العدد 983 - الأحد 15 مايو 2005م الموافق 06 ربيع الثاني 1426هـ

غالوي... المتمرد على سياسة حكومته يثير جدل الأوساط السياسية البريطانية

مهدي السعيد comments [at] alwasatnews.com

ربما مرت المرحلة التي أعقبت اتهام صحيفة الـ "ديلي تلغراف" للسياسي البريطاني المثير للجدل جورج غالوي العام الماضي، بتقبل رشى من صدام حسين، بهدوء نسبي حينما انطفأت حرارة الدماء الجارية في عروقه وعروق خصومه بعد أن كسب الدعوة التي رفعها ضد هذه الصحيفة، التي اعتبرها تروج لاتهامات ليس لها مكان من الحقيقة، وهي تدخل في إطار جملة التشهير التي تشنها بعض مراكز القوى ضده لاغتيال موقعه السياسي في المجتمع، نتيجة لرفضه سياسة المشاركة البريطانية في الحرب على العراق.

لقد استندت الصحيفة آنذاك إلى مصادر لم تعلنها، تؤكد حصول غالوي على أموال بصورة مكافأة من صدام حسين على مواقفه المؤيدة للنظام العراقي، وقد جاءت تلك الاتهامات في وقت كان فيه غالوي يحشد شريحة واسعة من المجتمع البريطاني لرفض الحرب على العراق، وكان يوجه عبارات نافدة وقاسية إلى رئيس الوزراء طوني بلير، الذي استخدم نفوذه في محاصرة غالوي ومن ثم طرده من الحزب، معتبرا أن موقف بلير تجاه الحرب على العراق يتسم بالكذب والمخادعة، وقد أدت سياسته التابعة للولايات المتحدة إلى جر بريطانيا للدخول في أتون هذه الحرب بحجة أن صدام ونظامه يشكلان خطرا على أمن وسلامة العالم الحر لامتلاكه أسلحة دمار شامل ومن الممكن أن تقع بأيدي الإرهابيين الدوليين، وخصوصا منظمة "القاعدة" التي يقودها أسامة بن لادن.

ولرفض هذه الطروحات، قاد غالوي حملة تظاهرات واسعة، وصل عدد المتظاهرين في إحداها إلى أكثر من مليون متظاهر جالوا شوارع لندن، وهم ينددون بطوني بلير وسياسة الحرب على العراق، مطالبين بإيقافها فورا وانسحاب القوات البريطانية من العراق.

وبعد موجة التصعيد الشعبي والسياسي التي شهدتها تلك المرحلة، هدأت الأعصاب، وانخرط غالوي في ترتيب شئون حزبه الجديد "زممك"، وبدأ يستعد لخوض جولات جديدة من المواجهات المقبلة، وكان في غالب الأحيان يشير إلى وجود مؤسسات ودول تطارد ظله، وتريد الإيقاع به بأي ثمن من الأثمان، إلى حد تحريض أقرب أفراد عائلته ضده. ويفسر غالوي هذه التصرفات، بأنها محاولة للتأثير عليه معنويا، وخصوصا قبيل موعد الانتخابات الأخيرة، لإضعاف هيبته وتقليل احتمالات فوزه، ولكنه تغلب على تلك الظروف، وحقق انتصارا حمله إلى البرلمان البريطاني الجديد.

وحين كان يواجه مثل هذه المتاعب، تزداد عنده وتيرة التحدي بسبب حال الاستفزاز التي يشعر بها، فيوجه أصابع الاتهام ونيران غضبه إلى طوني بلير وبعض المحيطين به وكذلك إلى عدد من الصحف ووسائل الإعلام التي يعتقد أنها تروج لحملة التشهير ضده، بحيث أصبحت المعادلة واضحة للمراقب المحايد، فإذا أثيرت ضد غالوي بعض المشكلات من هنا أو هناك، يرد عليها بهجوم مركز ضد طوني بلير، وكأنه يريد إقناع الآخرين بأن طوني بلير هو الذي يقف وراء هذه أو تلك من الحملات المنظمة ضده.

ويعتقد بعض السياسيين البريطانيين المتعاطفين مع غالوي، بأن أحد عوامل هبوط شعبية رئيس الوزراء الحالي طوني بلير تعود إلى نشاط جورج غالوي على نطاق الشارع البريطاني، وتساعده بذلك جملة معطيات، من أبرزها أنه يتمتع بخطاب سياسي لبق وشخصية كارزمية مؤثرة وجرأة نادرة لا توجد عند معظم السياسيين البريطانيين، فلسانه سليط للغاية، ومن يستمع إليه يقتنع بحججه، وهو فوق هذا وذاك ينحدر من مدرسة الاشتراكيين التقليديين الذين يجيدون فن المناورات وتقليب الحقائق ويقدمونها سهلة إلى القاعدة الشعبية، وانطلاقا من هذا كله، استطاع غالوي أن يعبئ الكثير من الناس حوله، وخصوصا المسلمين، وقد لعب دورا كبيرا في زعزعة موقع طوني بلير داخل البرلمان أو خارجه، ولولا خوف أعضاء كثيرين من حزب العمال في البرلمان البريطاني من طموحات غالوي، لانتقلوا إلى جانبه، لأنهم ربما يؤكدون تعاطفهم معه من خلال اختيارهم لموقف الصمت حينما تشتد رحى المعركة بين غالوي وبلير، فلو كانوا حقا ضد طروحات غالوي لأعلنوا وبشكل ثابت رفضهم القاطع لغالوي وتأييدهم الحاسم لطوني بلير، أما تصويتهم على طرد غالوي من الحزب، فهو تم برضا الأكثرية، في مرحلة لم ينجح فيها غالوي في سحب هؤلاء إلى جانبه، للسبب الذي أشرنا إليه، وهو أن هؤلاء يتحفظون جدا على مشروعات غالوي الموجهة ضد حكومة بلير.

لقد كانت موضوعات الصحف البريطانية التي تنقل وقائع المجابهات بين الاثنين، غالوي وبلير، وحتى التصريحات المتضاربة فيما بينهم وسيلة ناجحة لزيادة مبيعات هذه الصحف، فمن يستطيع تغطية هذه المجابهات بشكل واسع، يكسب الشارع البريطاني، الذي يبدو متلهفا جدا للمجابهات الإعلامية بين بلير وغالوي، فالكثير من البريطانيين يتمتعون بمثل هذه الحروب الباردة التي يشنها رموز السياسة على بعضهم بعضا، لأنها تحيي عندهم غريزة المشاكسة التي تعتبر أحد تقاليد الساسة البريطانيين عموما.

ويبدو أن زعامة حزب العمال قد أجلت هذه المواجهة مع غالوي إلى ما بعد انتهاء مرحلة الانتخابات الأخيرة، لأن إثارتها قبل هذا الموعد أو أثناء الحملة، ربما يضعف إلى حد بعيد وتيرة ضمانات نجاح بلير ومرشحي الحزب الآخرين في هذه الانتخابات، ولكنها قد تكون أعطت لجنة مجلس الشيوخ الأميركي الضوء الأخضر لإثارة هذه القضية الآن بعد أن استتب الأمر وفاز طوني بلير بدورة رئاسية جديدة.

وقد نشرت اللجنة التي ترأسها الجمهوري نورمان كوليمان تقريرا قالت فيه: "إن وزير الداخلية الفرنسي السابق جارلس باسكوا والنائب البريطاني جورج غالوي، قد حصلا على مكافآت نفطية من صدام حسين تبلغ 11 مليون برميل لباسكوا و20 مليون برميل لغالوي".

وبحسب التقرير فإن صدام قد منحهما هذه المكافأة في إطار برنامج النفط مقابل الغذاء، ويقدر التقرير أن صدام قد استخدم أموال النفط مقابل الغذاء لمكافأة سياسيين متعاونين معه أمثال باسكوا وغالوي.

وحالما شرحت وسائل الإعلام البريطانية بنشر الخبر، حتى أطلق غالوي تصريحات نارية نفى فيها صحة هذه الاتهامات، مشيرا إلى "أن اللجنة منحازة بمداولاتها لما يطلبه منها جورج بوش"، مضيفا "إني أتحدى الكونغرس الأميركي ومناقشته". وكان فضيحة تلقي سياسيين لـ "كوبونات النفط" قد تفجرت قبل عامين تقريبا، حينما نشرت الصحف العراقية قوائم بأسماء الأشخاص الذين حصلوا على مثل هذه الكوبونات، ومن بينهم غالوي.

لكن بعض الصحف البريطانية أشارت إلى أن عدد الذين حصلوا على "كوبونات النفط" ليس قليلا، فلماذا تثير لجنة الكونغرس الأميركي اسمين فقط، هما غالوي وباسكوا، وتتجاهل الأسماء الأخرى؟

لقد تخطى غالوي الحملة المضادة الأولى بعد طرده من الحزب الذي انضم إليه العام ،1987 واستطاع أن يواصل مسيرته السياسية، والآن بدأت الحملة المضادة الثانية، ولابد أن تكون حامية الوطيس، وخصوصا أن لجنة الكونغرس الأميركي برئاسة السيناتور نورمان كوليمان قد أشارت في تقريرها إلى أنها تحتفظ بوثائق حصلت عليها من وزارة النفط العراقية، ومن اعترافات نائب رئيس الجمهورية المعتقل حاليا طه ياسين رمضان، تثبت أن غالوي قد حصل على 20 مليون برميل من النفط منحها له صدام حسين مقابل مساندته للنظام.

وعلى هذا الأساس، فإن دوائر القضاء في كل من بريطانيا وأميركا، لابد أن تستنفر أجهزتها لاغتنام هذه الفرصة، ولابد للصحافة أن تبقي على هذا الموضوع في دائرة التداول الملتهب، لكي تحقق المزيد من المبيعات أولا، ولتعقد الحال السياسية ثانيا، ولابد أيضا من دخول بعض الشخصيات البارزة في المسرح السياسي على خط تفعيل الأزمة لتصفية حسابات سياسية بين أجنحة الصراع المختلفة، وربما تمتد هذه العاصفة إلى فترة طويلة من شأنها أن تثير البعض لتقديم استقالته، ويبقى الوضع مفتوحا على مصراعيه أمام تداعيات مختلفة سببها الرئيسي شخص مثير للجدل هو جورج غالوي

العدد 983 - الأحد 15 مايو 2005م الموافق 06 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً