العدد 4703 - الخميس 23 يوليو 2015م الموافق 07 شوال 1436هـ

مجزرة البعثات... جريمة في حق الوطن والمواطنين

محمد عباس علي comments [at] alwasatnews.com

عضو سابق في مجلس بلدي المحرق

في محفل ضمّ نخبةً من خيرة المثقفين من سيدات ورجال، وهم خليط من مناطق مختلفة من بحريننا الحبيبة، وقف والد الطالبة المتفوقة فاطمة والمتخرجة حديثاً من مدرسة النور الثانوية، الفرع العلمي كيم/ حيا، والحاصلة على معدل تراكمي 99%، راوياً مأساة ابنته المتفوقة، حيث كان حلمها الحصول على بعثة لدراسة الطب البشري، ولكن بدل أن تُكافأ على تفوّقها بتحقيق رغبتها الأولى، فقد أعطيت لها منحة دراسية، مقدارها 400 دينار بحريني.

وقد طرق والدها جميع الأبواب المتاحة حتى يتمكن من تحقيق حلم ابنته المتفوقة، والتي يحقّ له ولكل مواطن شريف يعشق تراب هذا الوطن أن يفتخر بها وبأمثالها من المتفوقين والمتفوقات... إلا أنه وجد جميع الأبواب موصدة أمامه، وهو لايزال حائراً ويبحث عن حل عادل ومنصف.

في الجلسة نفسها، تحدّث شخصٌ آخر عن مأساة المتفوقين من أبناء وبنات قريته، عراد القديمة، هذا العام، والذين وصل عددهم ثمانية أفراد حاصلين على معدلات 95% فما فوق، ولم يحصل أحدٌ منهم على بعثة دراسية.

هذه النماذج مجرد غيض من فيض، من مجزرة_البعثات، حيث يُحارَب المتفوقون من خلال حرمانهم من حقوقهم الطبيعية كمواطنين، بعدم إعطائهم البعثات التي يستحقونها عن جدارة تامة. والمفارقة أن الوزارة المسئولة عن رعايتهم وتعليمهم، هي من تمارس سياسة التمييز المقيت ضدهم.

إن السياسة الجديدة التي اتبعتها وزارة التربية بعد فترة السلامة الوطنية العام 2011، باحتساب 60% فقط من المعدل وتخصيص 40% للمقابلة الشخصية، فتح الباب على مصراعيه للتلاعب الواضح بمصير مئات المتفوقين. فليس هناك أسس علمية أو تربوية تبرّر إعطاء أي نسبة مئوية، مهما كانت محدودة، للمقابلة الشخصية.

من الناحية العلمية، هناك بعض الاختبارات المقنّنة التي من خلالها يمكن التعرف على السمات الشخصية، ويمكن أن تساعد على عمل ملف شخصي للفرد Personal Profile، والذي يمكن أن يعطي إشارات تفيد عن شخصية الأفراد. ولكن لا يمكن من خلالها الجزم بأن هذا الشخص يمكن أن ينجح في هذا التخصص ويخفق في ذاك. هذا بالنسبة للاختبارات المبنية على أسس علمية، وتُعطى في ظروف معينة، فما بالك بمقابلات شخصية متسرعة محدودة الوقت وتحكمها الانطباعات والأمزجة الشخصية والمواقف المسبقة. هذا فضلاً عن السمات الخاصة للقائمين على هذه المقابلات وكيفية رؤيتهم لسياسة الوزارة، وعلى نظرتهم لمختلف شرائح المجتمع وعلى نوعية التدريب الذي تلقوه... إلخ.

كما أن من المفترض أن أي صرح تعليمي مرموق، عليه أن يسعى جاهداً وبشكل مستمر، لتقوية وترسيخ مصداقية نتائج نظام الامتحانات والتقويم لديه، ليصل إلى أعلى مستويات ممكنة، من خلال زيادة أدوات التقويم المبنية على الموضوعية والبعد عن المزاجية والانطباعات الشخصية والمواقف المسبقة. فماذا يعني أن يتعلم الطالب في المدرسة طوال 12 عاماً، ويحصل على معدلات مرتفعة بفضل الجهد والاجتهاد والمثابرة، وفي الأخير تقرّر مصيره ومستقبله مقابلة شخصية يشوبها جميع أنواع العوار! فهل يفهم بأن الرسالة الموجّهة للمتفوقين المجتهدين من هذه الفئة، هي أن نتيجتك التي تصدّق عليها وتعترف بنتيجتها كل جامعات العالم، لا تساوي عندي شيئاً، حيث أن أداتي الأخرى المخترعة والتي ليس لها أصل ولا سند علمي رصين، سوف تسحق وبشكل عملي النتيجة التي حصلت عليها؟

فيا للعجب من هكذا صرح تعليمي لا يحترم حتى مخرجاته، فأي إسهامٍ يقدّمه من خلال سياساته «المكارثية» هذه، التي تسعى بكل جهدها لعرقلة تقدّم المتفوقين والمتفوقات، من فئةٍ كبيرةٍ من المجتمع!

فعلى مدار السنوات الأربع الأخيرة عانى ما عاناه المتفوقون وذووهم من طائفة كبرى في المجتمع، من نظام التمييز المتّبع في توزيع البعثات الدراسية، حيث استهدافهم هي سمته البارزة. ويحق لنا أن نسأل: لماذا لا يعترض الطلبة على المعايير المتبعة في بعثات سمو ولي العهد، ولا على نتائجها؟ والجواب على ذلك، أنه وبكل بساطة، أن المعايير المتبعة في اختيار الحاصلين على بعثات سمو ولي العهد واضحة وشفافة، وفيها تطبّق مبادئ التنافسية والعدالة، وأن اللجنة المشرفة عليها هي جهة محايدة ومتخصصة وغير منحازة.

إن سياسة الإقصاء والتهميش والاستهداف المتبعة من وزارة التربية فيما يخص توزيع البعثات على المتفوقين، لها نتائج وخيمة على الوطن ومسيرته. فهي بلاشك تخلق فجوة وجفاء بين المواطن والسلطة، حيث سيشعر المواطن بأن أحد أذرع السلطة يستهدفه بشكل مباشر، عن سابق إصرار وترصد، وهو أمرٌ خطيرٌ وتراكمه وتأصيله سنة بعد أخرى يعني بأنه أمرٌ مقصود وممنهج. فالمواطن يشعر بأنه مستهدَفٌ من الجهات التي يفترض منها أن ترعى تقدمه وطموحه.

ثم إنه هل سيبقى أثر هذا التمييز على هذا الجيل؟ بالطبع لا، فهو أمر تراكمي وستتناقله الأجيال، وسيحدّث الآباء أبناءهم بما وقع عليهم من حيف وظلم، فهل سيساهم هذا في رقي الوطن واستقراره؟ فحب الوطن يعني العدل والإنصاف والشفافية، وليس بمحاربة المتفوقين والمجتهدين والنابهين من فئة معينة من المجتمع!

كذلك إن التمييز في إعطاء البعثات لمن لا يستحقها، إساءةٌ عظيمةٌ للوطن على مختلف المستويات. فهي تعني وبشكل عملي، بأنك أهملت وعطلت الطاقات التي يمكن أن تخدم البلد وترفع من شأنه، من خلال إبعادها عن المواقع التي تتطلب طلبة متميزين، وهذه جريمة كبرى. وتتضاعف هذه الجريمة من خلال التدخل السلبي بإعطاء البعثات للذين هم أقل كفاءةً ومقدرةً، والذين من المؤكد سوف لن يكونوا بمستوى أداء المتفوقين، وهذه جريمة أخرى يدفع ثمنها الوطن في حاضره ومستقبله. وهي ليست شجاعة ولا وطنية، بل هي محاربةٌ للوطن بأسره وإساءة لمستقبله.

إن المطلوب التدخل السريع لتصحيح الأوضاع، وذلك من خلال العمل على أبعاد مختلفة. فيما يخص بالبعد الآني، هو القيام بعملية مستعجله تهدف إلى تصحيح نتائج البعثات، وذلك من خلال إلغاء نتائج المقابلات الشخصية، والاعتماد فقط على المعدلات التراكمية لنتائج الطلبة، كما هو معتمد في بقية بلدان العالم، على أن تكون العملية شفافة، وتنشر نتائج البعثات، على غرار ما يتبع مع بعثات ولي العهد، والدول الخليجية الشقيقة مثل دولة الكويت على سبيل المثال.

أما فيما يخص المدى المتوسط، فينبغي استحداث هيئة وطنية تتبنى معايير الكفاءة، والعدالة والشفافية على غرار لجنة بعثات سمو ولي العهد. أما فيما يخص المدى البعيد فأن تخضع جميع إجراءات الهيئة المشرفة على البعثات إلى المراجعة المستمرة من خلال جهات عالمية متخصصة في مجال التقييم والتعليم. وهذا من شأنه أن يصحّح الأوضاع الخاطئة وغير العادلة، ويعيد الثقة بين المواطن والمسئولين خصوصاً في وزارة التربية والتعليم.

إقرأ أيضا لـ "محمد عباس علي"

العدد 4703 - الخميس 23 يوليو 2015م الموافق 07 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 21 | 7:05 م

      بارك الله فيك

      انا برايي انه لا تتعبون انفسكم و تسجلون لهي البعثات... كملوا حياتكم بانفسكم وعلى نقتكم... فلنهاية احنا بنكون الناس الي صج اشتغلته على روحنة و اصبحنا ناس اقوياء علميا و شخصيا... هذا ما سوف نعلم ابناءنا و ابناء ابناءنا.... والله انشالله يوفقنا في احوالنا وفي دراستنا.

    • زائر 17 | 1:10 م

      وين دور النواب في كل ما يحدث

      أين النواب النيام عن مشكله بهذ الحجم

    • زائر 16 | 12:31 م

      شعار

      شعار الظلام محاربة الطيبين المخلصين للوطن المشتكى لله وشكرا ايها الكاتب والله افرج عن المعتقلين

    • زائر 14 | 11:34 ص

      انتبهوا لما يحاك لكم

      علينا أن نقف نحن الشعب البحرين وقفة رجل واحد ونتحد على الحق ولا نقبل بمن يفرق ويميز بين المواطنين بطائفية.
      وأن نعمل على قطع الطريق على هذه التصرفات الرعناء.
      إذا أنا وأنت نفس واحد.. مشاريعنا التجارية واحدة.. مصيبتك مصيبتي.. مالي مالك.. تحت شعار
      نتحد في كل شيء
      الاتحاد فيه خوف إعداء الوطن

    • زائر 12 | 10:41 ص

      لا يمكن ان تستمر هكذا مهازل في اي دوله تحترم مواطنيها

      اتفق تماما مع كاتب المقال فيما ذهب اليه من ان الحل يتمثل في المستويات الثلاثة المذكورة في اخر المقال. وزارة التربية لعدم نزاهتها غير مؤهله بان تقوم على أمر البعثات.

    • زائر 11 | 10:38 ص

      الجميع يعرف بان سياسة وزارة التربية هي ضد مصلحة الوطن

      اختراع طرق ووسائل ما انزول الله بها من سلطان وتتخذ كمدخل لضرب فئة كبيرة من هذا المجتمع. نحم في عام 2015م، وهذا يحدث في وضح النهار. هل شعب البحرين غير قادر عن التميز، ام انه لم يبلغ الرشد حتى تنطلي عليه مثل هذه الحيل ولوسائل التي اقل ان يقال عنها بانها غير اخلاقية ولا تربوية؟
      طبعا هذا سيسجله التاريخ. وان الله موجود وحاشاه الظلم. القصاص للظالم.

    • زائر 9 | 5:52 ص

      شكرا استاذ محمد

      مقال رائع ومهم وأرجو من جميع كتاب الوسط الشرفاء أن يركزوا على مجزرة البعثات وأن يصروا على ضرورة انصاف طلبتنا ، كما اتمنى الرد على النائب الذي يقف ضد انصاف الطلبة ويصر على التميز الذي يدعي التميز .

    • زائر 8 | 4:38 ص

      مجزرة البعثات...جريمه في حق الوطن والمواطن

      شكرًا للأخ كاتب المقال للأسف بعد تصريح احد المسؤولين في إحدي الجرائد صرح وصراحة انه لها دواعي وطائفي من الدرجه الأولي حيث صرح وبدون تردد انهم لا يستحقون البعثات وهو كلام الا مسؤول ارجوا منك أيها الكاتب تواجه برد اقوي وعبر جريدتكم الموقره متمثلا برئيسها ومواجهة التحديات التي تواجه المتفوقين لما حصل عليهم جور وظلم

    • زائر 7 | 3:54 ص

      وينك

      وينك في السبعينات والثمانينات يوم انظلمت طائفة رئيسية من المواطنين ............. ما نقول الا تبا لطائفيتكم وموتوا بغيظكم.

    • زائر 15 زائر 7 | 12:24 م

      لن نموت بغيضنا لانه بعين الله

      نحن ابناء اليوم و لا نتحمل مسؤلية ما فعله من قبلنا ان كان صحيحا ما تدعيه و هذا الادعاء باطل و اذا لم يكن باطلا اذهب للنيابة العامة و قدم شكوى ضدها !!!!

    • زائر 18 زائر 7 | 1:57 م

      اقول

      انت لوعندك بنت مجتهدة وتفوقت بدرجات عالية هل ترضى لها الظلم وغيرها بدرجات اقل تحصل على
      بعثه ماذا سيكون ردك ايها الأرعن

    • زائر 6 | 2:29 ص

      كلمة الحق مرفوظة عزيزي الكاتب

      سوف توجه سهام الانتقاد لصوت من ينادي بانصاف هؤلاء المتفوقين بأنه طائفي ويمارس الابتزاز السياسي الله على الظالم

    • زائر 5 | 1:41 ص

      بوحسن


      نعم .. يحذر أن يظلم أو يكون حتى سببا في ظلم أحد و لكن هناك قلوبا قد أصبحت أشد قسوة من الحجارة ظلمت و تمادت في ظلمها
      ظنت أن إمهال الله لهاهو نصر لها
      ظنت أنها بفوزها و انتصاراها على من ظلمته
      قد انتهى كل شئ و انتهت القصة
      و لكن وأسفاه على ضعف عقول هؤلاء الظلمة
      وأسفاه على عمى بصائرهم و تناسيهم
      أن هناك رب لهذا الكون
      رب لا ينسى
      رب يمهل و لا يهمل فلا يفيق هؤلاء إلا بصفعة قوية من الجبار

    • زائر 4 | 12:21 ص

      نكتة التوازن عند النائب ألحين بنت 99نسبتها ومخلسينها جان بتقول توازن حسبي الله عليك

      البعثات للمجنسين وللي 90 وليش الخوف من نشر في الصحف نسبة المعدل ونوع البعثة والإسم والبلد المبتعث إليه حتى ترتاح النفوس كالكويت الشقيقة

    • زائر 3 | 12:13 ص

      بصوتك تقدر

      قفز هذا الهراء المحض مباشرة أمام عيني، وأنا أقرأ هذه السطور.
      في وطن يرفض برلمانه المنتخب تشريع قانون يجرم التمييز، يعني أن هناك سبق إصرار وترصد، وأن هناك مشروعا إقصائيا يستهدف مكونا واسعا، تهمته المطالبة بالديمقراطية منجى من هذا التهميش.
      إن كنت تقول لمواطن بأنه بنبوغه لا يستحق أن يكون شيئا، فكيف تقنع عدما بأن له صوتا يمكن أن يقول فضلا عن أن يسمع؟
      كل شيء خارج المألوف عادي، بل ومألوف، في وطن يستأمن فيه الطائفيون شئون البلاد والعباد.
      بلعبة النسب المستحدثة: أنت مواطن منقوص السيادة على ذاتك.. وكفى

    • زائر 2 | 10:42 م

      ما لم يحدث

      من تعديل الأوضاع سابقا لن يحصل اليوم هناك من شد على يد الوزير والوزارة وصفقوا ووفروا الدعم له ليواصل المجون والجنون انها سياسة دولة وكفى ولذا لتتحرك الجهات الأهلية والمقتدرين لعمل صندوق دعم الطالب والصناديق الخيرية والعلماء والمكاتب الفقهية انه مستقبل المواطن

    • زائر 1 | 10:15 م

      بارك الله فيك

      مقال منصف شكرا لك وللوسط.
      أتمنى أن لا يتحقق خوف الكثيرين بانتهاء فزعة مجزرة البعثات هذه الأيام فتتكرر كل عام.
      نتمنى نشوف تحرك قوي من المعارضة لا يتوقف إلا بإنصاف الطلبة المتضررين.

اقرأ ايضاً