العدد 4697 - الجمعة 17 يوليو 2015م الموافق 01 شوال 1436هـ

الثقافة الدفاعية

منصور القطري comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

بعد الانتهاء من دراسة استشارية قدمتها لأحد الأجهزة الخدمية تتعلق برضا المواطنين عن الخدمات المقدمة من ذلك الجهاز، واستعداداً إلى اللقاء الذي حضره المدير العام ومعه أعضاء وقادة الإدارة العليا، فكّرت في عبارة تمهيدية أبدأ بها العرض التقديمي للدراسة الاستشارية التي انتهيت من إعدادها التو، وقد أردت لهذه العبارة أن توصل هدفاً محدداً بين طياتها فقلت: أي ملاحظة تأتي إليك أو إلى إدارتك يجب النظر إليها باعتبارها فرصة للتطوير.

نعم. الانتقادات والملاحظات (فرصة للتطوير)، فرصة لتطوير الذات والمنظمات بل والمجتمعات والأوطان أيضاً. ولذلك فإن العقلاء قديماً كانوا يطلبون النقد حتى من الأعداء. يقول الشاعر:

عداتي لهم فضلٌ عليّ ومنةُ

فلا أبعد الرحمن عني الأعاديا

همو كشفوا عن زلتي فاجتنبتها

وهم نافسوني فارتقيت المعاليا

إن عدم تقبل النقد يعني الاحتماء بالثقافة الدفاعية التي تتنكر للحقائق ولا تعترف بالأخطاء. الثقافة الدفاعية ظاهرة خطيرة فهي تحيط نفسها بسياج من المعتقدات الخاصة بها؛ ما يمنعها من إعادة النظر لما يدور داخل الخيمة. «الخيمة المغلقة»، وذلك يعني تشرنق الأنا وادعاء الكمال الذي هو الانحياز غير الواعي للتكرار والاجترار، إنه صورة مشوهة لتمجيد الذات؛ فكل الأفكار والآراء مرفوضة إلا إذا جاءت في خدمة ما يُعتقد أنه صواب!

الثقافة الدفاعية لها صلة وثيقة بتطوير المنظمات الإدارية والتي يمكننا تقسيمها إلى ثلاثة أنماط. النمط الأول: منظمة تقليدية، وهذه المنظمة لا ترتكز على قناعات ومبادئ في التطوير والتغيير؛ ولذلك نجد هذا النوع من المنظمات ساكنة جامدة لا تعير أهمية للرأي الآخر، سواء كان هذا الآخر عملاء أو مواطنين أو موظفين...إلخ. وفي هذه المنظمات ليس هناك حاجة لعقد اجتماعات؛ لأن الأخطاء تتكرر والمشاكل تتراكم وهي تقف جامدة منذ سنين في المربع رقم صفر.

النمط الثاني من المنظمات: منظمة حل المشاكل. وفي هذا النوع نجد المنظمة تهتم بالمشكلات والملاحظات وتحاول أن تبحث عن مواقع الخلل.

تعقد اجتماعات، تخرج بتوصيات، تتابع تطبيقها؛ لكن سقف طموحها لا يتعدى حل المشاكل!

النمط الثالث: هي المنظمة المبدعة، ونجد لهذا النوع سمات وملامح متفردة، ولها تميز وتألق في أذهان الناس حيث ينظر لها باعتبارها مثالاً وقدوة.

كما نجد هذه المنظمات قد حسمت أمرها لمصلحة العقل المنفتح البعيد عن الحساسية وهي غير محكومة بالثقافة الدفاعية. ومن الواضح أن المنظمة المبدعة لا تكتفي بالتغييرات الشكلانية وعمليات التحديث السطحية.

بقي أمر مهم لابد من الإشارة إليه، هو الاعتراف أن معضلة الثقافة الدفاعية تبدأ من رأس الهرم الإداري، فإذا وجدت الإدارة العليا تنهج منهج الانفتاح وقبول الرأي الآخر وترحب به، بل وتبادر بدعوة الآخرين إليه فاعلم أن القافلة تسير في الطريق الصحيح.

جاء في تراثنا الزاهر: «إذا رأيتني ضللت الطريق فخذ بمجامع ثيابي وهزني هزاً عنيفاً وقل لي: اتق الله يا عمر فإنك ستموت»، كلام الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز لمستشاره عمر بن مهاجر!

إقرأ أيضا لـ "منصور القطري"

العدد 4697 - الجمعة 17 يوليو 2015م الموافق 01 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً