العدد 963 - الإثنين 25 أبريل 2005م الموافق 16 ربيع الاول 1426هـ

الواقعية السياسية هي المخرج الوحيد للحالة الدستورية في البحرين

عيسى جاسم سيّار comments [at] alwasatnews.com

تشهد الساحة السياسية منذ انتخابات 2002 تجاذبات وأحيانا توترات سياسية بين التيارات السياسية المقاطعة للبرلمان التي بنت موقفها على قاعدة ان دستور 2002 ليس دستورا تعاقديا، وبين الحكومة من جهة أخرى. وتشتد وتيرة تلك التجاذبات والتوترات وفقا للظروف السياسية الذاتية والموضوعية التي تشهدها البحرين والمنطقة، كما تزداد وتيرتها عند اقتراب المؤتمر الدستوري السنوي الذي ينظمه التحالف الرباعي "الوفاق، العمل الوطني، التجمع الديمقراطي والعمل الإسلامي". والكل يغني على ليلاه؟!

لقد سئم المجتمع من تكرار الاستماع الى رؤية الأطراف المعنية عن الوضع السياسي ومستقبل الديمقراطية في البحرين، فكل طرف من الأطراف الثلاثة "الحكومة، المؤيدين والمقاطعين" متمسك بموقفه، ولا يأتي بتخريجات أو يطرح حلولا توفيقية عملية وواقعية، تمكن البحرين من الخروج من هذه الأزمة، التي هي في تقديري في تصاعد مستمر وخصوصا بعد تشكيل الأمانة العامة المنبثقة عن المؤتمر الدستوري الثاني، والتي لم تعترف بها الحكومة واعتبرتها غير قانونية، بالإضافة الى التوصيات التي صدرت عن المؤتمر الدستوري لوضع مزيد من الضغوط على النظام لاجباره على التعاطي مع مطالب الرباعي. وما تداعيات مسيرة سترة على الشأن السياسي إلا انعكاس لتوجهات الرباعي، ناهيك عن الاداء المخيب للآمال من قبل البرلمان، يضاف اليه التعاطي الحكومي السلبي مع العملية الديمقراطية.

اذا كنا نفهم ان العملية الديمقراطية على انها لعبة لها قواعدها، فأعتقد ان من أهم قواعدها "فن الممكن" من خلال توفير آليات عمل تعتمد على الواقعية السياسية، مع النظر دائما إلى ان الوحدة الوطنية وروح المواطنة خط احمر لا يجوز لأحد تجاوزه. ومن هنا سننطلق الى تحليل لمواقف الأطراف المعنية في اللعبة السياسية ومنطلقاتها من اجل الوصول الى رؤية واضحة ومحددة للخروج من المأزق السياسي الذي تعيشه التجربة الديمقراطية في البحرين.

النظام السياسي

لقد جاءت القيادة السياسية بالمشروع الإصلاحي الذي أحدث انفراجا كبيرا في الحياة السياسية، ونال الكثير من الإعجاب والتأييد الداخلي والخارجي، وأحدث حراكا سياسيا في بعض دول الجوار، وأعتقد أن القيادة السياسية ترى أنها قدمت مشروعا طموحا في اطار سياسة فن الممكن، أي ان النظام السياسي قدم أقصى ما يمكن تقديمه في إطار حسابات معينة ومعقدة ولكنها محسوبة بدقة متناهية. وما حزمة القوانين التي أقرتها السلطة التنفيذية قبل قيام برلمان 2002 "أكثر من 50 قانونا" ووجود الغرفة الشورية بجانب البرلمان وبالحقوق السياسية نفسها ووجود لائحة داخلية مقيدة لهامش الحركة البرلمانية وتبعية ديوان الرقابة المالية المباشرة إلى ملك البلاد إلا دليل قاطع على ان النظام السياسي يريد واقعا سياسيا يتماشى ومتطلبات واحتياجات النظام. وهذا في تقديري شأن الديمقراطيات في العالم الثالث والديمقراطيات العربية جزء منها، فالتعددية السياسية في غالبية دول العالم الثالث وجدت لشرعنة النظام السياسي بعيدا عن الإيمان بالديمقراطية الحقة.

المؤيدون للتجربة البرلمانية

يرى هذا التيار بمختلف أطيافه ان المشروع الإصلاحي قد أحدث نقلة نوعية في الحياة السياسية، وان الخطوات الإصلاحية من إلغاء القوانين والأنظمة والاجراءات التعسفية، ما هي إلا بداية، وان هناك الكثير ينبغي عمله من قبل التنظيمات السياسية لاستكمال المسيرة الديمقراطية للوصول بها الى مرحلة النضج السياسي. ومع قناعة هذا التيار بان المشروع الإصلاحي وما تضمنه من مبادرات ايجابية ما كان له أن يرى النور إلا نتيجة لحركة الشعب عبر تاريخ نضالي مشرف، وبالتالي فإن هذا التيار يراهن على أهمية تدعيم وتقوية التجربة البرلمانية وإيصال العناصر الجيدة والقادرة على التعاطي الصحيح والاحترافي مع التجربة البرلمانية والاستفادة قدر الامكان مما هو متاح من التشريعات واللوائح والانظمة من اجل إحداث تغيير دستوري في اطار من التوافق السياسي الوطني ليصار الى إيجاد تلاحم ما بين البرلمان والشارع من جهة، وإحداث نوع من التفاهم البرلماني مع الغرفة الشورية من جهة أخرى، وبالتالي يؤدي ذلك الى نوع من الضغط على النظام السياسي لإحداث التغييرات الدستورية.

المقاطعون للتجربة البرلمانية

وتنحصر رؤيتهم في ان دستور 2002 ليس دستورا تعاقديا، إذ لم يمنح الدستور صلاحيات واسعة للبرلمان، "مثلا المادتان ،35 92" وان هذا الدستور لم يناقش ويقر من خلال مجلس منتخب وبالتالي يجب الاحتكام الى دستور ،1973 كما يرى هذا التيار السياسي ان من أهم مقومات المملكة الدستورية ان عملية تشكيل الحكومة تتم في إطار من التوافق السياسي الوطني بين القيادة السياسية والتنظيمات السياسية في الدولة، كما يرى هذا التيار ضرورة ان يقتصر عمل الغرفة الشورية على تقديم النصح والمشورة للسلطة التنفيذية، وان يكون البرلمان وحده سلطة التشريع، وان تكون تبعية ديوان الرقابة المالية للبرلمان، هذه أهم ملامح رؤية هذا التيار السياسي.

من خلال استعراضنا لرؤى النظام السياسي والتيارات السياسية عن واقع ومستقبل العملية السياسية في البحرين، وتسليط الضوء على أسباب التجاذب والتناقض والتوتر السياسي بين الأطراف الثلاثة، يمكننا القول إن الإصلاح والتنمية السياسية المستدامة لا يمكن الوصول إليهما الا من خلال التعاطي الايجابي مع العملية السياسية من قبل أطراف المعادلة حتى في إطارها المقاطع. لذلك يجب على الأطراف الثلاثة ان تفتح حوارا إيجابيا صريحا وشفافا يتناول كل الأمور الخلافية، وذلك من خلال إطار وأفق سياسي ناضج يعتمد على ما يأتي:

1- الواقعية السياسية "البرغماتية"، وعلى قاعدة "ما لا يؤخذ كله لا يترك جله"، أي ان التمسك بالمواقف واقصاء الآخر والحوار العقيم من اجل تضييع الوقت كما حصل في "حوار الطرشان" الذي مارسته وزارة العمل مع الرباعي، والنظر بدونية الى المواقف الأخرى، والشك والريبة في مواقف الآخر، كلها أمور لا تساعد العملية السياسية على الخروج من النفق المظلم. فالمطلوب الحوار السياسي الواقعي مع فهم كامل وواع لقواعد اللعبة السياسية، ويجب ان يكون هناك فائز وفائز، وليس فائز وخاسر، بحيث يكون الوطن هو الفائز الأول والأخير.

2- التوافق المجتمعي على إحداث التعديلات الدستورية، وهذا لن يتأتي الا من خلال فتح حوار وطني صريح وشفاف أولا بين كل التنظيمات السياسية للوصول الى اتفاق الممكن، لإحداث التعديلات الدستورية، ومن ثم الذهاب بهذا الموقف الوطني الموحد الى القيادة السياسية التي في تقديري ستكون في موقف سياسي لا تحسد عليه ان هي لم ترضخ لمطالب القوى الوطنية والإسلامية.

3- ان يكون النظام السياسي أكثر تفهما لاستحقاقات المرحلة المقبلة من العملية السياسية، وان يستوعب دروس الماضي جيدا، وان تكون لديه قراءة جيدة لمعطيات الواقع السياسي الحالي حتى لا يعود الوضع السياسي الى المربع رقم واحد.

4- الدعوة إلى مؤتمر عام تحضره الأطراف المعنية بالعملية السياسية كافة، لمناقشة المستقبل السياسي للعملية الديمقراطية، وان تتمخض عن المؤتمر لجنة لمتابعة تنفيذ توصياته.

ان الوطن وبعد هذه النضالات والتضحيات يستحق منا أن نتحاور، ونوجد الوسائل والآليات التي من شأنها أن تحقق أهدافنا، وأن نستثمر بشكل ايجابي الانفراج السياسي المتوافر في تعزيز الديمقراطية، لتحقيق المزيد من المكاسب الوطنية. فالنظام السياسي في معظم بلدان العالم لم ولن يقدم الديمقراطية المنشودة للشعب على طبق من ذهب، وانما سيضطر إلى تقديمها إذا وجد ان القوى السياسية بكل أطيافها وألوانها قد توحدت وطرحت مشروعا وبرنامجا سياسيا واقعيا، يعتمد على استراتيجية وتكتيكات مرحلية، فهل لنا أن نرى هذا البرنامج السياسي قبل استحقاقات 2006؟!

* كاتب بحريني

إقرأ أيضا لـ "عيسى جاسم سيّار"

العدد 963 - الإثنين 25 أبريل 2005م الموافق 16 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً