل المهمات التي يقوم بها مركز السلمانية حتى الوقت الحاضر. مستشفيات تتطور بشكل متدرج ومدروس. هذا ليس من شأنه تخفيف اعداد المرضى وتوزيعها من السلمانية إلى المناطق فحسب، بل من شأنه ان يحول السلمانية إلى مركز لعلاج الحالات المعقدة، اي ان يتحول السلمانية إلى مركز طبي نوعي وليس مركزا طبيا يدار بمفهوم التسيير اليومي.

الحاصل الآن ان مركز السلمانية يعمل بكلا الطريقتين: التسيير اليومي وعلاج الحالات المعقدة وهذا هو سبب الارباك الهائل في خدماته والضغط غير المعقول من اعداد المرضى. لم تفلح كل التدابير الاخرى كافتتاح المجمعات الطبية والمستشفيات الخاصة. فأطباء المجمعات هم أنفسهم اطباء السلمانية وهم يستخدمون مرافق مركز السلمانية أيضا والمشكلة هي نفسها بل تتفاقم: المركز الطبي الوحيد في بلد يصل عدد سكانه إلى 650 الف نسمة ومعدل الخصوبة فيه مازال 2,7 في المئة.

تفكرون في أجوبة او احتمالات من قبيل: لكن هذا يحتاج إلى موارد مالية كبيرة؟ انتم محقون وهاقد عدنا إلى الاولويات. ومن الواضح ان مخصصات وزارة الصحة البالغة 7,1 من اجمالي الموازنة العامة للدولة حتى العام 2002 لم تحل المشكلة ولم يبق سوى ان نعيد ترتيب الاولويات في الموازنة ايضا

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 956 - الإثنين 18 أبريل 2005م الموافق 09 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً