العدد 4672 - الإثنين 22 يونيو 2015م الموافق 05 رمضان 1436هـ

في عصر الفضائيات والتكنولوجيا... غاب «المسحر» وبقيت ذكراه

المسحر.. من الصور التراثية في شهر رمضان
المسحر.. من الصور التراثية في شهر رمضان

ربما لا تزال بعض المناطق والمدن في مختلف الدول العربية والإسلامية، تقابل «المسحر» بطبله وأهازيجه قبيل أذان الفجر، لا ليوقظ الناس لتناول طعام السحور، فعصر الفضائيات والتكنولوجيا والسهر جعل أمر النوم شيئاً من الماضي... لكنه يزاول مهمته إما لحبه لها ولتوارثها عن الآباء والأجداد، أو لأن ما يقوم به من عمل يدخل في إطار برامج الحفاظ على الصور التراثية في الشهر الفضيل.

قارع ومقروع

في الزمن القديم، كان المسحر يوقظ الناس من نومهم وقت السحر لتناول طعام السحور قبل مدة كافية من موعد أذان الفجر، مستخدماً قارع ومقروع... فآلة القرع هي العصا الغليظة والمقروع هو الطبل، بحيث يضعه محاذياً لبطنه من خلال الحبل الممسك بالطبل والمتدلي من رقبته، فيقوم بالضرب على الطبل ضربات متتالية قوية فيتوقف برهة، ثم يعاود القرع الموحد مع الإنشاد والعبارات التي فيها التسبيح والتهليل لتصل تلك الضربات إلى الناس فيهبوا إلى طعام السحور، وطعام السحور لأهل الخليج في ذلك الزمن عبارة عن (رز مع السمك الصافي) والفاضل منه يوضع في (ملالة) كي لا تصل إليها القطط ليطعموها أولادهم الصغار في وقت الظهيرة أو وقت الغذاء وتسمى (الغبيبة).

في الظلام الدامس

قديماً، كان المسحر يجوب الأحياء كلها في ذلك الظلام الدامس بين البيوت والنخيل والأشجار، وبصوت الطبل الذي يبدد الخوف والقلق من مواقف قد تفاجئه أثناء عمله، ويرافقه زميل له قد يكون ابنه الذي يرغب أن يتوارث هذه المهنة منه، أو يساعده أثناء تعبه أومرضه، وأثناء تجواله يمر على بيوت له علاقة بهم فيقف على الباب برهة وهو يناديهم يا فلان اقعد يرحمك الله ، وربما قرع بابهم بقوة.

يحفظ المسحر الكثير من العبارات والفقرات الإنشادية التي يستخدمها أثناء طوافه على الأحياء، وعادة يكون صوته جهورياً ينساب جميلاً رقراقاً، يضفي عليه وقت السحر عذوبة وصفاء، ليصل إلى أسماع الناس دون تكلف أو عناء :»قعدوا تسحروا يا عبيد الله... قعدوا تسحروا يرحمكم الله»، أو... قم يا نايم وحد الدايم ... أو سحور يا عباد الله... أو قعدوا اتسحروا ياناس... برد سحوركم ياناس. أو جاكم أبو طبيلة قوموا اتسحرو... أو يقوم بالتهليل والتسبيح كأن يقول : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله.

ودعوا ياكرام شهر الصيام

وفي الربع الأخير من الشهر الكريم تتغير نبرات صوته حيث أجواء الوداع فيردد أهازيج الوداع وفي قلبه اللوعة على فراق هذا الشهر وهو يقول :ودعوا يا كرام... ودعوا يا كرام... ودعوا شهر الله... ودعوا يا كرام، أو ..يالوداع .. يالوداع .... ياشهر رمضان... عليكم سلام... يا شهر الصيام

عادة تقوم الأسرة حين سماع المسحر بإيقاظ أبنائهم للسحور، وتشجيعهم على الجلوس من خلال دعوتهم لمشاهدة المسحر ماراً بصورة سريعة دون توقف في أي مكان، ولذلك تلك الدعوة ترغبهم في السحور للاستماع ومشاهدة ملامح المسحر، ويقوم المسحر بعد فطوره ببرهة الذهاب إلى مجالس القرية ليلياً حيث القرآن والدعاء فيقدم له ما تجود به الأيدي من مواد غذائية معلبة، أو بعض النقود التي يتعيش من خلالها، أما يوم العيد فيدخل المجالس للمعايدة والتهاني، ويقدم الناس له عيديته كل حسب طاقته وإمكانياته .

أما هذه الأيام فبدأت هذه المهنة بالتلاشي والاندثار نتيجة المدنية الصاخبة، وقد انقطعت بالفعل في معظم قرانا، ولم نسمع من زمن بعيد صوته إلا من ذكرى ارتسمت حينما كان الصفاء والعفوية الجميلة.

«المسحراتي» في الويكيبيديا

المسحراتي أو المسحر هي مهنة يطلقها المسلمون على الشخص الذي يوقظ المسلمين في ليل شهر رمضان لتناول وجبة السحور، والمشهور عن المسحراتي هو حمله للطبل أو المزمار ودقها أو العزف عليها بهدف إيقاظ الناس قبل صلاة الفجر وعادة مايكون النداء مصحوباً ببعض التهليلات أو الأناشيد الدينية، ومع تقدم الزمن وتطور المجتمع تكنولوجيا، أصبحت هذه المهنة شبه منقرضة بعدما كانت مشهورة ومتزاولة بقوة وخصوصاً في بلدان الخليج العربية (السعودية والبحرين وقطروالكويت...) وبعض بلدان شمال إفريقيا العربية مثل: جمهورية مصر العربية و تونس والجمهورية السودانية وليبيا سوريا وغيرها.

تذكر بعض الروايات التاريخية، أن أول من نادى بالتسحير عنبسة ابن إسحاق ســنة 228 هـ وكان يذهب ماشياً من مدينة العسكر في الفسطاط إلى جامع عمرو بن العاص وينادي النّاس بالسحور، وأول من أيقظ النّاس على الطّبلة هم أهل مصر، أما أهل بعض البلاد العربيّة كاليمن والمغرب فقد كانوا يدقّون الأبواب بالعصا، وأهل الشّام كانوا يطوفون على البيوت ويعزفون على العيدان والطّنابير وينشدون أناشيد خاصّة بشهر رمضان، وكان «المسحراتية» في مصر يطوفون في شوارع المدينة أو القرية يرددون الأناشيد الدينية وينادون الناس ليستيقظوا طالبين منهم أن يوحدوا الله، ويضربون على طار ضربات متوالية حتى يسمعهم النائمون فيهبوا من نومهم لتناول السحور.

المسحّراتي صورة لا يكتمل شهر رمضان بدونها، وهو يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتقاليدنا الشّعبية الرّمضانيّة، فقبل الإمساك بساعتين يبدأ المسحّراتي جولته الّليلية في الأحياء الشّعبية موقظاً أهاليها للقيام على ضرب طبلته وصوته الجميل يصدح بأجمل الكلمات مما يضفي سحراً خاصّاً على المكان، ومن العبارات المشهورة للمسحّرين قولهم: يا نايم وحّد الدّايم يـا غافي وحّـد الله... يا نايم وحّد مولاك إلي خلقك ما ينساك... قوموا إلى سحوركم جاء رمضان يزوركم، ويقوم بتلحين هذه العبارات بواسطة ضربات فنّية يوجّهها إلى طبلته.

وقديماً كان المسحّراتي لا يأخذ أجره، وكان ينتظر حتى أول أيام العيد فيمر بالمنازل منزلاً منزلاً ومعه طبلته المعهودة، فيوالي الضّرب على طبلته نهار العيد، فيهب له النّاس بالمال والهدايا والحلويّات ويبادلونه عبارات التّهنئة بالعيد السّعيد.

العدد 4672 - الإثنين 22 يونيو 2015م الموافق 05 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً