العدد 4664 - الأحد 14 يونيو 2015م الموافق 27 شعبان 1436هـ

الموت السابق واللاحق لطارق عزيز

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

طارق عزيز عيسى. هكذا نَطَقَ اسمه قاضي محكمة الجنايات الكبرى في بغداد عندما كان يُحاكَم في قضية إعدام تجار عراقيين سنة 1992. الرجل الذي كان نائباً لرئيس مجلس الوزراء العراقي بين 1979 و2003، ووزيراً للخارجية بين عامَيْ 1983 و1991 توفي قبل 10 أيام.

سبب الوفاة كما أعلنته وزارة الصحة العراقية، كان ذبحة صدرية، نُقِلَ على إثرها من سجن الحوت بالناصرية إلى محافظة ذي قار (400 كم جنوب بغداد) حيث مستشفى الحسين التعليمي الذي توفي فيه. وعزيز كان قد جيء به من سجن الكاظمية في بغداد مخفوراً قبل نصف عام، خوفاً من أن يتم تهريبه بعد عمليات هروب جماعية متكررة حصلت في سجون العاصمة.

وإذا ما أردنا الحقيقة فإن طارق عزيز كان شبه ميتٍ وهو في سجنه منذ اثني عشر عاماً. فقد كان مُصاباً بورم في الصَّدر، ولديه مشاكل في غدة البروستاتا. كما أنه كان يعاني من داء السكري، وارتفاع في ضغط الدم، ومشاكل في ضربات القلب، والتهاب في الجيوب الأنفيَّة، وقرحة في المعدة. وهي أمراض كفيلة بأن تجعل الرجل غير قادر على الحركة بل وحتى الكلام بشكل سليم.

وقد وجدنا شيئاً من ذلك خلال المقابلة التي أجراها معه المتحدث السابق باسم الحكومة العراقية علي الدباغ، وبثتها قناة «العربية» قبل أشهر، حيث ظهر عزيز عاجزاً عن الكلام بنطق واضح، بسبب التصاق في اللسان وثقل فيه، إلى الحد الذي اضطر الإخراج فيها إلى إعادة ترجمة ما قاله كي يفهمه المستمعون.

قبل ثلاث سنوات وثمانية أشهر، كتبتُ عن سجن طارق عزيز، قلتُ فيه: «في مثل هذه الأحوال، التي يكون فيها الوَهن والانكسار والكهولة هي جوهر المشهد فلا مجال للتباهي بالقدرة والغلبة». وقد تمنيّت حينها لو أن الحكومة العراقية أخلت سبيل الرجل كي يقضي ما تبقى له من عمره خارج محبسه لكن ذلك لم يحدث. فقد بَقِيَ طارق عزيز في سجنه حتى آخر نَفَسٍ خرج منه.

لقد كان المسئولون الاسكتلنديون أكثر شجاعةً من المسئولين العراقيين! في سنة 2009 وعندما عَلِمَ الاسكتلنديون بأن عبد الباسط المقراحي المدان بتفجير طائرة ركاب أميركية تابعة لشركة «بان أميركان» أثناء تحليقها فوق لوكربي، مصاب بسرطان البروستاتا في درجاته المتقدمة، قرّروا الإفراج عنه لأسباب صحية كما أعلن وزير العدل في إدنبرة حينها قائلاً: «أترك له الفرصة كي يموت في بلده»، رغم أن المقراحي كان محكوماً بالسجن لمدة 27 عاماً، وكان أهل الضحايا مصرّين على أن يقضي بقية عمره في السجن. عاد المريض إلى ليبيا ليموت ويُدفن فيها بعد ثلاث سنوات.

كنتُ أقول سابقاً بأن وزير الاقتصاد الألماني زمن النازية فالتر فونك، ومُورِّد معدات صناعة السلاح النازي جوستاف غروب، ووزير خارجية هتلر كونستنتين فون نورات والجنرال النازي إريش رايدر كلهم تم الإفراج عنهم لأسباب صحية على الرغم من أن محكمة نورنبيرغ حكمت عليهم بعد الحرب بمدد سجن لعشرات السنوات، وعلى الرغم من أنهم كانوا ينتمون لنظام متطرف تسبب في مقتل 70 مليون إنسان خلال الحرب العالمية الثانية. أما حكومة بغداد فإنها لم تفعل ذلك.

كان يمكن لأهل الحكم في بغداد أن يعيدوا تفسير الأشياء بصورة أفضل، فيعالجوا القسوة بالرحمة، والضعف بالقوة، والقانون بالشفقة، والخصومة بالمصالحة والشد بالإرخاء. فمثل طارق عزيز لم يعد لديهم شيء يملكونه في حياتهم: لا مريدين يشدُّون بهم الأزر، ولا مالاً يُؤلّبون الناس من خلاله ضد أحد، ولا عمراً مديداً يمكن أن يُوظف لشن حروب استعادة الأمجاد المنهارة.

أليسوا هم مَنْ أتى إلى الحكم كي لا يُكرِّروا تجربة البعث الأمنية والقضائية كما يقولون؟ وإلاَّ لماذا نطلِق على ما يجري تغييراً إذا لم يتغيَّر شيء؟ نعم، العراقيون عانوا الأمرّين من سياسة الحزب الواحد وغياب الحريات، ودفعوا أثماناً باهظة من أجل العيش بكرامة، لكن تلك الأثمان يجب أن تُعوَّض بطريقة مختلفة، وهي أن يتحصلوا عليها بمزيد من تجاوز الماضي بكل ما فيه. تجاوز يقتضي منهم أن يعتبروا الماضي ماضياً لا أن يجعلوه حاضراً عبر العبث به وبأدواته مادياً.

أختم الحديث بتساؤل التفاهة والضرورة في آن: هل من الواجب أن أقول بأنني لستُ قريباً من الرجل لا في الدَّم ولا في الفكر؟ فأين القرابة من حنا ميخائيل أو طارق عزيز عيسى أو فيوليت يوسف سعيد نبود أو بالسيدة صبا مظفر انطوان؟ ثم أين مواطن الالتقاء بفكره وبأصل الحزبية البغيضة؟ فشخصياً لم أكن مقتنعاً يوماً بأن عزيز كان ينتمي إلى نظام ديمقراطي، بل إلى نظام تأذى من قراراته الخاطئة العراقيون والجيران بالسواء، لكنني اليوم أتحدث من منطلق إنساني بحت، كان يمكن لها أن تتكرر كما حصل في جنوب إفريقيا وفي كولومبيا.

وربما هي مناسبةٌ لتقديم دعوة لمن هم قادرون على أمثال عزيز من المحبوسين (وهم كُثُر) في عالمنا العربي. فالسجن لهؤلاء لا يمنح السجَّان كثيراً من النصر، بقدر ما يفتح عليه جبهات حول رجليه كانت خامدة، فالمشاعر تُحمِّيها مثل هذه الأفعال بشَرَرٍ هنا وشَرَرٍ هناك، فتصبح ناراً مستعرة بعد سنة أو عقد. والنار من مستصغر الشَّرر كما قالت العرب.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4664 - الأحد 14 يونيو 2015م الموافق 27 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 19 | 9:48 ص

      ملاحظة

      السيد محمد. مع إعجابي بقدراته اللغوية وتمكنه من البلاغة، إلا أنه واضحٌ وضوح الشمس تبنيه موقفاً عدائياً من العراق حكومات وأحزاب، وخصوصاً النبيل نوري المالكي وحكومته، فأنا لم أقرأ له حول العراق ما يشير إلى غير ذلك، أو يعبر عن غير ذلك. وإلا ألا يعرف هو مثل غيره أن الظروف التي تمر بها العراق منذ الإطاحة بصدام حتى الآن لا تسمح بموقف مثل الذي يدعو إليه؟ وأن وجود أي رمز بعثي ، فضلاً عن صدامي، خارج السجن يمكن أن يكون عنصر تهديد للاستقرار والأمن مهما يكون عاجزاً،حيث تكفي رمزيته للاستغلال.

    • زائر 23 زائر 19 | 10:58 ص

      لعنة الله عليه جهنم وبئس المصير

      هذا هاالحقير لو بيدي أنا انچان أقطعه نتفة نتفة وأعطيه لحمه النجس للخنازير يأكلونه مو أطلعه من السجن ليش هو ماحس بآلام الأبرياء في سجون صدام؟

    • زائر 24 زائر 19 | 12:03 م

      زائر 23

      لا اكون هو ذايح احد من هلك صج حقد ترى الريال مب من بنى امية هو مسيحى ما عنده طائفية بس اقول لك شوف العراق ايام صدام حسين و العراف اليوم لا استقرار لا امن و العراقى كان يحصل ثلاث وجباته فى اليوم اما الحين حتى وجبة وحدة مب ظانمها

    • زائر 16 | 8:10 ص

      تابع

      2 / .بل اقل لك اذا لم ينسحب من الحكومه قبل غزو الكويت كان عليه في اللقاء الاخير مع جيمس بيكر. قبل ايام من شن حرب تحرير الكويت في يناير 1991 م
      أن يفعل شئ لكنه اخذ اللقاء بالاستهتار رغم أن بيكر أرآه حجم القوات الغربية وحذره من مغبة المراوغه.. ثم ماذا سيقول المسؤولون العراقييون للضحايا لو اطلق سراحه

    • زائر 20 زائر 16 | 9:59 ص

      ابو زينب

      كلامك منطقي وعين العقل

    • زائر 22 زائر 16 | 10:49 ص

      وكيف تقول ذلك والمثال امامك:

      كيف أقنع الألمان الروس والفلنديين والبولنديين والبريطانيين والفرنسيين والبلجيكيين والامريكيين وووو عندما اطلقوا سراح وزير خارجية هتلر ومورد صناعات السلاح له وجنرالاته الذين كانوا شهودا على مقتل 70 مليون انسان؟!! انها الانسانية لا الحب في الانتقام

    • زائر 15 | 8:09 ص

      جرائم انسانية كبرى هي تلك التي اشترك بها عزيز

      1 / كان على طارق عزيز. وهو المثقف والرجل السياسي الانيق ذو اللهجه اللبقة وصاحب اللغه الانگليزية المتمرس.. ان يترك العراق وصدام منذ أن قتل صدام السيد الصدر وشن الحرب على ايران... لا ان يبقى منظرا للحزب ومدافعا عن هذا الحزب المشؤوم.. فكل ما جرى من ويلات للعرافيين انما جرت بمباركتة وافكاره ولم يعترض على اي شئ منها ..

    • زائر 13 | 3:53 ص

      ابو زينب

      وقد تمنيّت حينها لو أن الحكومة العراقية أخلت سبيل الرجل كي يقضي ما تبقى له من عمره خارج محبسه .ولماذا تخلي سبيله هذا مجرم وارهابي ومدان بجرائم ضد الأنسانيه هل تناسيت دماء الأبرياء التي سفكها بدون وجه حق هو وعصابته كم تمنيت من الحكومه العراقيه ان تشنقه وهو بهذه الحاله حتى يكون عبرة لغيره.

    • زائر 10 | 2:44 ص

      استاذي العزيز

      أولا : النار ماتحرف إلا رجل واطيها ،، لوكانت الحكومة العراقية قاسية لما وصل الحال الى ماهو علية ،، داعش أعدم في سويعات قليلة 1700 شاب ومازال بعض السياسيين ممن سهلوا وسلموا مناطقهم لداعش يحتفظون بمناصبهم ، ومازالت ثروات الجنوب العراقي توزع على كل العراق حتى مؤيدي الأحتلال والتدخل الخارجي من ومازالت قنوات التواصل بين الحكومة العراقية وداعمي وممولى داعش مفتوحة

    • زائر 9 | 2:32 ص

      متي سوف تدافع عن حامي البوابة الشرقية

      دائما استاذ محمد في مقالاته عن العراق غير منصف وغير متوزان في المقال , دائما يحاول التقليل و التهميش من الحاكمين في العراق قدر الأماكن ( نعم لديهما الكثير من الأخطا ونعم بعض تلك الأخطاء قاتلة ) و لكن المعسكر الأخر ( حزب البعث و الأكراد هم اكثر شراسة و دموية وهم من جلب البلاء الي العراق

    • زائر 12 زائر 9 | 3:28 ص

      الكاتب قال الحقيقه

      ودائماً الحقيقه تزعل

    • زائر 8 | 2:30 ص

      يا اخ محمد كانك تؤذن في خرابة

      فبعض التعليقات ركزت علي المقراحي وتجاهلت وزراء هتلت النازيين والبعض قارن عزيز بالدوري وشتان بين الشخصيتين ..مشكلة طارق انه صاحب موقف عندما رفض ان يدين صدام ونظام حكمه مقابل إطلاق سراحه ، تقول العرب الرجال مواقف وتلك والله قمة الرجولة والشهامة

    • زائر 7 | 1:08 ص

      المقراحي لم يفرجوا عنه رحمة وانسنانية

      المقراحي افرجوا عنه مقابل صفقة بالمليارات ومقابل عودة القذافي للساحة الدولية..صح النوم

    • زائر 6 | 1:07 ص

      منطق غريب

      يعني كل من سجن لوجود جبال من الجرائام التي ارتكبها.. يجب اخلاء سبيله بعدما يصاب في السجن بالضغط والسكري.اين العدالة؟ اين تطبيق القانون؟ شنو هالمنطق؟

    • زائر 11 زائر 6 | 3:10 ص

      غريب

      تفتخرون بمانديلا لكنكم لا تذكرون عفوه عن جلاديه

    • زائر 4 | 11:24 م

      ومسألة نائب الرئيس العراقي الهارب لا زالت ماثلة امام الحكومة

      والمشاكل الناتجة عن التعاون والتزاوج مع داعش والشقبندية وحزب البعث والى الآن لا زال حزب البعث وتعاونه مع داعش يحصد في ارواح العراقيين ، هذا لا ينسى لدى الشعب والحكومة العراقية ، فلذلك لا يمكن اخذ حزب البعث الدموي بحسن نية وتنتهي المشكلة ، هل تعلم يا اخ محمد ان مذبحة سبايكر مشترك فيها حزب البعث ومشرف عليها النائب الفار ،باعترافات المأسورين اخيرا ويمكن شاهدت اليوتيوب المنشور صوت وصورة بالاعترافات .

    • زائر 3 | 11:12 م

      هذه ليست شجاعة ، بعدما اقر القذافي وتمت الصفقة بالتعويض وانتهى الامر سنحوا له بالمغادرة والا سيبقى

      هذه لا يمكن الاستشهاد بها كشجاعة ، لماذا لم يفرج عنة قبل ضمان التعويض ؟؟؟
      لقد كان المسئولون الاسكتلنديون أكثر شجاعةً من المسئولين العراقيين! في سنة 2009 وعندما عَلِمَ الاسكتلنديون بأن عبد الباسط المقراحي المدان بتفجير طائرة ركاب أميركية تابعة لشركة «بان أميركان» أثناء تحليقها فوق لوكربي، مصاب بسرطان البروستاتا في درجاته المتقدمة، قرّروا الإفراج عنه لأسباب صحية

    • زائر 2 | 10:32 م

      لكن فقط لو كان ذلك السجن ظلما او تعسفا

      أو بغير وجه حق ، أما في مثل حالته وقد شهد وسكت وأشرف وأمر ووافق ورضي وأيد وناصر وخطط وحرض على إعدام واغتيال آلاف الشبان الأبرياء وانتهاك حرمات مئات العوائل وتجريد عشرات الآلاف من جنسياتهم ومصادرة ممتلكاتهم وارتكاب أبشع الجرائم فإنه بذلك يكون وضعه في السجن حتى هلاكه غير عادل إذ كان لابد من تنفيذ حكم الإعدام بحقه منذ وقت طويل حتى لا يجرؤ من هو على شاكلته في تكرار المآسي التي جرت تحت مسؤوليته وليس كما كنت تتمنى يا أستاذ حيث أن أرواح البشر ليست فوضى بيد صدام وزبانيته

    • زائر 17 زائر 2 | 8:18 ص

      الظالم

      الله يسلط الظالم على الظالم .. قدر الله و ما شاء فعل في طارق عزيز

    • زائر 1 | 10:23 م

      هكذا الحال

      العراق و منذ الازل تاريخه الظلم و القساوة. ما حصل ل ميخائيل حنا عزيز في حياته يتلخص : " و لكم في القصاص حياة يا اولي الالباب". لكن المشكلة في الوصول الي أولي الالباب.

اقرأ ايضاً