العدد 963 - الإثنين 25 أبريل 2005م الموافق 16 ربيع الاول 1426هـ

اعراض جانبية

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

يوم الخميس الماضي وما ان انتهيت من مقال السبت الماضي 23 ابريل/ نيسان الا وكان بريدي الالكتروني يستقبل في اليوم التالي بيانا مرسلا من مركز البحرين لحقوق الانسان يتحدث عن عدم دعوة المركز إلى لقاء الجمعيات الاهلية الذي دعت اليه جمعية البحرين لحقوق الانسان لمناقشة مشروع قانون مكافحة الارهاب.

والى هذا، اكد بيان المركز - رغم العتب على عدم دعوته - تأييده لهذا الاجتماع، واعاد التذكير بأن المركز سبق وان اعلن وبشكل مبكر موقفا مناهضا لمسودة القانون. واضافة إلى ذلك تحدث البيان منتقدا عضوا بالجمعية البحرينية لحقوق الانسان من باب ان العضو كان ينتقد اسلوب عمل المركز فيما مضى، واليوم يقوم هو باتباع الاسلوب نفسه.

ماذا لدينا هنا؟ لدينا بيان من جمعية حقوقية نشطت لفترة من الوقت بطريقتها وأسلوبها وحسب اجتهادات اعضائها، وانتهت الى صدام مع السلطة التي بادرت الى اغلاق المركز، واصبحت القضية الآن في المحاكم. المحاكم التي ستقرر في مشروعية قرار اغلاق المركز من عدمه. للمحاكم الآن ان تقرر وان تفحص الاوراق والدفوع بكل ما توفره القوانين من امكانات للتقاضي، ولكن بالنسبة لنا ولجميع الذين تعنيهم قضية الحريات، فإن اغلاق المركز أمر مرفوض، وخطوة لا يمكن ان تكون مقبولة في ظل التعددية والديمقراطية التي ارتضيناها جميعا. وأول من بادر إلى اعلان مثل هذا الموقف كان جمعية البحرين لحقوق الانسان.

يعرف المهتمون والمتابعون للشأن العام مقدار الخلافات بين المركز والجمعية ونعرف الخلفيات، ولكننا الآن أمام نوعين من السلوك يستدعيان التوقف لصلتهما الوثيقة بما تحدثت عنه في مقال السبت الماضي. الأول هو الموقف التضامني الذي اعلنته الجمعية لدى اغلاق المركز على رغم كل ما يباعد بين الجمعية والمركز من خلافات وتباين لا يخلو من حساسيات شخصية. والثاني موقف يعبر عنه هذا البيان الذي أشرت إليه وخصوصا ذلك الجزء الغارق في المناكفة الشخصية عبر الإشارة إلى أحد أعضاء ادارة الجمعية بالتفاصيل التي تضمنها البيان.

في الموقف الاول التضامني من قبل الجمعية، نجد إحساسا عاليا بالمسئولية في لحظة صدام بين السلطة والمركز. لقد ارتقى اعضاء الجمعية فوق الخلافات الشخصية وفوق الفوارق في اسلوب العمل والمقاربات، وأعلنوا هذا الموقف التضامني علانية وعلى الملأ في لحظة حرجة جدا هي لحظة صدام مع السلطة. اما بيان المركز هذا فيكرس جزءا غير قليل منه للانتقاد الشخصي في مناسبة تستدعي تضافر طاقات المجتمع المدني للتعامل مع مسودة قانون لم ير فيه الجميع سوى قيد اضافي لمنظومة قوانين تهدد حرياتنا بعمق وتعوقنا عن التقدم.

الفارق بين الاسلوبين واضح، وهو مدخل مناسب للتذكير بأسلوب وقيمة مازالت غائبة اتمنى ان نبدأ في ممارستها: النقد الذاتي والمراجعات. فاذا سلمنا بأن للجميع أن ينشط في العمل العام باجتهاداته الخاصة وخبراته وطموحاته واي نوع من الآمال التي يحملها، فإن أول شروط العمل العام والجماعي هو التحلي بالإحساس بالمسئولية. الاحساس بالمسئولية حيال الذين نعمل معهم وحيال الناس عموما. تبدو هذه العبارات مستمدة من كراس مدرسي، ولكنها في أكثر أمثلتها العملية تفصيلا لن تعني سوى التحلي بالقدرة على الاصغاء والاستماع للنقد.

لكل أن ينشط ولكل أن يجتهد، ولكن هذا لن يعني بالضرورة ان كل اجتهاد سيكون صحيحا بالمطلق لمجرد أن تكون القضية التي نعمل من أجلها نبيلة وأهدافنا سامية. هذا الكلام معني به المركز مثلما هي الجمعية وباقي العاملين في الشأن العام. ويبقى الفارق في طريقة القائمين على كلا الجهتين في تمثلهما هو موضع النقد والتقييم والمراجعة وفي أي وقت. وهذا يعني ان للناس حق إبداء الرأي في النشاط والمقاربات والخطط وطريقة وأساليب العمل.

في ملف حقوق الانسان، هناك أكثر من قضية معلقة وهي من أكثر القضايا التي تعيقنا عن التقدم إلى الأمام، هناك ملف ضحايا التعذيب مثلا الذي بذلت فيه كل من الجمعية والمركز نشاطا ملموسا وواضحا بمقاربات وأساليب قد تتفاوت هنا وهناك. وهناك ملف معتقلي غوانتنامو ومثل هذا النوع من الملفات لا تحتمل أن تكون عرضة للتنافس او المزايدة أو حصر التعامل معها بأسلوب واحد ومقاربة واحدة. فأن يتعافى مجتمع بأسره من ماضيه المثقل بالآلام، وان تنتهي محنة مواطنينا المعتقلين في تلك الجزيرة النائية بعيدا عن كل أبسط مقاييس العدالة ليس مدعاة للتنافس بل لتوحيد الجهود قدر الامكان بحيث تتكامل جميع الاساليب والمقاربات المختلفة معا باتجاه واحد.

اننا نتحدث عن جمعيتين حقوقيتين تعدان أبرز جمعيتين في هذا الميدان، ولكن في الايام التي اعلن فيها إغلاق المركز، نشأت جمعية ثالثة جديدة اعلن مؤسسوها في نبرة للمغايرة انها تضم بحرينيين من كل الاديان، هي جمعية البحرين لمراقبة حقوق الانسان. بالاصح انها الجمعية الرابعة لان هناك أيضا جمعية ثالثة موجودة وقائمة أصلا هي "جمعية البحرين للحريات". وجاء من يقول لنا في الأيام الاخيرة ان جمعية أو لجنة جديدة ستنشأ، وستمارس عملها بعيدا عن السياسة.

خمس جمعيات لحقوق الانسان في بلد لا تزيد مساحته على 711,9 كليومترا مربعا، ولا يربو عدد سكانه على 650 ألفا وفي أقل من أربع سنوات؟ لا تبتهجوا كثيرا لأن المدلولات قد لا تخطر على بال، لأن ما يجري يبدو مثل دواء أعراضه الجانبية أكثر من فوائده. فهذا العدد من الجمعيات ونشأتها بسرعة قياسية كهذه إما ان يعني ان ماضينا مثقل بانتهاكات لا حصر لها لحقوق الانسان تجعلنا نبدو مثل دكتاتوريات اميركا اللاتينية في الحقبة السوداء الى الحد الذي لا تستطيع جمعية واحدة او اثنتان التعامل مع ملفاته، وإما ان الانتهاكات مستمرة وواسعة لحد الآن الى الدرجة التي تتطلب فيها وجود هذا العدد من الجمعيات.

الماضي اذا وضع في اطاره المناسب دون تضخيم او تهوين، فإن الملف الوحيد الباقي منه هو ملف الشهداء وضحايا التعذيب. أما الوضع الحقوقي إجمالا فقد تحسن، إلا ان الميل نحو الانتقاص من الحريات وحرية التعبير بالذات هو أبرز ما يمكن تسجيله في السنوات القليلة الماضية. وتبقى المهمة الأكبر الآن هي ترسيخ وتقنين أوضاع حقوق الانسان، فهل أصبحت لدينا الآن خمس رؤى ومقاربات لنشاط حقوق الانسان، فيما مرجعية حقوق الانسان واحدة هي الاعلان العالمي لحقوق الانسان والمعاهدات الدولية التي تأسست عليه

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 963 - الإثنين 25 أبريل 2005م الموافق 16 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً